إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

واشنطن: الكيانات المنفصلة حتى للأكراد

عامر نعيم الياس - البناء

نسخة للطباعة 2015-06-20

إقرأ ايضاً


لا تحبّذ واشنطن أي وحدةٍ في هذه البلاد حتى من القوميات غير العربية، فالمشروع هو التقسيم على أسس طائفية ومذهبية، وصولاً إلى القومية غير الجامعة على المستوى الوطني، التي لا تستثنى منها تلك الكردية التي تقدمت على أنقاض المشروع العربي منذ تسعينات القرن الماضي والغزو العراقي للكويت الذي دقَّ المسمار الأول والأخير في نعش هذه الأمة، وأرّخ لنهاية الدول الوطنية بشكلها الذي عرفته منذ سبعينات القرن الماضي.

الأكراد يتقدّمون في سورية. وصلوا إلى تل أبيض ودخلوا إليها محققين «إنجازاً تاريخياً» في مواجهة «هزيمة مذلّة» عبر تقدّم مقاتلي ما يسمى وحدات حماية الشعب الكردي بغطاء جوّي أميركي. جملة من الأمور طرحت تساؤلات حول «سرعة انهيار لم تكن متوقعة ما يشير إلى أن تنظيم داعش غيّر من قواعده التكتيكية». إن ما جرى يعطي الأكراد «دفعةً قويةً في المنطقة ويتيح لهم السيطرة على مناطق متجاورة من حدود إيران والعراق وسورية».

كل ما سبق كان اقتباساً من مقال نشر في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية حول التطوّرات الأخيرة في مدينة تل أبيض السورية. هذا التطوّر الذي أفرز حملات إعلامية حول أثر التقدّم الأخير للأكراد على موازين القوى في سورية وصراع المشاريع على الأرض السورية، وهو ما كنا قد أشرنا إليه في «البناء» منذ أكثر من سنة. فالمشروع الكردي ليس وليد السيطرة على مدينة تل أبيض، ووحدات حماية الشعب الكردي هي ذراع أميركية في سورية منذ الاتفاقات الخاصة بتحرير عين العرب من «داعش». كما أن الحلم الكردي الانفصالي في سورية هو حاضر الآخر في الوجدان السوري منذ أحداث الشغب التي حدثت في مدينة القامشلي في 12 آذار من عام 2004، ولسنا بحاجة إلى الرهان على أحصنة خاسرة، ثم فجأة شن حملات إعلامية والحديث عن الأكراد وحلمهم الانفصالي باعتباره مفاجأة بعد أن أصبح أمراً واقعاً أكثر من أي وقتٍ مضى، واتهام كل من يشير إليه في الفترات السابقة ومنذ أكثر من سنة بالتعصّب لقوميته، وكأن الأكراد يضربون مثالاً في التسامح القومي والتعدّدية الديمقراطية.

بالعودة إلى الأكراد السوريين والموقف الأميركي الذي لخصته صحيفة «واشنطن بوست» بألفاظ رنانة لها وقع، يمكن القول إن الأميركيين في سورية يدعمون التوجّه الكردي لتحقيق حلمهم بالإدارة الذاتية التي لا ترقَ إلى مصافي الدولة الكردية في سورية على المستوى الرسمي فقط، مقابل تحقيق مصالح واشنطن بتطويع الأكراد نهائياً وتشكيل قاعدة أميركية جديدة وللمرة الأولى في التاريخ في قلب الأراضي السورية. هنا يبدو الأميركي مندفعاً في تلبية طموحات الأكراد. في المقابل تبدو الأمور بالنسبة إلى العراق مختلفة، إذ رفض مجلس الشيوخ الأميركي تسليح البشمركة بمعزل عن الحكومة الاتحادية في العراق، وهو قرار رحبت به بغداد، ويبدو موجهاً لأكراد إقليم كردستان بوضع حدٍّ لطموحاتهم في تشكيل دولة على حدود سورية والعراق وإيران وتركيا، وبهذا المعنى، فإن بعض المراقبين طرحوا تساؤلاً حول التناقض الأميركي بين العراق وسورية، وهل فعلاً هذا التناقض موجود، وهل تغيّر موقف واشنطن من أكراد العراق؟

لم يتغيّر موقف واشنطن من الأكراد، فالأساس يبقى بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الحفاظ على مصالحها في المنطقة، وبهذا المعنى تريد واشنطن من سورية التقسيم كما العراق، لكنه تقسيم محكوم بسقف الحكم الذاتي والاستقلال غير الرسمي الذي يعني عدم إعلان الدولة الكردية حتى من جانبٍ واحد وهو ما يدركه الأكراد في العراق الذين لم يعلقوا على قرار مجلس الشيوخ الأميركي، الذي أتى إدراكاً من واشنطن بعدم القدرة على المسّ بمصالح حلفائها في المنطقة من ناحية، واستحالة إقامة وطن للأكراد على الحدود التركية ـ السورية والعراقية ـ الإيرانية من ناحية أخرى، فضلاً عن أن رفض فكرة الوحدة والتركيز على التقسيم والتفتيت والانفصال يبقى أساس التفكير الأميركي الإمبريالي للسيطرة على هذه المنطقة تحديداً، وبالتالي يمنع على الأكراد الوحدة، فلا دولة لهم في المدى البعيد، فهم مجرد أداة تقسيم ومنع قيام دولة مركزية مشرقية قوية إلا في حدود الرغبة والاستراتيجية الأميركية في المنطقة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024