شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2015-07-04
 

المعجزة... بعد العجز!

معن حمية - البناء

انشغل المراقبون والمتابعون بدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى توحيد جهود دول المنطقة لمحاربة الإرهاب، وذهب البعض إلى اعتبارها مؤشراً إلى مرحلة جديدة، تُخلطُ فيها أوراق كثيرة ومفتوحة على احتمالات عدة. خصوصاً أنّ الدعوة جاءت على خلفية إشارات قال بوتين إنّ روسيا تلقتها من دول عدة، بينها تركيا والسعودية والأردن، حيث أعربت هذه الدول عن رغبتها في تأدية قسطها ضدّ الإرهاب المتمثل بـ«داعش».

الدول التي تمّ ذكرها، لم تعلق بالنفي أو التأكيد، إعلامها الموجّه التزم الصمت، ومحللوها نأوا بأنفسهم عن الشاشات والمساحات التحليلية، ذلك أنّ الدول المرشحة للاشتراك إلى جانب سورية في حلف ضدّ الإرهاب، تقيم قنوات اتصال مع روسيا الاتحادية، حتى أنّ الدعوة الروسية جاءت بعد أيام قليلة على زيارة قام بها مسؤول سعودي رفيع المستوى إلى موسكو.

المراقبون تلمّسوا أنّ الطرح الروسي ربما يوصل إلى شيء ما، لم يكن مرتقباً، فوزير الخارجية السوري وليد المعلم في موسكو يلتقي الرئيس بوتين، والأخير يؤكد دعم سورية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. ويؤكد أيضاً أنّ سياسة روسيا بدعم سورية والقيادة السورية والشعب السوري لن تتغيّر، وأنها أيّ روسيا مستعدّة لدعم دمشق إذا اتجهت إلى الدخول في حلف مع دول أخرى في المنطقة، بما فيها تركيا والأردن والسعودية، لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي. وأردف بوتين مخاطباً الوزير المعلم بعبارة: «لكن إذا اعتبرت القيادة السورية هذه الفكرة مفيدة وممكنة».

«تحالف سورية مع الدول المذكورة ضدّ الإرهاب معجزة كبيرة، لأنّ الدول المُشار إليها تدعم الإرهاب»، هكذا قال الوزير المعلم، لكنه أضاف: «إذا كان هناك صدق في النوايا، وإذا توقفت هذه الدول عن دعم الإرهاب، يمكن عندها الحديث عن معجزة»!

لاحقاً قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن في موسكو 3 تموز: إنّ الرئيس الروسي اقترح على جميع دول المنطقة توحيد جهودها، مبادرة تشمل المكوّنات السورية المختلفة التي تؤمن بوحدة وسيادة سورية، وتخصّ أكراد سورية أيضاً، ودولاً أخرى بما فيها العراق وإيران وتركيا والسعودية».

الدعوة أو المبادرة الروسية، لم تأتِ من فراغ، بل هي ترجمة للموقف الروسي الثابت بدعم سورية، وتأكيد على المسار الذي سلكته روسيا منذ بداية الأزمة السورية والذي يشدّد على ضرورة الحلّ السياسي، وقد سبق لموسكو أن قامت بحراك واسع في هذا الاتجاه فاستضافت لقاءات ورعت حوارات ومفاوضات بين الحكومة السورية وما يُسمّى قوى المعارضة.

والمبادرة الروسية لم تأت من فراغ، لأنها تستند بالتأكيد إلى إشارات تلقتها روسيا من دول تدعم المجموعات الإرهابية المتطرفة. والمعجزة هي في أن تتحالف هذه الدول مع سورية ضدّ الإرهاب كما قال الوزير المعلم!

ولأننا في زمن مفتوح على «المعجزات»، رأينا كيف أنّ الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي سارع إلى تلقّف الحديث عن مبادرة روسية، وخرج بعبارات مهذّبة لم نعهده نطق بمثلها طوال سنوات الأزمة السورية. فهو يؤكد بهدوء ومن دون توتر أنّ سورية عضو مؤسّس في الجامعة، ولم تجمّد عضويتها، بدليل أنّ العلم السوري بقي مرفوعاً في قاعة الاجتماعات!

ولأنّ نبيل العربي ينطق باسم السعودية ودول ما يُسمّى «الاعتدال العربي»، فقد قرأ المراقبون في المبادرة الروسية ملامح مرحلة جديدة، قد تسهم في صياغة مشهد عربي جديد يقوم على محورية دور سورية.

قبل أن يتمدّد الإرهاب بصورته الوحشية إلى فرنسا ونيجيريا وتونس والكويت ومصر ودول عدة، كانت روسيا تحذّر من خطر الإرهاب وتبذل جهوداً جبارة من أجل إيجاد حلّ للأزمة السورية، لأنها اعتبرت منذ الأساس أنّ دعم الإرهاب والتطرف في سورية والعراق، يساهم في انتشاره وتمدّده في كلّ دول العالم. لكن جهود روسيا لم تثمر بسبب الموقف الذي اتخذته قوى دولية عدة على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وهو موقف لا يريد حلاً سياسياً للأزمة السورية، ويدفع بهذه الأزمة إلى أن تستمرّ وتستعر بهدف استنزاف قوة سورية وإضعاف موقفها ومن ثمّ إسقاطها موقعاً ودوراً.

مع تمدّد الإرهاب إلى خارج الجغرافيا السورية، بدأ الغرب يشعر بالقلق والخطر. فالاعتداءات الإرهابية التي حدثت في أكثر من مكان في العالم، أعادت شريط الأحداث إلى تفجيرات 11 أيلول الإرهابية التي ضربت في الولايات المتحدة الأميركية. فالمسؤول عن هذه التفجيرات الإرهابية هو تنظيم «القاعدة»، التنظيم ذاته الذي دعمته واشنطن في أفغانستان ضدّ الاتحاد السوفياتي!

الدول الغربية عموماً، وواشنطن في الدرجة الأولى بدأت تتلمّس أنّ طابخ السمّ آكله. فقد ثبت أنّ «داعش» و«النصرة» وأخواتهما، ليسوا أقلّ وحشية وإجراماً من «القاعدة»، فهم جميعاً من نسل «القاعدة» ومتفرّعاتها. لذلك قد تشكل الدعوة الروسية مخرجاً مناسباً لجميع الدول المتورّطة في دعم الإرهاب والتطرف.

ما تقدّم لا يعني أنّ واشنطن أوقفت الاستثمار في الإرهاب، ولا يعني أنّ تركيا ومعها بعض الدول العربية انخرطت فعلاً إلى جانب سورية في تحالف ضدّ الإرهاب. لكن ما هو مؤكد أنّ الإشارات التي تلقتها روسيا من بعض الدول، تحتاج إلى ترجمة على أرض الواقع، ترجمة تبدأ بخطوات تركية جادّة وإعلان واضح بالتوقف عن مؤازرة المجموعات الإرهابية ودعمها، ووقف تصدير الإرهابيين عبر أراضيها إلى سورية. والتوقف أيضاً عن القيام بحشد قواتها على طول الحدود مع سورية والتهديد باجتياز أراض سورية جديدة، بذريعة حماية أمنها من خطر الإرهاب، وهي التي جاءت بالإرهاب ودعمته. كما لا بدّ من خطوات مماثلة من الجانب الأردني، وموقف واضح من السعودية يقضي بوقف تمويل الإرهاب، وبوقف التحريض الإعلامي والسياسي والشحن الغرائزي.

ما هو مهمّ أن روسيا التقطت إشارات العجز الصادرة عن الدول الداعمة للإرهاب، في لحظة «تخلّ» أميركية ـ غربية ـ أوروبية. فالولايات المتحدة منشغلة بالتعميم على بعثاتها الديبلوماسية باتخاذ الإجراءات المناسبة في مواجهة تهديدات إرهابية محتملة، وبريطانيا تدرس الخطوات لزيادة دورها في الحرب على الإرهاب، على خلفية تفجيرات تونس الإرهابية التي ذهب ضحيتها مواطنون بريطانيون، وفرنسا ينتابها القلق العميق من جراء الإرهاب الذي ضربها، وتركيا الأردوغانية باتت منهكة بعد الانتخابات الأخيرة التي قوّضت تفرّد أردوغان وحزبه بالسلطة، والعدو «الإسرائيلي» فشل فشلاً ذريعاً في إقامة جداره «الطيب»، وفي محاولته استمالة شريحة سورية تحت عنوان حمايتها، إضافة إلى أنّ الدول العربية الداعمة للمجموعات الإرهابية بدأت تشعر باقتراب الخطر منها، وكلّ هذه الأمور مجتمعة إشارات عجز في المحور المعادي.

بعد ذلك، وفقط بعد ذلك، يمكن الحديث عن معجزة…


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه