إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"ديموقراطية" الاتجاه الوحيد في الإسلام السياسي

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2015-09-07

إقرأ ايضاً


يتفق معظم المتابعين للشؤون التركية الداخلية، من الأتراك وغيرهم، على أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات يُظهر المزيد من النزعات السلطوية الديكتاتورية التي ظلت كامنة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية. ولا يقتصر هذا التوافق على خصوم أردوغان وحزبه الإسلامي "حزب العدالة والتنمية"، وإنما نراه واضحاً عند عدد من حلفائه وأبرزهم عبدالله غول الرئيس التركي السابق الذي شارك أردوغان مسيرة السيطرة على زمام الحكم منذ أن فاز الإسلاميون بالإنتخابات النيابة العامة سنة 2002.

لكن ما يلفت نظرنا في هذا الكم الكبير من المعلومات والتوصيفات التي تبرز مظاهر سلطوية أردوغان وطموحاته الديكتاتورية أن الذين يروجون لها غالباً ما يقعون في مطب شخصنة النزعة الديكتاتورية لدى الرئيس التركي الساعي بكل ما أوتي من قوة وأدوات إلى تعديل دستور البلاد وتحويل تركيبة النظام من مجلس نيابي يختار رئيساً للوزراء يدير دفة الحكم إلى رئاسة تمتلك كامل الصلاحيات التنفيذية مع رئيس يتربع على قمة الهرم السلطوي. هذه النظرة صحيحة تماماً، إلا أنها تتجاهل بطريقة أو بأخرى طبيعة "حزب العدالة والتنمية" من حيث كونه جزءاً من "جماعة الإخوان المسلمين"، وبالتالي تتجاهل رؤية جماعات الإسلام السياسي إلى الديموقراطية كوسيلة تلتزم بها القوى السياسية كافة لتأمين تبادل مفتوح للسلطة.

فاز "حزب العدالة والتنمية" بالإنتخابات النيابية العامة سنة 2002. كما حقق انتصارات متتابعة في الدورات التالية إلى أن جرت انتخابات حزيران الماضي حيث فشل في تحقيق الغالبية النيابية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً، وإن بقي الحزب الأكبر في المجلس النيابي. وخلال السنوات الثلاث عشرة من حكم الإسلام السياسي، تمكن أردوغان من تحجيم الأحزاب التركية الأخرى ومعها تنظيمات المجتمع المدني ذات التأثير الكبير، ثم تفرغ للمؤسسة العسكرية التي كانت تلعب دوراً مفصلياً في الحياة السياسية منذ قيام الجمهورة التركية في عشرينات القرن الماضي. وبعد سلسلة من اتهامات واعتقالات ومحاكمات طالت كبار القادة العسكريين، العاملين منهم والمتقاعدين، نظم أردوغان استفتاء شعبياً ناجحاً سنة 2010 تضمن إجراءات يمكن اعتبارها ضربة قاضية نهائية لأي نفوذ عسكري مستقبلي على المستوى السياسي في تركيا.

لقد انتشى أردوغان بانتصاراته النيابية، وبنجاحه في الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية، وبتخلصه من أبرز خصومه "الداعية الإسلامي" المقيم في أميركا فتح الله غولين الذي ينافس "حزب العدالة والتنمية" داخل التيارات الإسلامية في تركيا. غير أن الرئيس التركي الطموح لم يتوقع أن يصيبه الناخبون بانتكاسة محرجة في انتخابات حزيران الماضي، هزّت أركان البنيان الذي عمل على إنشائه مذ كان رئيساً لبلدية إستنبول قبل عشرين سنة. ولذلك رأيناه يلجأ إلى كل ما في جعبته من حيل دستورية وغير دستورية لعرقلة عمل المجلس النيابي المنتخب، والمماطلة في تشكيل الحكومة الجديدة، ومن ثم الوصول إلى الحل المثالي بالنسبة إليه أي الدعوة إلى انتخابات جديدة في الأول من تشرين الثاني المقبل... علماً بأنه رفض مرات عدة في السابق، وبعناد عز نظيره، دعوات شعبية وحزبية لإجراء انتخابات مبكرة، طالباً من الشعب التركي وقواه الحزبية أن "يعتادوا" على انتخابات نيابية تجري "دائماً" في مواعيدها المقررة!!

لا شك في أن ممارسات أردوغان الأخيرة تعزز ما تكوّن من انطباعات عن أن نزعاته الديكتاتورية وتعطشه للسلطة المطلقة كانت كامنة فيه منذ البداية، وإن كانت تنتظر الظروف المناسبة كي تتمظهر بالمناورات غير الدستورية التي لجأ إليها لتجريد الأحزاب الأخرى المعارضة من حقها البديهي في السعي إلى تشكيل حكومة إئتلافية بعد فشل رئيس الوزراء المكلف أحمد داوود أوغلو في هذه المهمة.

لكن هل أن أردوغان (على رأس "حزب العدالة والتنمية") نموذج منفرد في مثل هذه الإجراءات التي تتلاعب بالعملية الديموقراطية في حال جاءت نتائجها لغير صالح السلطة؟ الجواب بكل بساطة ووضوح هو: كلا!

خلال السنوات القليلة الماضية شهدنا ثلاث تجارب "ديموقراطية" لوصول جماعات الإسلام السياسي إلى السلطة، وكلها انتهت إلى النتيجة نفسها مع وجود تمايزات طبيعية محلية بين تجربة وأخرى. (النموذج الإيراني يختلف من حيث أنه كان ثورة شعبية، لكن بعض نتائجه يتوافق مع ما نحاول إبرازه). في تونس وصلت "حركة النهضة" إلى السلطة في انتخابات عامة (لكنها حكمت من خلف ستار الترويكا). وفي مصر فازت "جماعة الإخوان المسلمين" بعد ثورة شعبية لم يشارك فيها "الإخوان" منذ البداية، أطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك مخلفة فراغاً قيادياً لم تستطع قوى الثورة الفعلية تعبئته. وقبلهما كان "حزب العدالة والتنمية" التركي قد أسس منذ سنة 2002 لإمكان استلام جماعات الإسلام السياسي الحكم من خلال صناديق الاقتراع وليس فقط بأسلوب العمل السري أو العنف المسلح ضد السلطات الحاكمة.

وفي الحالات الثلاث، مع الأخذ في الاعتبار الفوارق المحلية كما قلنا، كشفت مجريات الأحداث اللاحقة عن حقيقة فهم جماعات الإسلام السياسي لمبداً الديموقراطية القائم على تداول السلطة إنتخابياً في ظل مساواة تامة بين جميع المواطنين بعيداً عن تدخل أو انحياز الأجهزة الحكومية النافذة. إذ تبين أن الديموقراطية بالنسبة إلى هذه الجماعات هي السير في اتجاه وحيد يضمن فوز الإسلام السياسي من خلال صناديق الاقتراع، بحيث قيل إن الانتخابات من وجهة نظر الجماعات الإسلامية تعني فوزها هي بالذات... أي أنها تتسلم مقاليد السلطة بالانتخابات لكنها لن تقبل تداولها مع الآخرين بوجب انتخابات تالية.

راشد الغنوشي في تونس ومحمد مرسي في مصر ورجب طيب أردوغان في تركيا، بغض النظر عن التركيبة الشخصية لكل واحد منهم وظروفه الفكرية والسياسية، هم التأكيد الجازم على أن الديموقراطية بمدلولاتها المتعارف عليها عالمياً لا مكان لها في فهم جماعات الإسلام السياسي لطبيعة الوصول إلى السلطة أولاً، ولكيفية ممارسة السلطة ثانياً، ولآلية الحفاظ على السلطة ثالثاً. وبعيداً عن تنوع الشعارات من "الإسلام هو الحل" إلى "الحاكمية لله" إلى "القرآن دستورنا" وغيرها، فإن جماعات الإسلام السياسي كلها تلتقي عند مبدأها "الديموقراطي" الوحيد: الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع عندما تتاح الفرصة، وبعد ذلك يقضي الله أمراً كان مفعولاً!


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024