إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ديكتاتورية الحراك وعناد السلطة من يأخذ لبنان إلى لعبة الشارع؟

محمد حميّة - البناء

نسخة للطباعة 2015-09-18

إقرأ ايضاً


منذ بداية الحراك المدني في الشارع في شهر آب المنصرم والذي كانت أزمة النفايات الشرارة الأولى لانطلاقته، والتصعيد سيّد الموقف، ليتحوّل في ما بعد إلى صراع بين مجموعات الحراك المدني والسلطة، حيث تصرُّ هذه المجموعات، عند كلّ تظاهرة أو اعتصام أو اقتحام، على مطالبها التي تبدأ بمعالجة أزمة النفايات واستقالة وزير البيئة، وربما لا تنتهي بإسقاط السلطة والنظام معاً، مروراً بإجراء انتخابات نيابية على أساس قانون انتخاب جديد.

صحيح أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كان يفكر بالدعوة إلى طاولة حوار قبل بدء الحراك، وبالتالي لم تأتِ الدعوة تحت ضغط الشارع، لكن لا يمكن تغييب تأثير ما حصل من أحداث في بداية الحراك في التسريع بالدعوة إلى الحوار، وقد شكل اجتماع الأطراف على طاولة واحدة فرصة لهذا الحراك للالتحام المباشر مع من يصفهم بالطبقة السياسية «الفاسدة»، وهذا ما حصل في جولة الحوار الأولى في التاسع من أيلول الحالي، وتكرّر في الجولة الثانية، حيث عبّر المتظاهرون عن سخطهم من خلال رشق البيض على مواكب المشاركين في الحوار واستقبالهم بالشتائم والسباب. لكن، ما هو تأثير ضغط الحراك على مسار ونتائج الحوار؟ وهل وصلت أصداء اعتصامات الساحات إلى داخل جدران القاعة المغلقة؟

تبدو الحدود الضيّقة لتأثير هذا الحراك على طاولة الحوار واضحة، لأنّ جدول أعمالها لم يلحظ المطالب الحياتية والأزمات الاجتماعية والاقتصادية، بل بدأ المتحاورون بحث ملفات سياسية بعضها مرتبط بأزمات المنطقة وينتظر حلاً خارجياً كرئاسة الجمهورية، كما أنّ طاولة الحوار ليست بديلاً عن مجلسي الوزراء والنواب، فهي تناقش القضايا الخلافية الكبرى بين اللبنانيين، وتوفر قدراً هاماً من المناخات المواتية لتفعيل المؤسسات لحلّ الأزمات الاجتماعية، وهذا ما حصل في جلسة الحوار الأولى، وقد كانت جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت على مدى ست ساعات وانتهت بإقرار خطة النفايات أولى ثمرات هذا الحوار، فيما لم يفرض ضغط الحراك وضع القضايا المطلبية على جدول أعمال الطاولة، كما لم يستطع دفع المتحاورين إلى الخروج بنتائج، لا على مستوى الاستحقاق الرئاسي ولا على صعيد إقرار قانون انتخاب ولا غيرهما من الملفات، بل راوحت المواقف مكانها، وخسرت الطاولة في جلستها الثانية العماد ميشال عون المعنيّ المباشر بملف الرئاسة.

وعلى الرغم من إقرار مجلس الوزراء لخطة الوزير أكرم شهيّب لمعالجة أزمة النفايات، إلا أنّ الحراك رفض هذه الخطة ورأى فيها ثغرات عدة وخدعة لامتصاص غضب الشارع وتأجيل الأزمة.

وفي الإطار، تؤكد مصادر في الحراك لـ«البناء» أنّ الحراك «مستمرّ ومجموعاته ستتخذ الخطوات التالية بحسب التطورات ولن تعلن عنها بل ستكون مفاجئة»، محذرة من «أنّ الوضع يتجه إلى مزيد من التصعيد باتجاه كلّ وزارة مسؤولة أو وزير مسؤول عن الأزمات التي يعاني منها المواطن من النفايات إلى الكهرباء والمياه وغيرها».

وهنا يطرح السؤال التالي: إذا كان الحراك يطالب النظام أو الحكومة بحلول للأزمات السياسية والمعيشية، فكيف يمنع المتحاورين من الوصول إلى قاعة الحوار الذي يعمل للخروج بحلول، وأقلها تأمين الغطاء والأجواء الملائمة لتفعيل عمل الحكومة التي تمثل الملاذ الأخير لحلّ الأزمات، لا سيما أنّ البيان الختامي للجلسة الأخيرة أشار إلى أنّ «المجتمعين أكدوا دعم الحكومة لتنفيذ القرارات المتخذة ومعالجة القضايا الحياتية»؟ وإذا كان الحراك يتهم السلطة بالعناد بسبب إهمالها للكثير من القضايا، أليست بعض ممارساته تعبّر عن ديكتاتورية؟ فما الهدف من استهداف الرئيس بري صمام الأمان للبنان في الأزمات؟ وما هي مصلحة الحراك في معاداة شريحة واسعة من اللبنانيين؟ هل هو تصويب على طاولة الحوار ودوره كراعٍٍ لها، وخصوصاً أنه ومنذ إعلان بري عن الدعوة إلى الحوار في مهرجان ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر في النبطية، سارع الحراك إلى رفضها واعتبارها امتصاصاً للحراك وتأجيلاً للأزمات؟

تجيب مصادر في الحراك على ذلك بالقول: «إنّ اجتماعات السلطة لن تثمر نتائج بل سيبقى الحال على ما هو عليه، لأنّ حلول السلطة موقتة لتمضية مرحلة ثم تعود المشكلة لتظهر من جديد في ظلّ غياب المعالجة لأصل المشكلة».

وأضافت: «خطة السلطة لمعالجة ملف النفايات لا تمثل مطالب الناس والحراك الشعبي، بل تمثل السلطة السياسية ومصالحها، فلا يوجد بند تنفيذي فيها سوى إعادة فتح مطمرالناعمة لـ7 أيام والبنود الأخرى مطاطة غير مقيّدة بمهل وتاريخ ومدة ولا تتضمّن مراسيم تنفيذية وتطبيقية، فملف النفايات لا يحتمل عاماً ونصف العام بل يحتاج إلى معالجة جدية وعاجلة، لذلك طرحنا أن يُحال الملف إلى البلديات، وكلّ بلدية تختار منشأة لطمر نفاياتها بطريقة بيئية وصحية وعلمية لتوليد الطاقة الكهربائية».

أما النقطة الثانية، بحسب المصادر، فهي «تحرير أموال البلديات، وقد أعلنت السلطة عن صرف 700 مليار ليرة من الصندوق البلدي المستقلّ، لكنّ المبلغ الحقيقي يجب أن يكون 1920 مليار ليرة وهذا يدلّ على ضبابية الخطة».

في المقابل، يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» أنّ الخطة ستطبق «ولا تراجع عنها رغم اعتراض البعض»، متسائلاً: «أين نذهب بالنفايات إذا أصرّت كلّ منطقة على رفض استقبال نفايات المناطق الأخرى»؟

بعد المواجهات الأخيرة التي دارت في الساحات المقابلة لطاولة الحوار بين القوى الأمنية والمتظاهرين، هل يمكن اعتبارها «بروفا» لأحداث أوسع ستشهدها الساحات في الأيام المقبلة لسيناريو المواجهة بين الحراك والسلطة؟ وماذا لو جرّت استفزازات المتظاهرين، شارعاً مقابلاً ودماء وشهداء، لا سيما أنّ المعلومات تتحدّث عن توجّه لدى مجموعات الحراك إلى اتباع خطوات أسرع وأقوى للمواجهة ومنها التظاهر أمام وزارة الداخلية والدعوة إلى استقالة الوزير نهاد المشنوق الذي تتهمه بإعطاء الأوامر للقوى الأمنية بالاعتداء على المتظاهرين.

مصادر مراقبة لمسار الأحداث في الشارع، حذرت من وجود جهات خارجية تعمل على توتير الشارع وحقنه لنقل الصراع بين الحراك المدني والسلطة على مطالب محقة، إلى صراع بين الحراك من جهة، وأطراف سياسية وشرائح شعبية من جهة ثانية، لإشعال الفتنة. وأكدت المصادر أنّ ذلك سيضرّ بسلمية الحراك ومطالبه ويضرب كلّ الآمال بأن يصل إلى أهدافه، فشتم بعض القيادات ستعتبره بعض الشرائح الشعبية موجهاً إليها، وبالتالي سيخسر الحراك هذه الشرائح بدل استمالتها، لا بل سيجد نفسه في مواجهة معها، بديلاً عن مواجهة السلطة التي خرج ضدّها.

بين ديكتاتورية الحراك وعناد السلطة، هل يُفلت الشارع من أيدي الجميع؟

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024