إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

صراع الأحزاب في «مقبرتها»

حسين حمّود - البناء

نسخة للطباعة 2015-11-20

إقرأ ايضاً


زحلة بعد الياس سكاف ليست كما قبله. لقد رسّخ سليل العائلة «السكافية» ذات النفوذ الكبير في وجدان أهلها وعلى ساحتها السياسية والحزبية، حالة وطنية جامعة وشاملة كلّ أطياف المدينة. كان محبوباً وقريباً من الجميع بالرغم من خلافاته المتقلّبة والظرفية مع بعضهم. هذا الودّ تجسّد في جنازة سكاف الحاشدة التي شارك فيها كلّ الأطراف من معسكري 8 و14 آذار، والمستقلون عنهما.

الكتلة الشعبية التي ورثها عن أبيه النائب والوزير الراحل جوزف سكاف، وحوّلها لاحقاً سكاف الإبن إلى حزب، ظلّت كما أرادها المؤسس حاضرة في أكبر مدينة كاثوليكية في الشرق، مستفيداً من إغلاق زحلة أبوابها أمام الأحزاب ما عدا قلة منها، حتى «غزاها» بشير الجميّل مطلع ثمانينات القرن الماضي، ومن ثمّ تمدّد ميليشيا «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب فيها، نظراً لموقعها الاستراجي العسكري كما السياسي، الهامّ والحاسم في أيّ معركة.

لكن بالرغم من هذا «الغزو الخارجي»، استعادت الكتلة حضورها القويّ في المدينة بعد زوال الحال العسكرية فيها خلال الحرب الأهلية وبعد انتهائها مطلع التسعينات، وليلمع نجم إيلي سكاف في تلك الحقبة، إنْ في التحالفات أو الخصومات السياسية محافظاً على حضوره القوي، ما أبقى عيون الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، على زحلة وسكاف تحديداً، لأنه ظلّ متمسكاً باستقلالية قراره عن كلّ الأطراف مع تحالفه استراتيجياً مع «8 آذار» والذي انعكس تحالفاً انتخابياً وسياسياً مع تباين في الآراء والمواقف في بعض المحطات.

ومردّ الاهتمام بزحلة هو لأنها «جسر العبور» إلى الأكثرية النيابية، من خلال المقاعد السبعة المخصصة لها في المجلس النيابي 2 كاثوليك، 1 أرثوذكس، 1 ماروني، 1 أرمن أرثوذكس، 1 سنّة، 1 شيعة .

وبالرغم من خسارة سكاف الانتخابات النيابية صيف العام 2009، فقد اكتسح بعدها الانتخابات البلدية التي خاضها من دون أيّ تحالف مع أحزاب المدينة وفازت كتلته بـ21 مقعداً من أصل 21، ما أكد أنّ خسارة الانتخابات النيابية لم تكن نتيجة تراجع شعبية سكاف وكتلته بل بسبب قانون الانتخاب والدائرة التي جمعت زحلة مع قرى بقاعية كثرت فيها عمليات نقل النفوس والتجنيس الكثيف لموالي «14 آذار»، ما أدّى إلى فوز لائحة الفريق المذكور بالمقاعد السبعة، وأبرز الفائزين حزب «القوات اللبنانية».

قبيل الانتخابات البلدية اهتزت العلاقة بين سكاف ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لتصل إلى حدّ القطيعة بعدها. وبرز الخلاف بقوة خلال زيارة عون زحلة في حزيران 2012، والتي قاطعها سكاف، لتعود بعض الحرارة إليها في تشرين الأول من العام نفسه إثر اتصال أجراه سكاف بعون بعد تعرّض موكب الأخير لإطلاق نار في صيدا.

لكن سكاف بقي على مسافة معينة من عون وأخرى أوسع منها مع حزب «القوات» فيما سعى الأخير إلى التقرّب أكثر من سكاف. وتردّدت معلومات، في هذا المجال، عن أنّ النائبة ستريدا جعجع تولّت التواصل معه كونها إبنة عمّ زوجته ميريام جبران طوق، لكن المرض عاجل سكاف وأدّى إلى وفاته.

بعد رحيل سكاف اشتدّت الصراعات بين الأحزاب القائمة في زحلة، ولا سيما بين كلّ من التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية وحزب الكتائب، لاستقطاب القواعد الشعبية لسكاف المتمثّلة في حزب الكتلة الشعبية، فيما تتحدّث معلومات عن أنّ ميريام سكاف تستعدّ للحلول مكان زوجها الراحل بانتظار أن يشتدّ عود ولديهما جوزيف وجبران، السياسي. إلاّ أنّ الأكثر شراسة في هذه المعركة هو حزب «القوات» ليس لإدراكه أهمية زحلة على الخارطة السياسية وموقعها الديني كأكبر مدينة كاثوليكية في الشرق، فحسب، بل لاعتقاده أيضاً أنّ من حقه الاستحواذ على ما يعتبره «تركة بشير الجميّل» في المدينة، مستفيداً من تراجع حضور حزب الكتائب فيها بسبب صراعاته الداخلية ونفور القاعدة والقيادة، معاً، من النائب إيلي ماروني الذي يتهمه خصومه بمحاولة السيطرة على الحزب والتمسك بالمقعد النيابي المخصّص للحزب في خارطة التحالفات.

لكن بحسب العارفين بمزاج أهل زحلة، فإنّ شريحة واسعة جداً تميل راهناً إلى التيار الوطني الحر بسبب خياراته السياسية التي تتواءم مع قناعاتها التي رسّخها سكاف في وجدانها قبل رحيله.

المعركة السياسية حامية الوطيس في المدينة التي كانت تعرف بـ«مقبرة الأحزاب» لكن من يقترب من ناسها أكثر ستكون له الغلبة و سيكون بيضة القبّان في أيّ أكثرية جديدة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024