إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تركيا تلملم أوراقها بانتظار جنيف

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2016-02-13

إقرأ ايضاً


شكلت مسألة اللاجئين السوريين الى تركيا ورقة رابحة بالنسبة الى أردوغان من أجل ابتزاز الاتحاد الأوروبي. لكن هذا الابتزاز ليس مالياً فقط إنما سياسي، إذ طالب رئيس وزرائه المستشارة الألمانية ميركل بحثّ الناتو على لعب دور في مراقبة الأجواء الحيوية والبحرية التركية – الأوروبية عبر بحر ايجه، كذلك مراقبة الحدود البرية السورية ـ التركية.

وهدّد أردوغان بوضع اللاجئين في باصات ونقلهم الى أوروبا، التي تخشى من تدفق البعض منهم لا سيما غير المرغوب بهم. تجرأ في خطابه على الاتحاد الأوروبي، انتقد سياسة الأوروبيين تجاه اللاجئين واعتبر أنهم يتعاملون مع تركيا بانتهازية، لكنه حصل على بعض المكتسبات. لا شك أنّ الغرب الأوروبي كان شريكاً مشجعاً لأردوغان من أجل التدخل في سورية وبسط مشروع «الإسلام السياسي المعتدل» في المنطقة، كذلك فعلت الولايات المتحدة، لكن بعد 30 حزيران وإسقاط الرئيس الإخواني محمد مرسي تمّ التراجع عن المشروع، فأبى أردوغان التراجع، وهو اليوم لا يريد دفع الثمن لوحده بعدما خرج عن المشروع الدولي المرسوم وفشل في مشروعه الخاص.

يتجه اليوم الى لملمة أوراقه القديمة، طالب المستشارة الألمانية ميركل بالتدخل لدى قبرص اليونانية والضغط عليها من أجل رفع الفيتو عن طلب تركيا الانتماء الى الاتحاد الأوروبي، إضافة الى ضرورة دفع الثلاث مليارات التي وعدت بها وانتقد الشروط التي وضعها الاتحاد الأوروبي حول كيفية صرفها في وقت أكد أنّ تركيا صرفت أكثر من 10 مليارات دولار على اللاجئين منذ 5 سنوات لغاية اليوم. لم يوفر الأمم المتحدة التي طالبت تركيا استقبال اللاجئين بعد المعارك الأخيرة في سورية، وتساءل حول غياب قرارها عندما طالبت تركيا بمنطقة عازلة من أجل حماية اللاجئين السوريين. استقبل ممثلي الجالية اليهودية في قصره كرسالة ودّ لـ«اسرائيل»، وأكد استمرار المحادثات معها بعيداً عن أعين الإعلام رغم التباينات في شأن الحصار على غزة، فالطرفان مقتنعان بضرورة التحالف، وهذا ما أكده أردوغان نفسه.

تتفاعل المشاكل الخارجية والداخلية وتشتدّ وطأتها في أنقرة التي بدأت تشهد انتقاداً لسياساتها من داخل حزب العدالة والتنمية حيث اتهم بولنت ارينش أحد مؤسسي الحزب أردوغان بالدموية واتباع سياسات ظالمة مما حمل الأخير على اتهامه بالانتماء الى جماعة غولين والخيانة وفي خطوة غير مسبوقة اجتمع مع الرئيس السابق عبدالله غُل لمناقشة قضايا التمرد داخل الحزب ضدّ سياساته، اضافة الى الأحداث السياسة التي تمرّ بها تركيا.

يشعر الأتراك بالخيبة على الصعيد السياسي بعدما آلت اليه الأمور في الداخل، حيث ذهب أردوغان الى مساواة تركيا بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وطالب واشنطن بالاختيار بين العلاقة مع تركيا أو مع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات الحماية الكردية. يبدو أنّ الامر أصبح واضحاً بالنسبة الى الولايات المتحدة الأميركية بعدما أثبتت وحدات الحماية الكردية فعاليتها ضدّ «داعش»، بينما كانت مصداقية تركيا في مجال مكافحة «داعش» موضع تشكيك لفترة طويلة من قبل حليفتها واشنطن، فهي لم تسارع الى ضبط حدودها مع العلم أنّ بايدن أتى اليها العام الماضي طالباً هذا الأمر، لكن تصريحات المسؤولين الأتراك، تمحورت حول ضرورة إسقاط الرئيس الأسد ورحيله معتبرين أنّ عقدة «داعش» ستحلّ تلقائياً بسقوطه. بدا وكأنما هناك تنسيقاً عالي المستوى بين أنقرة وداعش في هذا الموضوع، لكن الأحداث أثبتت في وقت لاحق أن هذه السياسية عبّرت عن خطأ استراتيجي لأنّ «داعش» أعلن عداوته للغرب حليف تركيا، ما جعل مشكلة الأسد تبدو ثانوية بالنسبة الى واشنطن، واكتسبت محاربة «داعش» أولوية لديها.

أحرج الأمر تركيا وجعلها تنضمّ الى التحالف ضدّ «داعش» بعدما قامت الأخيرة بتفجيرات في سورش وأنقرة، مع العلم أنّ اتهامات كردية أكدت تنسيق الحكومة التركية مع «داعش» في هذا المضمار إثر فشل حزب العدالة والتنمية في تأليف حكومة منفرداً وسعيه الى انتخابات مبكرة.

بيد أنّ التفجير الأخير الذي قامت به «داعش» في منطقة السلطان أحمد أجبر أنقرة على دق ناقوس الخطر، صحيح أنّ تركيا قامت بفتح قواعدها أمام الأميركيين لكنها أتت متأخرة بعدما توصل التنسيق بين وحدات الحماية وحزب الاتحاد الديمقراطي مع واشنطن الى إحراز مكاسب كبيرة ضد «داعش». فمن غير الواقعي أن تتوقع أنقرة من واشنطن قطع علاقاتها مع الوحدات أو قبولها عدم مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في محادثات السلام المقبلة في جنيف، بعدما تمّ إعلان أنه سيكون على المؤتمر تحديد المجموعات الإرهابية. من المؤكد أنّ وحدات الحماية لن تكون من ضمنها. يتضح أنّ واشنطن لن تتخلى عن حزب الاتحاد الديمقراطي من أجل تركيا لا بل هي تفرّق في علاقاتها المصلحية بين الاثنين.

حاول خبراء أتراك تحذير أردوغان من قطع العلاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، لكن قرار الحكومة التركية تجميد الاتفاق مع الأكراد وقتال حزب العمال الكردستاني انعكس سلباً على العلاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يحظى اليوم بدعم الأميركيين والروس بعد الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته السياسة التركية بإسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني الماضي، ما أقصاها عن كلّ التطورات العسكرية في سورية وأدّى الى تعميق خسارتها، فأتى التهديد التركي كفرصة لروسيا وحلفائها.

أدّى رفض الحكومة التركية إعادة النظر بسياستها في سورية واعتماد مقاربات واقعية الى وضع نفسها في مواقف صعبة مع أقرب حلفائها واشنطن. فالاتساق أصبح نادراً في الإدارة السياسية التركية لا سيما في السياسة الخارجية. وبرغم دقّ طبول الحرب من قبل الإعلام المقرّب من الحكومة، أكدت الأحداث أن من المستبعد أن تقوم تركيا بالتدخل في الشمال السوري، إذ عليها مواجهة روسيا أولاً وإقناع الجيش التركي الذي لا يرى مصلحة له بالتدخل.

لا تملك تركيا الأوراق اللازمة لذلك فهي حرقت كلّ أوراقها وما العودة الى تصريح أردوغان للصحافة التركية بأنه كان يتوجب على الحكومة قبول التدخل في العراق 2003، لأنها بذلك تكون قد حجزت مكاناً لها على طاولة المفاوضات وتحميل المسؤولية الى غول الذي وكان وقتها وزيراً للخارجية إلا هروب من المسؤولية عن الخسارة الاستراتيجية في السياسة التي اتبعها ورئيس وزرائه بعد الربيع العربي.

في هذا الإطار جاء الإعلان السعودي عن حشده التدخل في سورية والتحركات العسكرية التركية ليعبّر عن إرادة أميركية من أجل ضبط إيقاع المعارك العسكرية في الشمال السوري، والضغط على روسيا ـ وهذا ما ظهّره مؤتمر ميونيخ في تشجيعه على وقف القتال وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية للقرى السورية المحاصرة تحضيراً لمؤتمر جنيف في 25 شباط الحالي.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024