إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

استعادة وحدة سورية تتقرر على ضفتيّ نهر الفرات؟

د. عصام نعمان - البناء

نسخة للطباعة 2016-06-06

إقرأ ايضاً


أحداث ملتبسة تدور على ضفتيْ نهر الفرات. في غربه، تندلع معركة ضارية لطرد «داعش» من مدينة منبج. في شرقه، تتقدّم وحدات خاصة معززة من الجيش السوري باتجاه مدينة الطبقة وبحيرة الأسد.

الهجوم على منبج تقوده «قوات سورية الديمقراطية» الكردية التي تخالطها قوات عربية، مدعومةً بغطاء جوي من طائرات «التحالف الدولي» الأميركية. تركيا كانت هدّدت بالتدخل عسكرياً إذا ما حاولت قوات كردية مقاتَلَة تنظيماتٍ موالية لها غربَ نهر الفرات، لأنها تمانع في وصل مناطق السيطرة الكردية في محافظة الحسكة، شمال شرق سورية، بمنطقة عفرين في غربها. لماذا تخلّت تركيا أخيراً عن ممانعتها؟

لأنّ وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر كشف أن «داعش» يتخذ من منبج قاعدة «لتدبير مؤمرات على أوروبا وتركيا وكل أصدقائنا وحلفائنا وعلى الولايات المتحدة ايضاً». يبدو ان منطق كارتر أقنع رجب طيب اردوغان بضرورة الهجوم على منبج بدليل مسارعة الرئيس التركي إلى تبريره بقوله إن القوات التي تشن العملية العسكرية تضمّ 2500 مقاتل عربي سوري و450 عنصراً فقط من «وحدات حماية الشعب الكردي»!

دمشق وجيشها العربي السوري لم تستأذن أحداً في الهجوم لتحرير مدينة الطبقة ومطارها وبحيرة الأسد ومحيطها. لا شك في أنها أحاطت موسكو علماً بهجومها واستحصلت منها على قرارٍ نافذ بمؤازرة جوية له فوق منطقةٍ تكثر فيها طلعات طائرات «التحالف الدولي» الأميركية.

هل هناك تفاهم أشمل وأفعل ينتظم العمليات العسكرية الجارية غرب نهر الفرات وشرقه؟ ثمة مؤشرات لافتة في هذا المجال أبرزها ثلاثة:

أولها، تزايد نشاط «داعش» الإرهابي أخيراً في مناطق عدّة على حدود تركيا الجنوبية مع سورية وامتداده إلى عمقها وصولاً إلى أنقرة واسطنبول، الأمر الذي أقنع القيادات العسكرية التركية بوجوب التصدّي له داخل شمال سورية وعدم الاكتفاء بدعم التنظيمات الموالية لأنقرة، «جبهة النصرة» مثلاً، لتنوب عنها في مواجهته.

ثانيها، أنّ موسكو أغاظت دمشق في شهر شباط/ فبراير الماضي عندما أقدمت، دونما تنسيق معها وبالتوافق مع واشنطن، على إقرار هدنة تشمل كلّ مسارح العمليات، وشفعتها بسحب عدد كبير من طائراتها المقاتلة من سورية. كلّ ذلك في وقتٍ كان الجيش السوري يتقدّم ويسيطر على معظم مواقع «داعش» في محيط حلب الجنوبي ويستعدّ لتطويق الأحياء الشرقية الشمالية فيها لاستكمال تحريرها كلها. غير أنّ تصرفات واشنطن المريبة عبر التنظيمات الكردية المتواطئة معها في شمال سورية الشرقي من جهة، وضغوط دمشق وطهران على موسكو من جهة أخرى حمل العاصمة الروسية أخيراً على تعديل موقفها فانفتحت مجدّداً على دمشق ومخططها الرامي إلى طرد «داعش» من الرقة وشمال حلب كخطوة متقدّمة في خطة استعادة وحدة البلاد الجغرافية والسياسية. في هذا السياق، زوّدت موسكو دمشق أسلحة حديثة ومتطورة يقوم الجيش السوري باستعمالها بفعالية في زحفه لتحرير مدينة الطبقة ومحيطها.

ثالثها، حصول تفاهم مبدئي بين واشنطن وموسكو على النقاط الآتية:

ـ حصر نفوذ «قوات حماية الشعب الكردي» في شمال شرق سورية وبالتالي عدم تمكين الكرد السوريين من توسيع رقعة منطقة الحكم الذاتي التي يرغبون في إقامتها إلى ما يتجاوز حدود محافظة الحسكة، الأمر الذي يطمئن أنقرة المتخوّفة من وصولهم إلى منطقة عفرين في غرب سورية.

ـ تسليح موسكو وحدات البشمركة الكردية العراقية بغية مشاركتها الجيش العراقي والتنظيمات الشعبية المتحالفة معه في عملية تحرير محيط مدينة الموصل.

ـ إقرار واشنطن كما موسكو بحق دمشق في تحرير محافظتيْ الرقة ودير الزور بقواها الذاتية وبدعمٍ من سلاح الجو الروسي وسائر حلفائها إذا اقتضى الأمر.

إذ يبدو أنّ استعادة وحدة سورية ستقرّر على ضفتيْ نهر الفرات، فإن لا اتفاق بين موسكو وواشنطن، بعد، على مسألة تحرير حلب من «داعش» و «النصرة» وحلفائهما. ذلك أنّ واشنطن تربط هذه المسألة بمسألة المفاوضات المفترض استئنافها بين دمشق وتنظيمات المعارضة السورية «المعتدلة»، وبسعيها إلى أن يكون لهذه التنظيمات دور في تحرير حلب بغية تعزيز مركزها التفاوضي حيال دمشق. ولعلّ واشنطن تحاول أيضاً استئخار تحرير حلب للضغط على دمشق لحملها على تقديم تنازلات في مسألة هيئة الحكم الانتقالي بغية استرضاء السعودية وإقناعها بضرورة الإيعاز إلى حلفائها في المعارضة «المعتدلة» بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

تبدو أنقرة مستعدّة لتقديم مزيد من التنازلات المحدودة استجابةً لضغوط واشنطن وتشجيعاً لموسكو على تقليص تحفظاتها وضغوطها عليها، بينما تتمسك الرياض برفضها تليين موقفها السلبي من دمشق، وبسعيها إلى إطالة أمد الصراع في سورية إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية لاعتقادها أنّ الرئيس الأميركي الجديد، سواء جاء ديمقراطياً ام جمهورياً، سيكون أكثر تشدّداً من الرئيس أوباما في وجه أطراف محور المقاومة، وانّ ذلك سيكون في مصلحتها ومصلحة حلفائها السوريين والإقليميين.

هذه الصورة للمشهد الإقليمي تبقى ناقصة من دون تظهير بُعدين إضافيين بالغَيْ الأهمية: «الإسرائيلي» والإيراني. قيادات «إسرائيل» وخبراؤها الإستراتيجيون ما زالوا يتدارسون مسألة مَن هو الأخطر عليها: إيران ام «داعش». في المقابل، إيران ما زالت تراقب وتتحسّب لما تفعله الولايات المتحدة في سورية والعراق ولما تفعله «إسرائيل» ضدّ سورية كما ضدّ قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

أيّاً ما سيكون هدف «إسرائيل» وأميركا المقبل، سواء احد أطراف محور المقاومة أم «داعش»، فإن ردة فعل إيران المتوقعة ستبقى على ما هي عليه: التصدي بلا تردّد لمحاولات إسقاط سورية أيّاً كان الفاعل أو المتدخل أو المستفيد…

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024