إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الأمين واصف فتال، بائع الفلافل الذي اصبح مليونيراً

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2016-06-21

إقرأ ايضاً


عندما وصلني خبر رحيل الأمين واصف فتال لم اجد في ملفه في اللجنة ما يصُح أن يُضيء على سيرته الشخصية الغنية ومسيرته الحزبية الاغنى. وانتظرت أن يكتب عنه مَن رافقه سنوات طويلة في اكرا، وفاءً لأمين تميّز بأدائه الحزبي وتفانيه.

أن هذا الواجب نضعه امام رفقائنا الذين عرفوا الأمين واصف، في طرابلس و او في غانا. فمن كان مثله، عصامياً، وقومياً متفانياً، له الكثير من الايادي البيضاء على مشاريع ومؤسسات، وعلى عديد من الرفقاء ممن ساعدهم، وكان الى جانبهم عند الحاجة، جدير بأن يُكافأ، فـتُـنـشــر عنه النبذات المضيئة، ليحتلّ مكانه الرحب في تاريخ الحزب.

وبانتظار ذلك، ننشر ما جاء في عدد نيسان 2016 من مجلة "الاقتصاد الجديد"، بقلم الصحافي نغم شلق.

الامين لبيب ناصيف

*

" حين خسر سعد الله فتال ملكية "الفندق العربي" في بيروت، كان ابنه واصف (المولود عام 1936) ما زال صغيراً، فانعكست "مصيبة" الوالد على حياة العائلة الطرابلسية المحافظة التي لجأت الى التقشف في العيش.

وهكذا، نشأ الطفل فتال في بيئة فقيرة في محلة سوق الصياغين الشعبية في قلب طرابلس. واثر وفاة والده، اضطر الفتى لتحمّل مسؤولية عائلته المؤلفة من سبعة اشخاص، في سن مبكرة، وكان عوده ما زال طرياً. فلجأ الى العمل بائع فلافل وهو في الثانية عشرة من العمر. غير أن القروش القليلة التي كان يجنيها آنذاك من الأكلة الشعبية لم تكن تكفي متطلبات العائلة، فانتقل الى العمل في السمانة في احد اسواق المدينة القديمة حيث كان ينتظر طلوع الفجر لينطلق مسرعاً ويحصل على اللبن الطازج ... ليبيعه لزبائنه.

العصامي

" منذ طفولته، كان الفتى مكللاً برضى امه، وكان شخصية خجولة الى حد كبير. وقد حُرم من دخول المدرسة بقرار من الطبيب، بعدما أصيب في رأسه مباشرة إثر حادث تعرّض له في الصغر. إلا أنه لم ييأس وتمكن من تعليم نفسه القراءة والكتابة.

" ولما اشتد عوده وغدا شاباً صَلب العزيمة، شدّ رحاله عام 1958 الى غانا الأفريقية حيث عمل موظفاً في محل يدعى "بي بي سي" وهو الأحرف لاسم صاحب المؤسسة المغترب اللبناني بطرس بو شديد(1).

" كسب الشاب الطرابلسي ثقة معلّمه، بفضل نشاطه وأمانته واجتهاده. لكن طموحه دفعه الى الاستقلال في العمل، ففتح مؤسسته الخاصة في العاصمة الغانية أكرا، وكانت متخصصة في بيع "جوزة الطيب" وهي نواة ثمرة شجرة تنمو في المناطق الاستوائية، ولها استخدامات غذائية وفوائد طبية. فحققت له هذه التجارة أرباحاً كبيرة، وبدأ اسمه يلمع في اوساط رجال الاعمال والشخصيات البارزة في البلد الافريقي، ما سمح له بالتوسع شيئاً فشيئاً... فاقتحم عالم الصناعة، وانشأ منطقة صناعية عُرفت باسم "داك ماك أند سفريـال آريـال". واستدعى أشقاءه وبعض أقاربه في لبنان ليكونوا الى جانبه وهو يُقدم على توسيع تجارته وأعماله في افريقيا.

" وراح يحصد نجاحات سريعة في مشاريعه،مستفيداً من مهارته في نسج علاقات وطيدة مع الطبقة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في غانا، والتي أعطته ثقتها وفتحت له ابواب النجاح على مصاريعها. وسرعان ما تحوّل واصف فتال ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الغاني.

الانفتاح ... والعمل الانساني

" لم يعرف واصف فتال العصبية او الفئوية في افكاره وعلاقاته، فبنى المسجد الاكبر في العاصمة الغانية التي شيّد فيها ايضاً كنيسة للمغتربين من ابناء بلده. وكان يمد يد العون لكل مغترب لبناني يقصده لمساعدته في إيجاد فرصة عمل في أكرا.

" لكن طموحات الرجل العصامي الآتي من بلد الأرز كانت أكبر من البلد الافريقي الصاعد. فقرر بدء مرحلة جديدة من أعماله في شبه الجزيرة العربية حيث اسس شركات مقاولات كبرى في المملكة العربية السعودية عَــرفت هي الاخرى نجاحاً كبيراً أتاح له حضوراً مميزاً في الخليج العربي.

العلاقات لخدمة الوطن

" لم ينقطع واصف فتال خلال انشغالاته في الخارج عن لبنان، فكان دائم الحضور في مدينة طرابلس التي اختار أن يعود اليها بعد غربة استمرت أكثر من ربع قرن. فأصبح من أوائل الأغنياء في مسقط رأسه، بعدما كان من فقرائها المهمّشين. فاهتم بشؤون الفيحاء وعاش هموم ناسها، تاركاً أثراً بالغاً في ذاكرة كثير من أبنائها الفقراء قبل الأغنياء. وساهم في إنشاء مشاريع كثيرة، وقدّم مساعدات طبية للفقراء والمعوزين، وموّل المستشفى الاسلامي بالمعدات اللازمة. كما رصد مساعدات شهرية لأسر محتاجة، وأوفد عشرات الطلاب للدراسة في الخارج على حسابه الشخصي، وكان أحد أبرز المساهمين في صندوق دعم المتفوقين منهم.

" استثمر الرجل صداقاته الواسعة مع عدد من الملوك والرؤساء والسفراء ورجال المال في لبنان والخارج، لتشجيع مبادرات ودعم مشاريع اقتصادية في وطنه، اذ شارك في انشاء جمعية "تلفريك سير الضنية" مؤمناً بأهميته كمشروع رائد يساهم في انماء منطقته المغبونة، حرماناً وتهميشاً.

" خلال الحرب اللبنانية (1975-1991) كان فتال عضواً في هيئة التنسيق الشمالية التي أسسّها رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي، مشاركاً في بعض أعباء مراحل وحقبات حرجة عاشتها طرابلس. وفي أوساط الثمانينات أسس "بيت المغترب" وهي جمعية تعنى بالتبادل الثقافي والتجاري وإقامة علاقة تعاون وصداقة بين المغتربين والمقيمين، وشاركه في إطلاقها مالك شلهوب(2).


الناشر والسياسي

" وفي مطلع 1986، أصدر فتال في باريس مجلة "المنبر" بالشراكة مع الصناعي اللبناني المغترب في افريقيا منصور عازار(3). وساهم في تحريرها نخبة من الصحافيين والكتاب اللبنانيين، مثل جان داية ونصري الصايغ وسركيس أبو زيد والشاعر طلال حيدر.

كانت مجلة سياسية شهرية راقية تتعاطى الشؤون العامة، وتُعنى بشجون المغتربين خصوصاً، وأرادها ناشراها أن تكون "جسراً بين لبنان المقيم والمغترب".

" وفي عام 1992، ترشح للانتخابات النيابية الأولى بعد الحرب، لكنه أخفق في الوصول الى الندوة البرلمانية على رغم حصوله على نحو 17 ألف صوت. وكان يقول إن تلك الأصوات التي نالها تجعله أكثر حماسة لخدمة مدينته وأبنائها، وتلقي على عاتقه مسؤوليات جديدة. فواصل متابعة مسيرته الاجتماعية والاقتصادية بفعالية كبيرة، ودعم ابنته فضيلة(4) (هي اليوم عضو في المجلس البلدي لطرابلس) في تأسيس صالون أدبي كان رائداً في عاصمة الشمال، اذ استضاف شخصيات أدبية وثقافية وسياسية لامعة، لبنانياً وعربياً.

" كان واصف فتال يردد بيت الشعر الذي وضعه عنترة بن شداد العبسي: القائل: " لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب، ولا ينال العلى مَن طبعه الغضب". ولم يَحُل غناه - وما وصل اليه من ثراء وموقع – دون تواضعه، اذ لم يكن يحب المظاهر، بل كان يرتدي ثياباً بسيطة تشبه بساطة حياته. وكان يرفض مبدأ التعالي على الناس، مبتعداً عن دائرة الأضواء ومتعففاً عن المناصب والمكاسب، لا يخجل حين يتحدث عن ماضيه، بل يفاخر أمام زواره بأنه بدأ حياته بائعاً للفلافل.

" عُرف واصف فتال ببدانته، كما بطرافة حديثه وسرعة بديهته. وفي هذا السياق، يُروى أنه زار دمشق، ذات يوم، مع وفد لبناني رفيع، للقاء الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد. وخلال الزيارة، قال الاسد مخاطباً فتال: "اهتم بصحتك (وزنك)، وأنا أعدك بمقابلة كلما أنقصت وزنك عشرة كيلوغرامات".

فأجابه فتال: " لقد قتلتني يا سيادة الرئيس، لأنني سأموت منذ الآن جوعاً لأحظى بلقائك دائماً ".

وضحك الأسد، وقال له: "ما بدي اياك تموت".

*

التشييع

جاء في بيان عمدة الاذاعة والاعلام بتاريخ 1/03/2016 التالي:

سنديانة قومية.. آمن بمبادئ الحزب سبيلاً لخلاص الأمة

" شيّع أهالي مدينة طرابلس وفاعلياتها الأمين المناضل محمد واصف فتال في مأتم مهيب أقيم في جامع طينال، جبانة باب الرمل، وتقدّم المشيّعين عميد التربية والشباب - منفذ عام طرابلس في الحزب السوري القومي الاجتماعي الامين عبد الباسط عباس، المندوب السياسي للحزب في الشمال الامين زهير حكم، منفذ عام الكورة الامين د. جورج برجي وعدد من أعضاء المجلس القومي وهيئات المنفذيات ومسؤولي الوحدات.

" كما شارك في التشييع شخصيات سياسية وعسكرية وفاعليات اجتماعية وبلدية وحشد كبير من المواطنين والقوميين.

وقد أقيمت الصلاة عن روح الفقيد في جامع طينال ثم ووري الثرى.

" والأمين الراحل، محمد واصف فتال من مواليد عام 1932، انتمى الى الحزب في مطلع شبابه، مؤمناً بفكر سعاده وعقيدة الحزب ومبادئه، وحفلت مسيرته الحزبية بالعطاء والبذل وتنفيذ المهام الموكلة اليه بكلّ تفان وإخلاص، ومنح رتبة الامانة في الحزب لدوره ونضاله.

" غادر لبنان إلى ديار الاغتراب، وهناك نشط حزبياً، ولعب دوراً هاماً في الحياة السياسية وأسّس أعمالاً خاصة، مكنته من مساعدة القوميين في إيجاد فرص عمل في آكرا.

عاد إلى الوطن حيث أسهم في الكثير من المشاريع واهتمّ بتقديم المساعدات الطبية للفقراء والمعوزين وموّل المستشفى الإسلامي بالمعدات اللازمة. كما رصد مساعدات شهرية لأسر عديدة، وأوفد عشرات الطلاب للدراسة في الخارج على حسابه الشخصي، وكان أحد أبرز المساهمين في صندوق دعم المتفوّقين منهم.

" اهتم بالعمل الثقافي وآمن بأهمية الصحافة ودعم الكثير من المؤسسات الصحافية، وأسّس مع الأمين الراحل منصور عازار مجلة "المنبر" في باريس، وكان شديد الاهتمام بالصحافة في شمال لبنان تعزيزاً لموقع طرابلس الوطني والقومي.

" أسّس بيت المغترب وعرف بعلاقته الوطيدة مع العديد من المسؤولين في لبنان.

" كان عضواً في هيئة التنسيق الشمالية التي أسسّها الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وكان من أبرز المساهمين في دعم العمل الوطني والقومي، والمؤمنين بوحدة بلاد الشام.

" تميّز بمناقبيته القومية الاجتماعية، وكان سنديانة من سنديات الحزب، وظل متمسكاً بفكره وعقيدته، وهو الذي آمن بان مبادئ الحزب هي طريق خلاص الأمة.

البقاء للأمة

*

... " أما الرفيق الحبيب والامين الغالي واصف فتال، فقد بدأ في اكرا بعمل متواضع وأصبح من أنجح رجال الاعمال فيها "

الامين منصور عازار "السيرة" ص 76.

*

هوامش

(1) بطرس بو شديد: رفيق مناضل كان له حضوره المتقدم في غانا. رجل اعمال ناجح وقنصل غانا في لبنان. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

(2) مالك شلهوب: كان مغترباً في كوبا، ومن اكثر الذين تفانوا في سبيل الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، متولياً مسؤوليات فيها.

(3) منصور عازار، الامين، العميد، رئيس المجلس القومي، الكاتب والناشر والصناعي. لمراجعة ما كتبنا عنه، الدخول الى الموقع المذكور آنفاً.

(4) فضيلة فتال: اسست صالوناً ادبياً في طرابلس عرف باسمها. ناشطة اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، ولها حضورها الواسع في طرابلس.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024