إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تركيا تدفع ثمن مراجعة سياساتها الخارجية

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2016-07-02

إقرأ ايضاً


لم تشكل إعادة العلاقات بين أنقرة وموسكو حدثاً مفاجئاً، إذ أنّ الوساطات كانت ناشطة ليس عبر القنوات الرسمية فقط إنما بمشاركة القنوات الغير الرسمية أيضا. إذ قام الرئيس رجب طيب أردوغان شخصياً بإدارة المراحل النهائية منها. شارك مجتمع رجال الأعمال التركي بفعالية وهو مرتبط بصلات وثيقة مع روسيا، إذ قام رجال أعمال ذوو نفوذ في السياحة والطاقة والبناء والمنسوجات وقطاعات المواد الغذائية وتجارة التجزئة في كلا البلدين بتحسين العلاقات السياسية من أجل منفعة البلدين. كما لعب أحد أهمّ رجال الأعمال الأتراك بعدما حصل على ضوء أخضر من أردوغان في بدايات شهر أيار، دوراً مهماً وقام بزيارات مكوكية بين روسيا وتركيا. اشرك أردوغان الدبلوماسيين المقرّبين ولعبت كلّ من الاستخبارات الروسية والتركية دوراً في التعاون خصوصاً في مجال مكافحة الارهاب، كما لعبت كازاخستان دوراً في تقريب وجهات النظر وإخراج شكل الاعتذار.

يمكن القول أنّ توقيت الإعلان كان مفاجئاً، إذ لم يجف حبر التوقيع على اتفاق «إسرائيل» وتركيا الذي أثار زوبعة من ردود أفعال بين الإسلاميين في الداخل التركي، لا سيما مؤسسة حقوق الإنسان والحريات الإنسانية للإغاثة التي نظمت الأسطول عام 2010 إلى غزة، والتي اعترضت على الاتفاق الأخير بين تركيا و»إسرائيل»، إذ رأت أنّ أردوغان أذعن للأميركيين. أتى الإعلان عن عودة العلاقات بعد ساعات من كشف الكرملين عن رسالة اعتذار أردوغان، وتمّ وصفها بخطوة التطبيع. أكدت أنقرة الرسالة وأعلنت عن تطبيع العلاقات واتصال بوتين في اليوم التالي بأردوغان، كذلك أعلن عن اللقاء في سوتشي بين لافروف وزير خارجية روسيا وبين مولود جاويش أوغلو وزير خارجية تركيا اللذين سعياً إلى وضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين، وفقاً لإرشادات رئيسي البلدين من أجل إزالة العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضت على تركيا وإلغاء متطلبات التأشيرة للمواطنين الأتراك، فضلاً عن استئناف التعاون في مجال الطاقة.

هذان الحدثان أثارا في الداخل ردود أفعال لا سيما بين أحزاب المعارضة، التي رأت أنه لا صلاحيات دستورية لأردوغان كي يعتذر نيابة عن الجمهورية التركية.

لكن الهجوم الإرهابي الكبير والسريع على مطار أتاتورك الدولي من قبل عناصر مسلحة حصد 41 قتيلاً و239 جريحاً وأصاب العالم بالوجوم. فعلى مدى الأشهر الـ 12 الماضية حصل17 هجوم إرهابي في تركيا، لاقى 298 شخصاً مصرعهم وأصيب حوالي ألف شخص آخرين، لكن هجوم 28 حزيران 2016 شكل أول هجوم انتحاري في تركيا على أحد أهمّ المطارات. وبدا الإرهابيون وكأنهم وحدات كوماندوس، بعض المعلومات في تركيا قالت أنه تمّ التخطيط لهذا الهجوم منذ فترة طويلة. حيث ذكرت محطة «سي أن أن تورك» إنّ الاستخبارات التركية قد أبلغت مؤسسات الدولة قبل 20 يوماً مضّت، عن قائمة الأهداف بما في ذلك مطار أتاتورك. كما أنّ الولايات المتحدة أرسلت إلى رعاياها في 27 حزيران لائحة بأسماء 16 مكان خطر، ونصحت بتجنّب السفر إلى تركيا. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام التركية، فإنّ ثلاثة من المهاجمين هم من داغستان من الاتحاد الروسي وأوزبكستان وقيرغيزستان دخلوا تركيا منذ شهر حيث اتمّوا الاستعدادات لهذه العملية إضافة إلى مشاركة إرهابيّين أتراك.

لا شك أنّ هناك عوامل عديدة أدّت إلى هذا الهجوم، ليس أولها التطبيع مع روسيا إذ يمكن لموسكو أن تضغط على تركيا من أجل تعديل سياستها في سورية، لا سيما أنّ انقرة تتعرّض لضغوط محلية وأجنبية من أجل المشاركة مع القوى الدولية في ضرب داعش، لم يعد لديها خيار سوى تسريع الجهود الرامية إلى القاء القبض على من يشتبه بانتمائهم إلى التنظيم بعدما فشلت في أن تحرف نظر المجتمع الدولي إلى «إرهاب حزب العمال الكردستاني» من أجل عدم المشاركة في ضرب «داعش».

ووفقاً للأرقام الرسمية في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2016، تمّ احتجاز 989 من المشتبه بهم واعتقل 228 منهم أما في شهر حزيران فلقد تمّ اعتقال 50 إلى 60 إرهابياً.

أحد أسباب غضب «داعش» مع تركيا. هو دعم هذه الأخيرة لمواقع القوات الصديقة لها، والتي تسعى لاعتبارها معارضة معتدلة على جبهة إعزاز – مارع، فلقد اتبعت أنقرة استراتيجية جديدة ذات أبعاد ثلاثة وهي دعم منظمات مثل أحرار الشام وجبهة النصرة بنيران المدفعية، وثانياً مساعدة تلك الجماعات بالأسلحة والنقل والإمداد ثالثاً توفير فرق القوات الخاصة في بعثات قصيرة الأجل لتعزيز قدراتهم التشغيلية.

هذه التدابير التي اتخذتها تركيا كانت كافية بالنسبة «لداعش» لكي يلحظ التغيير التدريجي في موقفها اتجاهه. أتت العملية على مطار أتاتورك بعد دعوة «داعش» المسلحين والمتعاطفين معه لشنّ هجمات خلال شهر رمضان وتزامن الهجوم مع الذكرى الثانية لإعلان الخلافة في 28 حزيران 2014.

ما قامت به «داعش» هو ضرب شريان الحياة في تركيا، وهو رسالة إلى العالم بأسره. إذ إنّ اختيار مطار أتاتورك في اسطنبول وهو ثالث أكثر المطارات ازدحاماً في أوروبا. يقصده حوالى 62 مليون راكب، حسب احصاءات عام 2015 ويعدّ واحد من أفضل المطارات على صعيد المراقبة الأمنية في العالم، يشكل تحوّلاً في سياسة داعش اتجاه تركيا ففي هجماته السابقة، كانت أهدافه ضدّ اليساريين في تفجير أنقرة، إذ استهدف الأحزاب والنقابات التي تنتقد الحكومة، وفي سروش كان التفجير ضدّ منظمات شبابية كردية.

لكن رسالة «داعش» الأن هي رسالة تهديد واضحة لتركيا الدولة والحكومة. استهدف سابقاً في هجمات 12 كانون الثاني في منطقة السلطان أحمد وفي ساحة تقسيم في 19 آذار المناطق السياحية الشعبية في اسطنبول، وهو يفضل الهجمات البارزة التي تجذب الاهتمام الدولي بإستهدافه للمدنيين الأجانب.

الدافع وراء هذه العمل الإرهابي هو تخويف انقرة من اتباع سياسة مضادّة له.

فالتنطيم الذي يخضع لضغوط في سورية والعراق، سيتحوّل تركيزه إلى تركيا. التطورات خطيرة والإجراءات الأمنية هي اليوم محلّ انتقادات داخلية كبيرة ومساءلة سياسية حول العلاقة مع «داعش» فيما ستضطر أنقرة إلى مزيد من التدابير المضادة الشديدة القسوة، إذ إنّ أمن البلاد سيكون على المحك. في هذا الإطار ثمة طروحات جديّة حول ضرورة العودة إلى الحوار، مع حزب العمال الكردستاني بعد سنة من الحرب في تركيا.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024