إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الروس... صلابة في السياسة والحرب

راسم عبيدات - البناء

نسخة للطباعة 2016-10-08

إقرأ ايضاً


لم تنجح كلّ الضغوط والعقوبات والإغراءات السياسية والاقتصادية والمالية التي مارستها وقدمتها أميركا ومروحة حلفائها العرب مشيخات الخليج العربي والإقليميين تركيا والدوليين فرنسا وبريطانيا، يضاف إليهم «إسرائيل» بحق روسيا ولروسيا، في تليين موقفها أو حملها على تقديم تنازلات ولو هامشية على صعيد تخليها عن حليفها الاستراتيجي بشار الأسد، فالدفاع في عرف القيادة الروسية عن دمشق هو دفاع عن موسكو، فروسيا تدرك حجم مصالحها الإقتصادية والجيواستراتيجية في سورية، فهي قاعدتها الأخيرة على البحر المتوسط، وسقوط سورية يعني حصاراً أميركياً – أوروبياً غربياً لها والتحكم في خطوط وأسعار نفطها وغازها، بالإضافة الى خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والفوضى الأمنية في البلدان الآسيوية المتاخمة لحدود روسيا من جمهوريات التركمستان، الطاجكستان، الأوزباكستان، القرغيزستان والكازاخستان التي تُعرَف انها دول إسلامية، معظم الفائض البشري الإرهابي المشارك في الحرب على سورية مقبل منها، وبالتالي عودتهم من الحرب على سورية الى تلك الجمهوريات، سيمكن أميركا والغرب الاستعماري من توظيفهم لخلق حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي في روسيا.

في الجانب السياسي قالت روسيا بشكل واضح للأميركان ومروحة حلفائهم، بأن الأولوية هي في الحرب على الإرهاب، وليس لتغيير النظام السوري، لأن ذلك مسألة الشعب السوري وحده من يقررها. ومن يريد حلاً سياسياً عليه أن ينفذ إلتزامات الحل السياسي وما جرى ويجرى الاتفاق عليه، بفصل الجماعات الإرهابية النصرة وداعش عما يُسمى بالمعارضة المعتدلة، واكثر من عام وأميركا ومروحة حلفائها يماطلون في ذلك، ويستغلون الهدن التي يجري التوافق عليها مع الروس حول وقف الأعمال العدائية وإدخال المساعدات الإنسانية في تزويد الجماعات الإرهابية بأحدث الأسلحة والمزيد من الاحتياط البشري الإرهابي. ورغم تعثر المحادثات حيناً ووصول الأمور الى مرحلة اللاعودة في التفاهمات الروسية الأميركية، بسب نكوث وعدم التزام أميركا بوعودها، وتعرّضهم لانتقادات شديدة من حلفائهم على مواقفهم التي اعتبرت بأنها رضوخ للشروط الأميركية، لكن الروس قادوا المفاوضات بنَفَس طويل. وفي الوقت نفسه أبدوا صلابة كبيرة في الموقف من الجماعات الإرهابية، وقالوا لأميركا إما فك العلاقة بين جماعة «النصرة» وما يُسمّى بـ«المعارضة المعتدلة»، والمشاركة في الحرب على «النصرة» و«داعش» تطبيقاً للتفاهمات الروسية الأميركية، وإما الحسم في الميدان.

التلكؤ او التهرّب الأميركي قاد الى قيام الجيش السوري مع حلفائه وبغطاء جوي روسي كثيف بشن حملة عسكرية واسعة على الجماعات الإرهابية وبالذات جبهة النصرة في شرق حلب من اجل اجتثاثها واسترداد حلب، وفرض حل سياسي بالنار على أميركا ومروحة حلفائها، وما حققه الجيش السوري في عشرة أيام من انتصارات واختراقات لمعاقل الجماعات الإرهابية في شرق حلب، أصاب أميركا وحلفاءها بالصدمة والعويل، فسقوط شرق حلب والقضاء على «جبهة النصرة»، يعني سقوطاً مدوياً للمشروع الأميركي الصهيوني – التركي الخليجي العربي السعودي والقطري الفرنسي البريطاني، المستثمرة فيه مئات مليارات الدولارات، من اجل إسقاط النظام السوري وإعادة إنتاج سورية ببنية وهوية وموقف جديد، وتشطيرها الى مناطق نفوذ ومحميات تضمن لإسرائيل أمنها لمئة عام مقبلة.

أميركا والغرب الاستعماري المجرم أخذوا يهدّدون بحرب ضروس وغارات مكثفة على الجيش السوري واستخدام صواريخ مجنحة، فمشروعهم يتهاوى، ويعلو بكاؤهم وعويلهم وصراخهم، وكيري قال لهم حذرتكم بأنه سيتمّ القضاء عليكم، لا نستطيع إنقاذكم وأيّ تدخل عسكري من جانبنا يعني القضاء النهائي عليكم، وقلت لكم اقبلوا حلاً سياسياً تحت سقف الأسد، ولكنكم ركبتم رؤوسكم ورفضتم والآن ستقبلون صاغرين وبتنازلات كبيرة حلاً سياسياً تحت سقف الأسد وبمشاركة هزيلة لكم.

ردّ الروس على التهديدات الأميركية بنصب بطاريات صواريخ «اس 300» و«اس 400» ودفعوا بالمزيد من بوارجهم الحربية الى المياه السورية وطائراتهم التي تحمل قنابل نووية حلقت فوق أربع دول أوروبية، في رسالة واضحة للأميركان، بأن أي استهداف للجيش السوري يعني المواجهة المباشرة مع الروس، والدفاعات الجوية الروسية ستسقط أي هدف يتحرك في الأجواء السورية أكان طائرة او صاروخاً، بغض النظر عن مصدره وهدفه ووجهته.

أمام هذا الموقف العسكري الحازم والصلب لروسيا تراجع الأميركان، وقالوا بأنهم لن يقوموا بالتدخل العسكري في سورية او التعرّض للجيش السوري.

فجأة بدأنا نسمع التباكي وذرف دموع التماسيح على الجانب الإنساني للمحاصرين من المدنيين المختطفين من «النصرة» كدروع بشرية في شرق حلب، من المبعوث الأممي لسورية صنيعة الأميركان دي ميستورا وغيره من جوقة الرداحين والمطبلين غربيين وعرباً واتراكاً وغيرهم، والذين لم نسمع لا بكاءهم ولا عويلهم على المدنيين المحاصرين والمختطفين من الجماعات الإرهابية في الرقة ودير الزور والفوعة وكفريا إلخ، او عندما شنّت الجماعات الإرهابية هجماتها لحصار غرب حلب. وفجأة يجري الاعتراف بأنّ «النصرة» موجودة في شرق حلب، وبأنّ جزءاً منها خرج خلال معركة الراموسة، وبانّ دي ميستورا «الإنساني» جداً، عفواً المغرق بالوقاحة والكذب، مستعد للقدوم الى حلب ومرافقة ما تبقى منها الى خارج حلب، أميركا التي رفضت الالتزام والمشاركة في فصل «النصرة» عن غيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى او ما يُسمى بالمعارضة المعتدلة، توافق على فصلها وخروجها من حلب من خلال حليفها وصنيعتها المبعوث الأممي دي مستورا.

عرض ومقترح دي ميستورا يتوافق ويحقق ما يطرحه الروس، بأن أي حل سياسي او تفاهمات ومشاركة في العملية السياسية لما يُسمّى المعارضة المعتدلة، لن يتحقق من دون الفصل بينها وبين «النصرة»، «النصرة» التي تشكل عصب الجماعات المسلحة، بخروجها ستفقد باقي المجاميع الإرهابية القدرة على القتال وستأتي صاغرة الى حل، التفاهمات والحل السياسي وفق ما أرادته سورية وروسيا ومروحة الحلفاء.

وما كان ممكناً تحقيق ذلك بدون صلابة روسية في الجانبين السياسي والعسكري، فروسيا تدرك بأن النصر في سورية، طريقها لاستعادة دورها كقوة عالمية مقررة في المنطقة والإقليم والعالم، ومن خلالها سيتم ايجاد ودوران عجلة الحلول السياسية للقضايا الأخرى من اوكرانيا وحتى اليمن.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024