إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

فلسطين ليست قصة ملك ضائع نبكيه... فلسطين قصة تاريخ مجيد سوف نبنيه

اياد موصللي - البناء

نسخة للطباعة 2017-02-27

إقرأ ايضاً


لفتني كلام الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي زار لبنان في الأسبوع الماضي، والكلام الذي صدر عنه في معرض حديثه عن المسألة الفلسطينية.. وكان ما لفتني في هذا الكلام هو أننا في العام 2017 نتكلم بنفس المعنى والأسلوب كما كنا نتكلم كمسؤولين عام 1917 ايّ انّ كلامنا عن فلسطين بعد النكبة هو هو قبل النكبة…

ومما قاله الرئيس الفلسطيني: «على صعيد تطورات القضية الفلسطينية، فكما تتابعون ما زالت العملية السياسية تراوح مكانها، رغم أننا نمدّ أيدينا للسلام وفق قرارات ومرجعيات الشرعية الدولية، إلا أنّ إسرائيل ما زالت تصرّ على مواصلة احتلالها لأرضنا، وإبقاء شعبنا في سجن كبير، وهو ما لن نقبله وسنواصل العمل بالطرق السياسية والدبلوماسية واستخدام أدوات القانون الدولي وحشد الدعم الدولي الثنائي والمتعدد، وسنعمل على تطبيق قرار مجلس الأمن 2334، وسنواجه النشاطات الاستيطانية وقرار الكنيست الأخير الذي يشرع سرقة الأرض الفلسطينية».

إذا عدنا الى الوراء وعشنا الأوهام نفسها التي كانت تخدّر بها عقول أجيالنا بالحديث عن السلم والرأي العام والعدالة الدولية والحقوق المهضومة والحق الكامل للعرب في أرضهم، عرفنا أية إرادة نملكها من أجل إثبات وجودنا وحقوقنا…! بارعون في الكلام والخطابة والحديث عن السلام… دون ايّ إيمان بأنّ السلام هو ان تسلّم الأمم بحقنا القومي…

ففي 11 حزيران من عام 1948 اجتمعت اللجنة السياسية العربية والقادة العسكريون والحكومات العربية وأعلنوا قبول الهدنة دون قيد او شرط، وبذلك فتحوا الطريق أمام النكبة.. تماماً كما جرى في «اتفاق اوسلو» الذي فتح الطريق امام سيطرة «إسرائيل» الكاملة وبناء المستوطنات بالآلاف..

وبرّر القادة العرب حينها انّ قبولهم للهدنة نابع من رغبتهم في السلم وبأنّ كلّ حلّ لا يحقق لفلسطين وحدتها السياسية ولا يحترم ارادة أغلبية سكانها لن يكون له ايّ حظ بالنجاح!» واننا نسأل الآن: هل نجح؟

هذا الكلام قيل قبل حوالى سبعون عاماً، ولا زلنا نتحدث بنفس الروح والمعنى…!

استغلّ اليهود الهدنة وتمكّنوا من تثبيت دولتهم، وكان قادتنا في ذلك الوقت يزيدون جرعات المخدّر لشعوبنا…

فالملك عبدالله قال: «وافقت اللجنة السياسية على الهدنة لأنها عالمة بأنها ستفوز انشاء الله بحق العرب الكامل في فلسطين انْ سلماً او حرباً… انّ اللجنة كانت حكيمة في قبول مبدأ عدم إطلاق النار طول المدة التي اقترحتها بريطانيا، وهذا يثبت انّ العرب هم الذين أصبحوا قادرين على تنفيذ ما اعتزموه… من حق اللجنة السياسية ان تهنّأ على قرارها هذا، واعتقد انّ العرب قد كسبوا المركز اللازم لهم في منظمة الأمم المتحدة وفي الرأي العام العالمي وأننا لمصمّمون على التمسك بالحق الكامل للعرب ». يا سلام… كسبوا المقاعدة وخسروا المقاصد…

وقال رياض الصلح رئيس وزراء لبنان: «انّ هذا القرار ليس إلا وقفاً لإطلاق النار مدة معينة كما يأمل العرب وعدالة قضيتهم… وانّ العقل والحكمة أمليا قبول اقتراح مجلس الأمن…! عقل وحكمة…! أضاعت البلاد فتشتت العباد…

وقال جميل مردم بك رئيس الحكومة السورية: «انّ الدول العربية تساهلت كثيراً بعدما أحرزت من النجاح العسكري، وانّ الهدنة فرصة جديدة لتسوية صحيحة، وقد بهرت جيوشنا العالم ببسالتها… وقد نزلنا على رغبة الأمم المتحدة حقنا للدماء وانّ السيف في يدنا وقد نعود لإخراجه!» صدق فالسيف أصدق انباء من الكتب…

هذا الكلام وهذه العنتريات تذكّرنا نتيجتها بالقول الشعبي: «تيتي تيتي مثل ما رحتي متل ما جيتي».

هكذا وبمثل هذا ضاعت ثمار ما حققه المقاتلون والجيوش وكانت نتيجة هذه الهدنة وهذه الخطابات المخدّرة المسكّنة… انّ الدولة اليهودية قامت واستمرّت ونالت اعترافات العالم، كانت «مزعومة فصارت معلومة»، لقد تمّ وقف القتال والمبادرة وزمام الأمور بيد العرب واليهود في رعب وقلق… وانتهت الهدنة واليهود مطمئنون إلى غدهم وغد العرب كان علمه عند الله وقارئي الغيب…

استفاد اليهود من الهدنة وحصلوا على اعترافات دول العالم بدولتهم فاكتسبوا الشرعية القانونية لها. ومقابل كلّ هذه الخروقات كانت الدول العربية ترفع عقيرتها بالشكوى والصراخ والجيوش تحافظ على كلمتها وتطيع أوامر حكوماتها الملتزمة بدقة بالهدنة! وتشرّد شعب فلسطين..

العرب كانوا يرفضون الهدنة لمعرفتهم بأضرارها على قضيتهم، ومع هذا قبلوها ووقفوا صامتين أمام الخروقات التي قام بها اليهود ولم يحركوا ساكناً سوى الاحتجاج المبحوح…

المضحك المبكي في هذه المسرحية المأساة وبعد كلّ ما مرّ تبادل الملوك والرؤساء التهانئ، فكان الملك عبدالله صاحب الاجتماعات السرية مع غولدا مائير وقادة «إسرائيل»، وصاحب الوعد بأنّ الجيش الأردني لن يحارب، هذا الملك وغيره من قادة العرب صدقوني تبادلوا برقيات التهانئ على ما أظهرته جيوشهم وهذا بعض مما تبادلوه…

اما الملك عبدالله فقال: «إننا سنسير في طريقنا الذي رسمناه رغم جميع المحاولات التي تبذل لأننا أصحاب حق والحق فوق القوة».

اننا عزمنا على تخليص فلسطين إنْ حرباً وإنْ سلماً وسنستمرّ في عزمنا حتى النهاية بفضل ما نلقاه من الشعوب العربية من تأييد في جميع تحركاتنا وانّ ساعة الصفر قريبة». صدق وحقق الوعد!

الوصي على عرش العراق قال: «انّ العرب أجمعوا على إنقاذ فلسطين في الحرب، وهم ما زالوا مجمعين على ذلك في فترة الهدنة، وسنعود الى النضال اذا دعينا اليه…» تحقق الإنقاذ يا إبطال…!

«إذا لم تستح فافعل ما تشاء»…

هكذا انتهت الهدنة الأولى وانتهت معها فلسطين، وما زال الأعراب يمارسون نفس أدوار العمالة، فبعد حرب لم يخوضوها أصبحوا سماسرة المفاوضات والتسويات وصكوك التمليك وتطويب فلسطين بشكل قانوني ونهائي لليهود، لقد صنع الاستعمار من هؤلاء المشايخ والأمراء حكام دول وهمية، ليكونوا يوماً ما صوته وسوطه، وهذا هو دورهم يمارسونه اليوم بإيمان وحماس، صدق القول الكريم: «والأعراب أشدُّ كفراً ونفاقاً».

اليوم أشبه بالأمس، قرارات للأمم المتحدة بمنع الهدم والاستيطان وإجراءات لفظية تقابل بمواقف صامتة خانعة مستسلمة و«إسرائيل» ماضية في مخططها وسياستها بتهويد البلاد كلها غير عابئة بأحد، وها هي تبني 8800 مستوطنة في البلاد و3700 مستوطنة في القدس… تدمّر تهدم تبيد المزروعات بالمواد الكيمائية في المزارع العائدة للفلسطينيين..

وتبدأ خطواتها بالاستيلاء على الأقصى.. إتماماً لإعلان نهائي بتحقيق وعد الله لهم كما يؤمنون، وانّ فلسطين أصبحت «دولة يهودية»…

بعد كلّ هذا ما زال القادة وأصحاب السلطة يقولون «إننا نمدّ أيدينا للسلام وفق مرجعيات الشرعية الدولية…» هذه الشرعية التي أتت باليهود من مختلف أنحاء العالم وطوّبت ووهبت لهم فلسطين يسكنونها بعد ان طردوا أهلها.. هذه الشرعية التي لم تشرعن حقاً واحداً للفلسطينيين حتى ولو حق العودة الى بلادهم وأرضهم للسكن فيها ولو مواطنين دون حقوق، حتى هذا حرمتهم منه الشرعية الدولية التي نمدّ أيدينا للسلام مع عدو لا يعترف بوجودها إرضاء لها.. والمؤلم انّ القادة يهدّدون ويتوعّدون العدو الإسرائيلي بعدم قبولهم بما يقوم به بقولهم لا بأعمالهم.. «سنواصل العمل بالطرق السياسية والدبلوماسية واستخدام القانون الدولي وحشد الدعم الدولي الثنائي والمتعدّد، وسنعمل على تطبيق قرار مجلس الأمن 2334 وسنواجه النشاطات الاستيطانية وقرار الكنيست الأخير الذي يشرع سرقة الارض الفلسطينية»…! يا سلام.. سلّم على الذين لم يعرفوا حتى الآن انّ الارض المسروقة قد شرّعت أرضاً اسرائيلية منذ سبعين عاماً وأعلنت يهوديتها قبل ان نعلن الحرب على قراراتها بالخطب والمقالات..

وحده المؤتمر الذي انعقد في طهران بدّد بعض الخيبة وأزال غمامة النوم عن أعيننا باعثاً أملاً بإيقاظ القوة الكامنة فينا والتي نحن مؤمنون بأنّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ منذ زمن بعيد..

الصهاينة يرون «انّ فلسطين بلادهم وحقهم فيها سماوي»، وانهم سيستردونها بالقوة وهكذا فعلوا.. كما قال وايزمن عام 1921 وكرّر قوله عام 1932 و1933 في المؤتمر اليهودي:

«انّ العرب تركوا البلاد مهجورة حتى تخلفت حضارياً ولم يعد هنالك من علاج سياسي لا تصحبه خطة للتنمية، كان على اليهود أن يعملوا بدورهم في إطار كالقيد لأشكال جديدة من الحياة. وعلى ذلك فالعرب في حاجة الى مساعدة اليهود، ومن الممكن ان يعيش الشعبان في سلام، فهناك متسع كبير ومياه وفيرة وعلى ذلك فإنّ على العرب أن يميّزوا بين وطنهم القومي وحقوقهم في فلسطين…»

«إنّ الوطن القومي للعرب يوجد في دمشق وبغداد بينما توجد الأماكن المقدسة لديهم في مكة والمدينة المنورة».

«لقد ازدهرت ثقافة العرب في بغداد ودمشق وليس في القدس».

ونكرّر انه رغم كلّ هذه الأهداف المعلنة الواضحة لدى العدو نجد من يندّد بسلاح المقاومة ويطالب بنزعه وتعرية لبنان أمام عدو طامع.

والآن استكملت «إسرائيل» مرحلة بناء ما تدّعي انه وطنها ودولتها وأتمّت سيطرتها على فلسطين كلها، وأقامت المصانع والمعامل والمنشآت والمفاعلات النووية، ونالت الهبات الأميركية والدولية مالياً وسياسياً وعسكرياً باتت تريد ان تفرض السلام على أعدائها وبدأت حكومات الخيانة والعمالة التي أنفقت الأموال والرجال من أجل تدمير سورية والعراق واليمن وليبيا… وفق مخطط محضر مدروس لبناء شرق أوسط جديد يقوم على قواعد المستعمرات الخاضعة لسيطرة أربعة ملايين اسرائيلي.. يطبّعون مع العدو لتحقيق هذا المخطط.. لقد رفضنا اتفاقيات السلام ليس خوفاً من السلم ولا لمحبتنا للحرب بل لأنّ السلم يجري بين جماعتين خلافهما مادي على مفهوم السيادة او رسم الحدود او على نفوذ سياسي او اقتصادي..

اما نحن و«إسرائيل» فليس بيننا وبينهم أياً من هذه الخلافات، والصراع معهم في جوهر صراع بقاء أو فناء..

وسنبقى نصارع وسنبقى نقاتل لإثبات حقنا واستعادته وكما قال سعاده: ليس عاراً ان ننكب بل العار ان تحوّلنا النكبات من أمة قوية الى أمة ضعيفة… لا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل…

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024