شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-11-07
 

عن سبع منصور... سأحدّثكم

اعتدال صادق شومان - البناء

عن رحليه الذي يشبه صمته، وهدوئه الذي يشبه هدوء روحه ووقاره. وعن سيرته وهو يخوض الحياة مفعماً بالتحدّي والنضال والغاية النبيلة، والهجرة المبكرة، والكتابة، وحكايات كثيرة عن نضالات ومآثر تحفظها له ساحة المهجر الأفريقي في مطرح طيّب الأعراق في الذاكرة.

هو سبع منصور، لقبه الأستاذ، ونخاطبه بحضرة الأمين، وينادي عليه الأصدقاء بـ«العميد». هو إن أطلّ، يطلّ «بشيبة وهيبة» متمهّلاً، تميّزه شياكة من طراز خاص، وسحر يتماثل مع صورة الفارس الخارج للتوّ من بين دفَّتَي رواية رومانسية قرأناها في زمن الأبيض والأسود، وإن بدا حادّاً بحاجبيه الثقيلين، إلّا أنّها حدّة لا تحجب للمحيّا بشائره الطيّبة والكريمة.

هو أيضاّ المثقّف المخضرم، الناهل من الأدب روائعَه، ومن التاريخ أساطيرَه. متذوّق الشعر رشفاً من أربابه من صنوف المتنبّي، وامرئ القيس، وأبي نواس، وجُلّ الشعراء من شطر الجاهلية، حتى صدر الإسلام وما بعده.

وهو من موقعه هذا ملتزم بصرامة الوزن والقافية، لا يسلّم «للركاكة» اللغوية، فالركاكة عنده اعتداء وجبت مواجهته. لا يهاب خوض المنازلات ذوْداً عن أسرار اللغة وغواياتها، بما عُرف عنه من فخامة بيان، وتكامل لغويّ، ودقة في الفهم والذوق والفنّ.

لا يُكثر الأمين سبع الكلام في مجلسه، وإنْ شاء وتكلّم، فينساب كلامه بصفاء وعفوية رصينة شيّقة وممتعة، وبصوت عميق منخفض. وإذا لمس نبرة فيها جلف أو خطل أو قسوة في القلب، أو حتى زلّة لسان، ممّن ضمّهم مجلسه، عند هذا الحدّ لا تَظُنّن أنّ السبع يبتسم، بل هو غضوب جارف، صارم حازم، قاطع كحدّ السيف. فالمنصور يجافي في مجلسه لغواً أو هذراً. فالمثل عنده يقول: «قعود جالس، وحكي جالس»، وحكمته تقول: «المرء بأصغريه».

أما وقد اكتملت الحلقة، والتفّ الشباب وصار للحديت نكهة حزبية، فوراً تبدأ المناكفة بغمزها ولمزها على غير إفصاح. إلا أنّ الأمين سبع سرعان ما ينبري لهم ممسكاّ عنهم الكلام، مسدّداً مفنّداً الحجج، ما يدلّ على تمكّنه وصفاء يقينه العقائدي، وسداد رأيه، وأفكار في غاية الوضوح والحسم والاستقلالية، وهذا واقع مشهود له في الأوساط الحزبية، وتنتهي الحلقة وينفضّ الشباب وهم على انضباط ووئام… إلى حين.

أما ما حدث لجار الرضا، فإنّ مرضاً عضالاً أنهكه حتى الموت، وقد زحف إليه مُتوانياً، فأبى إلا أن يكابده الخسائر في معركة قاسية خاضها «السبع» بشجاعة وصبر، ودامت لسنوات.

وإذ اشتدّ عليه المرض وأعياه الوجع، وزاد صمته غوراً، بقي سؤال واحد يؤرقه وهو على أهبة رحيل، يسألني من ثنايا بسمته: «كيف الشباب؟»، وللسؤال مغزاه!

أمس ترافقنا والأمين سبع للمرّة الأخيرة، اشتاق لجيرة أخرى في مسقط رأسه بلدة راشيا الفخّار، يقوده الحنين إلى بيوتها وأهلها، يمسّيهم بالخير. فاستيفظَتْ باكراً راشيا تهيّئ المكان لاستقبال العائد الكبير، فأبكر رفقاء الدرب لاستقباله، وأصدقاء لوداعه، وأهل وأنسباء توافدوا لملاقاة العمّ والخال. وفيهم الأخ والأخت، ومعهم «إيناز» ورجل جليل، نادى:

لو يعلم اللحد ما قد ضمّ من كرمٍ

ومِن فَخَارٍ ومِن نَعْماء لاتّسعا!


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه