شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-11-14
 

ترامب... على خطى جورج بوش الإبن

وجدي المصري - البناء

لفتني منذ أيام قليلة عنوانان بغاية الأهمية. الأوّل تصريح صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية جاء فيه بأنّ إيران تمتثل للاتفاق النووي، والثاني صادر عن قيادي أميركي في حلف شمال الأطلسي إذ طلب من روسيا الكفّ عن التدخل في شؤون أوروبا.

التصريح الأوّل فيه تأكيد على التزام إيران بالاتفاق النووي الذي عقدته مع الدول الكبرى والذي تعهّدت فيه إيران بوقف نشاطها النووي ذي الطابع العسكري مقابل رفع الحصار عنها. ومن الطبيعي أن تلجأ الدول الكبرى إلى وكالة الطاقة الذرية لكي تحرّك خبراءها للكشف على المواقع الإيرانية والتأكد من استمرارية التزام إيران بنود هذه الاتفاقية. وعندما يصدر عن هذه الوكالة تقرير تؤكدّ فيه أنّ إيران ما زالت ممتثلة لهذا الاتفاق، فهذا يعني ضرورة خفض كلّ الأصوات، بل إسكاتها، التي تشنّ الهجوم حالياً على إيران مهدّدة إياها باستمرار حصارها وفرض عقوبات جديدة عليها لانتهاكها بنود الاتفاق المذكور. فمن نصدّق؟ الدول المتّهِمة، أيّ الولايات المتحدة و»إسرائيل» والسعودية، أم وكالة الطاقة التي هي وحدها قادرة على التأكيد سلباً أو إيجاباً؟ إذا كانت هذه الوكالة قد أكّدت بالفعل التزام إيران، فأية قيمة لاتهامات الدول المذكورة؟ ألا يحق لنا عندها أن نقول بأنّ هذه الاتهامات إنّما هي اتهامات سياسية كما كانت اتهامات جورج بوش الإبن عام 2003 للعراق على أنّه يملك أسلحة دمار شامل وبقي مصرّاً على ذلك بالرغم من التقارير التي وردته، حتى من مخابراته، بأنّهم لم يجدوا شيئاً في العراق، لكنّه أصرّ على موقفه لأنّ المخابرات الإسرائيلية كانت قد خططت له ما عليه أن يفعله، فكان احتلال العراق.

هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية آنذاك، اعترفت بخطئها المتمثّل بإعطاء تفويضها لجورج بوش حيث كتبت في مذكراتها ما يلي: «ودفعتني أسباب أخرى إلى الشك وجود أسلحة دمار شامل في العراق ، ويعود انعدام ثقتي بإدارة بوش إلى خريف العام 2002، حين تبجّحت بتقارير الاستخبارات الحاسمة عن أسلحة الدمار الشامل لدى نظام صدام حسين. بعد تقديم الأدلّة، وسعيي إلى الحصول على ما في وسعي من الآراء من داخل الحكومة وخارجها، من الديمقراطيين والجمهوريين على حدّ سواء، صوّتت بالموافقة على العمل العسكري في العراق إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، ويعني هذا عمليات التفتيش عن الأسلحة». لكنّ الجهود لم تفشل بدليل قولها بعد أسطر: «توسّل إليه مفتّشو الأسلحة الدوليون إمهالهم بضعة أسابيع لإنهاء مهمتهم»، لكنّه رفض قائلاً: «إنّ القرار أعطاه السلطة، وحيداً دون غيره، ليقرّر متى ينفد وقت التفتيش عن الأسلحة فأعلن الحرب»، وهذا ما جعلها تقول: «… ولقد ندمت كثيراً لأنني منحت الرئيس بوش فائدة التشكيك في ذلك التصويت»، حيث.. كان آخرون أقلّ ثقة، خصوصاً أولئك الذين شهدوا فشل العملية الإستخبارية التى خلُصت إلى أنّ صدام حسين يملك أسلحة الدمار الشامل».

القرار كان قد اتخذ بغضّ النظر عن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأنّ الموساد والإستخبارات الأميركية كانا قد قرّرا ضرورة القضاء على صدام حسين لتحقيق ثلاثة أهداف. الأول يحقق المصلحة الأميركية والتي تقضي بوضع اليد على منابع النفط العراقي. والثاني تحقيق المصلحة الإسرائيلية العسكرية بضرب الجيش العراقي الذي كانت قدراته قد بدأت بالتنامي، وهذا ما اعتبرته «إسرائيل» تهديداً مباشراً لها. والثالث أيضاً يحقق المصلحة الإسرائيلية «الحضارية» وذلك من خلال نهب الآثار العراقية التي تفضح أكاذيب اليهود.

وهكذا كان، فأولى نتائج العدوان على العراق كانت سيطرة القوات الأميركية على آبار النفط وإطلاق يد العصابات الأميركية الصهيونية لنهب محتويات متحف بغداد، وإذا بالغاية التي اتخذها بوش ذريعة للاعتداء على العراق، أيّ تدمير ترسانته من أسلحة الدمار الشامل من جهة، والتخلص من الحكم الديكتاتوري وفرض الديمقراطية من جهة ثانية، تنكشف على حقيقتها وغايتها اللتين لم تكونا غير تدمير العراق وبث الفتنة الطائفية التي ستؤول الى تقسيمه.

وها هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي يرئسها الياباني يوكيا أمانو منذ العام 2009 والتي لا تضمّ بين أعضائها أيّ مسؤول عربي أو إسلامي، لكي لا تتهم بالتحيّز لإيران، تعيد السناريو ذاته بعد حملات التجنّي على إيران، مؤكدة أنّ إيران تمتثل للاتفاق النووي، وإذا بالقوى ذاتها وللغايات ذاتها، خاصة التخلص من أية قوة تهدّد «إسرائيل»، تكمل نعيقها صباح مساء. واللافت أنّ هذه القوى قامت في الماضي بالاعتداء المباشر والمفضوح ضدّ العراق، لكنّها اليوم، ولأنّها تدرك قوة إيران وقدرتها على التصدّي للعدوان، تقوم بالاعتداء على لبنان بحجة ضرب حزب الله الذي تعتبره يد إيران الفاعلة على ما تسمّيه «حدود إسرائيل».

كثر من المحللين قالوا هذا الكلام، أيّ لماذا معاقبة لبنان والتهويل بالحرب عليه؟ ولماذا لا يتمّ التعامل مع الرأس، أيّ إيران، بدلاً من التعامل مع الذراع، أيّ حزب الله؟ أليس أجدى قطع «رأس الحية» بدلاً من قطع جزء من ذنبها؟ الأمر الواضح برأيي هو أنّ السعودية اختارت هذه الطريق، وبأبشع وسيلة، كتعويض عن كلّ الفشل الذي مُنيت به على الصعيد الإقليمي، والضغط على لبنان بهذا الأسلوب سيشكل لها فشلاً جديداً يُضاف الى سجلّ فشلها الحافل منذ أن استجابت للمخطط الإسرائيلي، لاغية من حساباتها خطر «إسرائيل» ومستبدلة إياه بـ»الخطر الشيعي» المتمثل بإيران.

لقد تناسى السعوديون كلّ الحروب الإلغائية التي قامت بها «إسرائيل» ضدّ دول محيطها، بعد اغتصابها لأرض فلسطين، وبدأت ترتفع أصوات إعلاميّيها لتقول بأنّ «إسرائيل» تريد السلام والمشكلة تتمثل بالمقاومة الفلسطينية التي لا تعمل لإيجاد الأرضية الصالحة لهذا السلام والمتمثّلة بالثقة. هو الحَوَلُ الفكري يغزو العقول مجدّداً ضارباً عرض الحائط بحقوق أمتنا، التي لا تعنيهم، لكنّها تعنينا نحن أصحاب الحق، لذلك ستبقى المقاومة هي الرادع لكلّ المؤامرات مهما اشتدّت عليها الضغوط.

أمّا التصريح الثاني الصادر عن قيادي أميركي في حلف شمال الأطلسي فإنّني لم أسمع أغرب منه، ولا أعتقد أنّ أحداً له من العقل مثقال ذرّة يمكن أن يصدر عنه مثل هذا التصريح. ولست أدري إنْ كان هذا القيادي الفذّ يعرف جغرافية أوروبا وهو القادم من قارة بعيدة لا علاقة لها بأوروبا سوى أنّ مصالحها، التي زيّنها لها اليهود في الحرب العالمية الثانية، دعتها للدخول بالحرب الى جانب الحلفاء، وعلى أثر الانتصار على دول المحور، وحفاظاً على مصالحها من خلال ضمان موقع قدم دائم لها في أوروبا، عمدت الولايات المتحدة الى تأسيس حلف شمال الأطلسي عام 1949 ولا زالت تتزعّمه حتى تاريخه، فماذا يمكننا أن نسمّي ذلك؟ أليس تدخلاً في الشؤون الأوروبية؟ ألم يكن هذا الحلف، وبعد انتهاء الحرب، خط دفاع لمصالح الولايات المتحدة التي رأت بالاتحاد السوفياتي آنذاك قوة صاعدة أوروبية قد تقف عائقاً بوجه هذه المصالح؟ لقد كانت الولايات المتحدة بموقفها هذا سبباً دفع بالاتحاد السوفياتي للعمل على إنشاء حلف وارسو للوقوف بوجه التمدّد الأميركي في أوروبا، ويأتي اليوم هذا القيادي الأميركي الآتي من قارة أخرى ليحذّر روسيا من مغبة التدخل بالشؤون الأوروبية متغافلاً عن أنّ مساحة روسيا الأوروبية تبلغ 3.836.652 كلم2 تأتي بعدها أوكرانيا بمساحة تبلغ ما يقارب 600.000 كلم2، أيّ أنّ مساحة روسيا الأوروبية وحدها توازي معظم مساحة الدول الأوروبية مجتمعة، فكيف يسمح لنفسه هذا المعتوه بإطلاق هذا التحذير؟ إنّها العنجهيّة الأميركية التي تسمح لنفسها، ومنذ الحرب العالمية الثانية، بأن تعتبر مصالحها متقدّمة على شعوب الأرض قاطبة، وبالتالي فهي صاحبة الحق بالعمل على تأمين هذه المصالح حتى لو استدعى ذلك التدخل العسكري في أقاصي الأرض، مع ما ينتج عن ذلك من تدمير وقتل ونهب، فإذا كانت الولايات المتحدة قد سمحت لنفسها، وهي من قارة ثانية، أن تفرض نفسها على الدول الأوروبية لتأمين مصالحها، ألا يحق لروسيا، وقسم منها من القارة الأوروبية، بأن تسعى جاهدة بجمع بعض الحلفاء لمواجهة الحلف الأميركي – الأوروبي من أجل ضمان مصالحها؟ نحن مع مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية لأية دولة قوية كانت أم ضعيفة، ولكن هل تلتزم الولايات المتحدة بهذا المبدأ الذي أقرّته الأمم المتحدة؟ الولايات النتحدة و»إسرائيل» هما الدولتان الأكثر مخالفة لشرعة حقوق الإنسان، وهما الدولتان الأكثر رعاية للإرهاب في العالم، وهما الدولتان اللتان تعمل مخابراتهما بالخفاء في كلّ أنحاء العالم ليس لمصلحة السلام العالمي كما يدّعون، بل لتأمين مصالحهما التي تتناقض مع مصالح كلّ الشعوب.

هذه هي الحرية التي بها يؤمنون، وهذه هي الديمقراطية التي يريدون فرضها على كلّ الدول التي تناوئ سياستهم! يحق لهم ومعهم «إسرائيل» امتلاك السلاح النووي، لكنّهم يقفون بصلابة ضدّ إيران وضدّ كوريا الشمالية. وكالة الطاقة الدولية مهمّتها العمل في المجتمع الدولي على إقناع جميع الدول بنزع السلاح النووي، وهي لغاية الآن لم تستطع نزع الموافقة المبدئية من الولايات المتحدة و»إسرائيل». وها هو ترامب اليوم يسير على خطى بوش الإبن بتوزيع التهديدات ذات اليمين وذات الشمال معتبراً كلّ من لا يرضخ لأوامره مارقاً ويجب تأديبه وهو في محور الشرّ كما كان يقول جورج بوش. لو أنّ الولايات المتحدة بقيادتها قد خطت خطوة واحدة باتجاه الموافقة المبدئية على نزع السلاح النووي من ترسانة كلّ الدول التي تمتلكه، ورفضت ذلك بعض الدول، كإيران وكوريا الشمالية، لكانت تهديداته مبرّرة. أمّا أن تبقى الولايات المتحدة هي الترسانة النووية الأقوى، وتبقى «إسرائيل» الوحيدة بين دول الشرق الأوسط التي تملك السلاح النووي، فهذا يسحب منها الحق بمطالبة الغير بعدم امتلاك هذا السلاح، وبالتالي العمل على الاعتداء على الدول الساعية لإمتلاكه لإحداث توازن في القوى منعاً للتفرّد بالقرار الدولي، كما حدث مع الولايات المتحدة على أثر تفكك الاتحاد السوفياتي. الولايات المتحدة و»إسرائيل» اليوم هما محور الشرّ المطلق، ويجب الوقوف بوجههما وبوجه مخططاتهما القاضية بإخضاع كلّ شعوب العالم لإرادتهما، فهل يتحد كلّ المتضرّرين من استباحة حقوق الشعوب باسم الديمقراطية؟


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه