إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

التأسيس فعل استمراريّ

وفاء المقهور - البناء

نسخة للطباعة 2017-11-16

هكذا هو تشرين… رياح هبّت ونثرت البذار… وأمطار انهمرت وروت الديار… وهكذا غدا تشرين حاضناً كلّ شهور السنة، فجعل منها كلّ يومٍ تشريناً.. كلّ يومٍ تأسيساً.

هكذا هو تشرين بلادي… وهكذا هو التأسيس، عمليّة فعلٍ مستمرّ في كلّ مناحي حياتنا وليست ذكرى، فالتأسيس محطة لعودة انطلاق التاريخ الصحيح للأمّة السوريّة نحو الشحن وليست محطة ذكريات. التأسيس إيقاظاً للأمّة من سُباتها، فقد قامت قضية الأمّة بعد إغفال طويل، وانطلق الوعي بعد استرخاء مزمن، وافتتح عهد البطولة القومية المؤيّدة بصحّة العقيدة بعد عهود الاستسلام، وتولّدت العقليّة الأخلاقية الجديدة، وتمحورت حياتنا العامّة حول قضيّتنا القومية الاجتماعية الواحدة، حول حقّنا القومي.

التأسيس من أجل أن نعمل، وليس من أجل أن نقول.. فما أكثر القوّالين!

التأسيس من أجل أن نبني ونشيد الحق، لا من أجل أن نضارب حزباً آخر. فقد أدركنا ما هو حق لنا وما هو باطل… هذا ما أكّده سعاده في كلّ ميراثه الفكري والحياتي قيادة وقدوة.

التأسيس عند سعاده هو محطة لتأسيس معانٍ ومفاهيم قومية للإنسان المجتمع راقية، وهي تحويل القيم والمبادئ والمثل العليا إلى نمط حياة متحضّرة مع حياة الأمّة، وهي أيضاً البناء النفسي المادي الحضاري الشامل كلّ مناحي الحياة والكون والفنّ والجمال.

من هنا نجد بأنّ المعاني التأسيسية لنهضتنا لا تنحصر في عملية انبثاق النهضة وانطلاقها وتأسيس الحزب وإعلانه، بل تتجاوزها إلى مراحل أخرى في تثبيت أُسس الحياة القومية الجديدة وقوانينها، ونمط مواجهاتها للمسائل القومية، إنْ كان ذلك في الحزب أو خارجه…

وهذا ما يستدلّ عليه من خلال سيرة سعاده المفكّر والفيلسوف والقائد المقدام، والقدوة الصراعية المتحدّية كلّ الإغراءات. حيث إنّ عملية التأسيس لم تكتمل بذاتها، بل امتدّت بالفعل الصراعي الدؤوب حزبياً وحياتياً عبر المرحلة من تاريخ الحزب التي قادها زعيمنا منذ التأسيس وحتى الاستشهاد طيلة سبعة عشر عاماً.

إذن، فتأسيس الحزب هو تأسيس المعاني العميقة والكبيرة التي تحملها العقلية الأخلاقية الجديدة المتحمّلة مسؤوليات النهوض القومي في المواجهة والصراع، وتأسيس مجمل هذه المعاني ما كان ليتمّ إلّا عبر صراع داخليّ وخارجيّ أرسى سعاده خلال هذه الفترة كامل قواعد الحياة القومية ومتطلّبات قوّتها ونموّها وانتصارها. إذن، ما كان تأسيس الحركة مجرّد الإعلان عنها، بل كان فعلاً نضالياً يومياً تفكيراً وعملاً.. تخطيطاً. إنّه تأسيس لا مثيل له في التاريخ، لأنّه تأسيس بالدم.

ونحن أمام محطة التأسيس بعد خمسة وثمانين عاماً، تستوجب منّا النهضة الوقوف مع الذات.. نواجه فيها أوضاعنا بمسؤولية ونزاهة عقلية وأخلاقية… أين نحن من التأسيس؟ وأين أصبحنا في قواعده النهضويّة والبُنى النفسية والخُلُقية والاجتماعية والسياسية التي توجّهنا إليها، وجعلنا أعباء النضال المرير لجعلها فاعلة منتصرة في وجودنا القومي وحياتنا القومية؟ رغم أنّنا لا نغفل أنّ حركة ما للحركة السوريّة القومية الاجتماعية من تأثير في تكوين إنسان العقل المسؤول والعقلية الأخلاقية الجديدة، والإرادة الصراعية الثابتة بالرغم من كلّ ما انتاب هذه الحركة من انتكاسات، وما نزل بساحتها من اضطراب وتصدّع. ولا نغفل تأثير الحركة في شعبنا، الذي ما زالت عوامل التفكّك والتبعثر والتفسّخ… نامية فيه، رغم صراعنا ضدّها، فإنّ كلّ ما نسجّله هو انتصار الوعي القومي في الصراع ضدّ أمراض الأمّة، والتي منها المذهبية والطائفية والكيانية، لأنّ الفكر السوري القومي الاجتماعي هو فكر جامع موحّد لكلّ المشارب الفكرية حول قضية قومية مركزية واضحة في صراعنا مع عدوّنا اليهودي، إنّ داخلياً أيّ داخل الأمة أو خارجياً. هذا الانتصار يتّضح جلياً، قومياً واجتماعياً، في ضمير أبناء أمّتنا من خلال هذه المقاومة الشعبية القائمة اليوم في كيانات الأمة السورية لبنان… العراق، فلسطين، الشام وكذلك نسجّل للفكر السوري القومي الاجتماعي دخوله لغة الخطاب الجامع الموحّد لكلّ المنابر، كونه الحلّ الواقعي لكلّ أمراض أمّتنا، غير أنّ هذا لا يجب أن يُدخل الغرور إلى نفوسنا العظيمة، لأنّ طريقنا طويلة وشاقة لا يسلكها إلّا الجبابرة، أمّا الجبناء فيتهاوون على جنبات الطريق، لأنّ غاية الحزب بعيدة المدى، عالية الأهميّة لأنّها لا تقتصر على معالجة شكلٍ من الأشكال السياسية، بل تتناول الحياة القومية من أساسها واتّجاه الحياة القومية، كوننا لسنا مجرّد حزب سياسي، بل نحن حزب يتناول حياة أمّة بكلّيتها… بمجموعها من أساسها، والمقاصد العظمى لها، وليس لجزءٍ واحد منها.

إذن، نحن اليوم، وبعد مرور خمسة وثمانين عاماً على محطة إعلان الحركة وتأسيسها، لا بدّ لنا من العودة إلى الينبوع الأساس، ألا وهو سعاده الفكر، سعاده المؤسّس، سعاده القائد وسعاده القدوة حتى الاستشهاد، وإلّا فما الفائدة من انتمائنا؟! فانتصار الفكر السوري القومي الاجتماعي قد حدث منذ اللحظة الأولى التي أُعلن فيها التأسيس، لذلك فهذا لا يلغي واجبنا من نشر هذا الوعي السوري القومي الاجتماعي وتدعيمه وإثباته والوصول إلى المرامي الأخرى التي أرادها سعاده منذ تأسيس الحزب واستمراريّته، والتي أردناها نحن كأعضاء من تعاقدنا وانتظامنا. فالشأن السياسي مهمّ، ولكن ليس هو الأساس.

العودة إلى سعاده هي دعوة قديمة متجدّدة، طُرحت سابقاً في السبعينات إبان الانقسام الثاني الذي انتاب الحركة، ونحن نركّز عليها اليوم كونها مسألة أساسية في موضوع التعاقد والانتظام داخل الحزب، وإيضاح مفهوم العضوية ومفهوم المسؤولية والعلاقة أيضاً بينهما.

لنعد إلى سعاده، لأنّه القائد والقدوة، ولأنّ سيرته البلسم الشافي لكلّ أمراضنا الداخلية والخارجية، إنْ كان ذلك على صعيد الحزب أو على صعيد الأمّة، فسعاده هو الطرف الأقوى والأول في عملية التعاقد الحزبي.

ولتحي سورية وليحي سعاده


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024