إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

قامة قومية ترحل...

عباس الجمعة - البناء

نسخة للطباعة 2018-01-24

إقرأ ايضاً


قامة نضالية عربية شامخة ترحل، الأمين محمود عبد الخالق، الرئيس الأسبق للحزب السوري القومي الاجتماعي، وقائد نضالي، خبرته ساحات النضال القومي الصعبة والمعقدة، تولى العديد من المهمات القومية، عرفناه عن كثب، فهو بالفعل شهيد لبنان وفلسطين وكلّ القوميين اليوم وقد خسرناه، شكّل حالة نضالية مميّزة، لم يكن يهاب شيئاً أو يتردّد أمام أيّ خطر، أو يحسب لحياته حساباً. فهو مضى على طريق رفقائه الشهداء في الحزب السوري القومي الاجتماعي تاركاً إرثاً نضالياً كبيراً.

الحديث عن محمود عبد الخالق هو حديث عن تجربة الحزب السوري القومي الاجتماعي، يكتسب أهمية بالغة، إذ نتذكّر كيف يؤمن المناضل القومي الاجتماعي بعقيدة يرفض التحجّر بها، بل يحياها، بما تملك من قدرة تطوّرية في الفكر والسياسة، حتى بات شخصه محبوباً من رفاق دربه، بالإضافة إلى إيمانه العميق بالعقيدة القومية الاجتماعية، فكانت قدرته الفذة على التوفيق بين التحصيل والإنتاج، فهو لا يترك فرصة إلا يؤكد على القضية القومية المركزية قضية فلسطين. فكانت صفحات الورق مقالاتٍ وأبحاثاً ودراساتٍ وكتباً، أغنت الفكر القومي وتعزيز النضال القومي.

تمثلت أفكار الراحل الكبير محمود عبد الخالق بتوجهات قومية، وشعبية، فكرية وعملية، كان يطلق صرخة مدوّية عندما يرى الشعب الفلسطيني يتعرّض للعدوان والقتل والإرهاب الصهيوني، مؤكداً استنهاض القوى القومية والشعبية العربية لتعزيز دورها في محور الصراع ضدّ العدو الصهيوني.

أرسى الراحل الكبير محمود عبد الخالق قواعده في السبعينيات، سواء بتعزيز العلاقات بين الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية، والانفتاح على الأنظمة العربية التقدّمية والعلاقات مع المعسكر الاشتراكي، والإصرار على نشوء المقاومة القومية الاجتماعية في وجه الاجتياح الصهيوني عام 1982، مؤمناً بفكر المؤسّس أنطون سعاده، الذي جعل منه المقياس الذي تجب قراءة الواقع من خلال فهمه لانتزاع أدوات النضال من كلّ واقع جديد.

كان محمود عبد الخالق يسعى بكلّ ما يملك من أجل نشر الأسس الفكرية للقومية الاجتماعية التي لا تنحصر قدرتها في التحرير السياسي الخارجي من الاستعمار وقوى الاحتلال الأجنبي، ولا في التحرّر الاجتماعي من الإقطاع الاقتصادي الرأسمالي، بل باستطاعة هذا الفكر أن يحقق أبعاداً أخرى في التحرّر الاجتماعي، مثل الطائفية والعشائرية والقبلية، وغير ذلك من انقسامات اجتماعية ـ نفسية، محذراً من حالة التفكك والانحلال والمصائب والويلات المقبلة على هذه المنطقة التي كانت ميدانه النضالي.

عاش محمود عبد الخالق خلالها مسيرته النضالية الزمن العربي الجميل والزمن الرديء، وعاشت فلسطين معه منذ وعى على هذه الدنيا، شأنه شأن كلّ عربي حيث القضية الفلسطينية تبقى هي قضيته المركزية، حيث ميّزت هذا الإنسان الكبير الثائر النظيف أسر قلوب جميع معارفه في فلسطين ولبنان والعالم العربي، حيث إنّ تجربته الطويلة التي أعطاها الكثير الكثير، لأنّ القضية القومية هي قضية عدالة وكفاح، لا بدّ أن ينتصر فيها الفكر القومي مهما طال الزمن.

يرحل محمود عبد الخالق والمؤامرات تشتدّ على القضية الفلسطينية والمنطقة ونرى وقاحة ترامب وبنس لم تكن لتظهر بهذه القوة لولا موافقة ميسّرة من قيادات بعض الدول العربية التى هزئت بآراء ومطالب شعوبها ومشاعرهم وما تعنيه القدس لهم، تزامن ذلك مع غرق بعض الدول الأخرى بفيضان ما يسمّى الربيع العربي الذي استهلك قواها، فجاءت ردات الفعل تجاه ذلك القرار المشين باستنكار من هنا، وإدانة من هناك، ولم ترق ردات الفعل الخجولة هذه إلى مستوى ذاك الحدث الجلل.

ولهذا نقول كما كان يتحدث به الراحل الكبير إنّ كلّ ما جرى يتطلب اليوم وحدة الفصائل الفلسطينية لمواجهة هذا العدوان الجديد، ورفض كلّ الاتفاقيات السابقة مع الاحتلال، وعلى رأسها اتفاقية أوسلو، وإعادة إحياء المقاومة الفعّالة بكلّ أشكالها، والعمل على خلق انتفاضة جديدة تذكّر العالم بأنّ الكرامة الفلسطينية لا تمسّ ولا تغتصب بتلك السهولة، كما على المقاومة العربية أن تستمرّ في معركتها دفاعاً عن سورية التي توجّه ضربة قاصمة للمشروع التقسيمي الى جانب العراق، فيجب تعزيز أركان حلف المقاومة الذي يضمّ سورية وإيران والعراق والمقاومتين الفلسطينية واللبنانية بدعم أصيل من روسيا والصين ودول بريكس.

ختاماً… محمود عبد الخالق قامة قومية كبيرة، بقي يتابع مصير الوطن وجراحه الدامية حتى آخر يوم من أيام عمره، يرحل بعد عشرات السنوات من النضال، ويترك للأجيال الفكر القومي الاجتماعي، فكر سعاده، رجلاً كبيراً بذل جهداً وطاقة حتى أواخر أيامه، مؤمناً بأنّ يوم الغد هو يوم النصر وليس اليوم الذي يليه، ولا يحق لمناضل أن يتأخر عن دوره المطلوب منه، كي لا يتأخر يوم النصر ساعة، هنيئاً لك ذاتك المناضلة التي من أجلها قدّمت الكثير ترك لنا أمثولة من أجل حرية الإنسان وكرامته.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024