شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2018-01-29
 

هل يؤثّر التصعيد الإقليمي على الانتخابات في لبنان؟

د. وفيق إبراهيم - البناء

انسداد التفاهمات الأميركية الروسية حول سورية يلقي بظلال داكنة على دول الإقليم كافة من دون استثناء لما لدمشق من ارتباطات عميقة بمجمل أزمات المنطقة. فما يحدث لها في حالتَي السّلم أو الحرب، ينعكس بالضرورة على أوضاع الجوار العربي وصولاً إلى أوزان حليفتَيها إيران وروسيا. وهذا ليس مبالغة، لأنّ منفذ موسكو إلى قلب العالم هو الساحل السوري، والدفاع عن طهران يتولاه نسبيّاً تحالف حزب الله مع الجيش السوري وقى إقليمية أُخرى، إنّما بشكل غير مباشر.

من ناحية جهة درجات التأثّر، فهي نوعان: عسكري وسياسي. فإذا كانت العراق واليمن وليبيا قابلة للانفجار العسكري، فإنّ مصر تخلط بين توترات أمنية واشتباكات عسكرية وصِدام سياسي، لكنّ لبنان يذهب في مثل هذه الأحوال إلى تصعيد سياسي غير مسبوق، يعبّر عنه في أقرب استحقاقات دستورية.

وبما أنّ الانتخابات النيابيّة المرتقبة في أيار المقبل هي هذا الاستحقاق، فإنّ على الجميع توقّع مناوشات سياسية عميقة بين الأطراف الإقليمية والدولية من جهة، والقوى الداخلية من جهةٍ ثانية.

وهذا طبيعي في بلد لإيران والسعودية جذور راسخة فيه، وللإرهاب فيه أيضاً خلاياه النائمة وبيئاته الحاضنة. يكفي أنّ عنوان الانتصار على النفوذ الأميركي في لبنان وسورية والعراق متجذّر فيه، ومنتمٍ إليه بنيويّاً، وهو حزب الله. بما يؤكّد إمكانية استحداث تحشيد معادٍ له بقوّتي دفع ثنائية السياستان الأميركية والسعودية، وهي قابلة للتضاعف والدّعم من قِبل دول أخرى مثل دولة الإمارات والأردن وفرنسا، والقسم الإرهابي من مخيمات النازحين السوريين والفلسطينيين.

فإلى أي حدّ قد تتأثر الساحة اللبنانية بالانسداد الأميركي الروسي الإيراني السعودي، خصوصاً أنّ الآمال التي كانت معقودة على مؤتمر سوتشي تلاشت نسبياً بعد رفض الهيئة العليا للمفاوضات السوريّة حضوره بضغط أميركي سعودي، وبخلفيّة تركية مساومة!!

هناك خطوات عدّة تبدأ بتفعيل «التحشيد الديني» واستثماره بواسطة الإعلام والمساجد والكنائس. وهذه بدأت بالخلاف غير المبرّر حتى الآن بين فريقَي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. لقد بدأ هذا الخلاف يرتدي أشكال صراع على السلطة بين المسيحيين والشيعة، تحاول وسائل الإعلام النفخ فيه بأشكال شتّى، كافتعال صراعات حادّة بين مواقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وقيادات التيار الوطني الحرّ، حول عرض فيلم «The Post» والنفخ في الموضوع نفسه، ومواضيع أخرى بين حزب الله وحركة أمل مع حزب المستقبل. راقبوا بعض الشاشات المولجة بإيقاد الفتن لتتبيّنوا أنّ أمر عمليات إقليمي قد صدر بهذا الخصوص، موحى به من الأميركيين وتنفّذه الجهات المرتبطة بالسعودية والإمارات وقطر.

إنّ استمرار هذا «التحشيد المذهبي» على درجة عالية من الخطورة، لأنّه يمنح البؤر الإرهابية مساحات واسعة من حرية الحركة والانتقال لتنفيذ عمليات أمنية في بيئات مذهبية أخرى، وقد تلحق أذىً بالعلاقات الحسنة بين المذاهب والطوائف.

العامل الإيجابي الوحيد هو عجز هذه العمليات الانتحارية من التحوّل إلى حرب داخلية، وذلك لما يمتلكه حزب الله من خبرات واسعة في هذا المضمار، ومعه كامل الأجهزة الأمنيّة الرسمية والجيش اللبناني. لكنّ هذا التحالف قد لا يتمكّن من قطع نهائي لدابر هذه الأعمال التكفيرية، وبذلك تترك آثارها الاجتماعية على مستوى الشحن والشحن المضادّ في المساجد والكنائس.

أمّا على المستوى السياسي، فهناك محاولات لضبط التفلّت السياسي داخل المذاهب بالنسبة للمسلمين، والطائفة بالنسبة للمسيحيين. فالمذاهب الإسلامية الثلاثة تحاول تجميع كلّ أنواع المتفلّتين تحت راياتها، ولا تسمح بالمعارضة إلا لمن كان مقطوع الحيل، منهياً علاقاته ببيئته منذ مدة ولا يؤثّر فيها.

حزب المستقبل مثلاً يترقّب دوراً سعودياً لا يلوح حتى الآن في الأفق، وذلك لإعادة جذب ريفي وضاهر والميقاتي وحتى… فيصل كرامي وعبد الرحيم مراد، بمعنى أنّه يريد ناتجاً يسيطر على كامل المقاعد السنّية وإلى جانبها مقاعد مسيحية وشيعية ودرزية.

ينطبق الأمر نفسه على الشيعة والدروز، العاملين على رصّ صفوفهم الداخلية وتأمين نوّاب موالين لهم من الطوائف الأخرى. وإلا كيف يمكن تفسير طموح الوزير وليد جنبلاط، الذي يسعى لكسب ثمانية مقاعد للدروز وأربعة مقاعد أخرى من طوائف مسيحية وإسلامية، علماً أنّ عدد المقاعد المخصصة للدروز هو تسعة نوّاب فقط!!

ماذا الآن عن التحالفات؟

هذه مسألة داخلية وإقليمية في آن معاً أقسامها الداخلية ترتبط بتأمين حلفاء على مستويين: الفاعلية على مستوى إنجاح اللائحة، أي لديهم كميات وازنة من الأصوات، والتثبّت من ولائهم السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات. لأنّ المطلوب الفوز في الانتخابات والسيطرة على المجلس النيابي، كما فعل المرحوم رفيق الحريري في 1992، الذي استطاع ضخّ كميات كبيرة من الأصوات في قضاء زحلة، ونقل كميات كبيرة من أصوات أهالي شبعا وعرسال إلى الدائرة الأولى في الأشرفية، إلى جانب نقل آلاف الأصوات إلى دائرة الكورة. فاتسطاع بذلك السيطرة على المجلس النيابي والحكومات المتعاقبة، مع أدواره في انتقاء رؤساء الجمهوريات والسيطرة على كل مراكز توزيع المال العام في الدولة، بما فيها وزارة المال.

إنّما أين دور الإقليم هنا؟

الإقليم متمثّل بسفرائه لا يختلف عن أدوار القناصل الأوروبيين في القرن 19، الذين كانوا يحكمون متصرّفية جبل لبنان بشكل غير مباشر. لذلك، فهؤلاء السفراء هم الذين يختارون التحالفات التي تؤدّي إلى السيطرة على «سياسة لبنان» في إطار محور أميركي سعودي معادٍ للحلف الإيراني السوري مع حزب الله وروسيا.

لذلك يقوم «القنصل» السعودي بنسج علاقات مع معظم الأطراف السياسية، معمّقاً بعضها وفارضاً مصالحات تخدم وجهة الصراع الإقليمي أكثر ممّا تنفع السياسة اللبنانية التوافقية ومسألة الاستقرار الداخلي.

ضمن هذا الإطار تندرج المحاولات السعودية «لفرض» صلح «الضرورة» مع الحريري على قاعدة تحالفه مع القوات اللبنانية والكتائب، ولا بأس بإمكانية جذب التيار الوطني الحر نحو السياسة السعودية، إذا كان هذا ممكناً، أي نزعه من حلفه مع حزب الله.

وهذا يكشف أنّ المشروع السعودي للانتخابات في لبنان يستهدف الإمساك بسياسة لبنان على أساس إلحاق هزيمة بحزب الله تؤدي إلى محاصرته ومنعه من إنجاز أدوار إقليمية. وتأمل الرياض أن تستطيع من خلال الانتخابات المرتقبة والسيطرة على الدولة استصدار قرارات حكومية لبنانية تذهب نحو تأييد نزع سلاح حزب الله وإثارة تناقضات بينه وبين الجيش اللبناني، وباقي المؤسسات الأمنيّة.

لكنّ الأخطر ليس هنا، لأنّ الرياض تأمل نجاح مساعيها السلمية في التحالفات، وإلا فإنها لا تمانع في استثمار التحشيد الديني وخدمات أجنحة الإرهاب في مخيمات الفلسطينيين والنازحين وبعض بؤر «شيوخ الفتنة في الشمال والبقاع وطريق الجديدة».

وأنواع الاستثمار في هذا المضمار لا تُخفى على أحد، وتتعلّق بخلق فوضى أمنية متنقّلة وغير دائمة تؤسس للمطالبة بتأجيل الانتخابات، بحجّة أنّ حروب الإقليم تتصاعد وأوضاع الداخل اللبناني متفاقمة.

هذه هي الخطط الموضوعة على نار التأزيم، على أمل أن تكون قوى المقاومة بصدد وضع خطط بديلة تمنع «الاتجاه التدميري» وتخلق ظروفاً مؤاتية لانتخابات أصبحت ضرورية جداً.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه