شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2018-05-07
 

القطبة المخفية في مصالحة الكوريتين

أسامة العرب - البناء

لقد باتت الصين أحد أهم اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية، لا سيما بعدما باتت سياستها الخارجية قادرة على حلّ ملفّ شائك كملف كوريا الشمالية. فرئيسها شي جين بينغ الذي تدرج في السلطة منذ انتخابه لمنصب أمين عام الحزب الشيوعي في العام 2012، وبات يشغل رئاسة الدولة واللجنة العسكرية ومجلس الأمن القومي. يحلم بتقوية مناعة الصين وتعزيز وحدتها الوطنية وتحديث جيشها الوطني وزيادة وزن دولته على المستويين الإقليمي والعالمي. فرغم النمو الاقتصادي الذي حققته الصين خلال العقود الثلاثة الماضية، بقيت تعاني من انخفاض في الاستثمارات الأجنبية، وارتفاع في نسبة الدين العام، وانخفاض في مستوى دخل الفرد. كما أنها لا تزال تستورد النفط والمعادن، ولا تستطيع أن ترفع نسبة ميزانية دفاعها عن أكثر من 132 مليار دولار سنوياً. ولذلك، فإنّ الصين تطمح للانفتاح السياسي، وللعب دور بارز في مجال الطاقة، من أجل الحفاظ على تفوقها الاقتصادي وتنميتها الاجتماعية. حيث بدأ صناع القرار الصينيون يربطون مؤخراً بين قضايا الشؤون الخارجية وبين القضايا الداخلية. معتبرين أن تحقيق النمو السريع والنجاح باستبدال النموذج القائم على الصادرات بالنموذج القائم على الاستثمار يتطلّب إيلاء الشؤون الدولية الأولوية.

وفي سياق متصل، وجدت الصين نفسها بحاجة لتحمّل المزيد من المسؤوليات الدولية، وللعب دور بناّء في تحقيق المصالحة بين الكوريتين. وهذا ما يفسرّ سبب تبدّل المشهد السياسي هناك، من مرحلة حرب إلى مرحلة سلام. ويفسّر أيضاً سبب إعلان كوريا الشمالية عن رغبتها بالتخلّص من ترسانتها النووية، والانضمام مجدداً إلى معاهدة منع الانتشار النووي التي انسحبت منها عام 2002، والعودة إلى الاستخدام السلمي للطاقة النووية تحت نظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وتطمح الصين لإعادة التوازنات الدولية وإلى التأسيس لعالم خالٍ من السلاح النووي، ولذلك ستتقدم بطلب من الأمم المتحدة لوضع برنامج زمني ينص على خطوات محدّدة لنزع السلاح النووي في العالم، باعتبار أن مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار لعام 2000، والذي نص على 13 إجراءً عملياً لتحقيق نزع السلاح النووي، لم يرتبط تحقيقه بإطار زمني محدّد. في حين أنّ إخلاء العالم من هذا السلاح وضمان حماية الجنس البشري من تهديده، يشكل الهدف الأسمى للمعاهدة، وتحقيقه يتطلّب توافر الإرادة السياسية لدى كل من الدول التي تمتلك هذا السلاح الخطير والفتاك.

وسواء أكانت تدري أم لا تدري، فلقد قدّمت الصين خدمة كبيرة لمنطقة الشرق الأوسط، إذ إنها دفعت الولايات المتحدة لخفض حجم انشغالها بالمنطقة، وللتوجه نحو آسيا للحدّ من النفوذ الصيني المتنامي هناك، وهو ما عبّرت عنه بالسابق مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس بتصريحها الشهير: إن الوقت الذي تستهلكه منطقة الشرق الأوسط من الولايات المتحدة كبير، في حين أننا بحاجة للاهتمام بمناطق أخرى أكثر أهمية للمصالح الأميركية. وأثار هذا التوجّه جدلاً واسعاً في الإدارة الأميركية، لجهة كيفية إعادة هندسة السياسات في المنطقة، وملء الفراغ، وإعادة بناء التوازنات في الإقليم، ومدى تأثير ذلك على موقع القوى الكبرى الأخرى في سياق تفاعلات الإقليم. وعلى مرّ فترتين رئاسيتين للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما فقدت الولايات المتحدة تبعاً لهذا القرار، مزايا اقتصادية واستراتيجية عديدة في الشرق الأوسط، ودخلت روسيا كقوة كبرى أخرى منافسة لها في سياق تفاعلات المنطقة، وخرائط النفوذ والتأثير فيها. يُضاف إلى ذلك، أن الإدارة الأميركية الحالية ما تزال تعتبر أن منطقة الشرق الأوسط لم تعُد تحتل الأولوية بالنسبة لها، خصوصاً بسبب التطوّر الكبير الذي حققته في مجال إنتاج الطاقة والغاز الصخري، وتنامي الحديث عن إمكانية استقلالها النفطي، بمعنى عدم اعتمادها على نفط الشرق الأوسط.

غير أن عملية التحوّل الدولي على عكس ما يعتقد البعض، لا تسير في اتجاه واحد، من أعلى النظام إلى أسفله، ولكنها تسير في اتجاهين، حيث إن القوى الإقليمية الفاعلة تستطيع هي الأخرى تدشين عملية التحوّل إما بمفردها وإما بالتعاون مع الآخرين، كما هو الحال مع محور المقاومة وتحرّكه الفاعل على أعلى المستويات الدولية. فالقضاء على الإرهاب شكّل محطة تاريخية حاسمة لهذا المحور، ونقطة فاصلة في التاريخ السياسي الاجتماعي المعاصر، تميّز ما كان قبله، وما جاء بعده، أي أنه أدى إلى نقلة نوعية في النظام الإقليمي والدولي. كما كان للانتصارات التي حققها عنصر مفاجئ وجديد في التفاعلات السياسية، دولية كانت أم محلية، بما لا يدع شكاً أو لبساً، في أن نظرية العلاقات الدولية أهملت تحليل ديناميكية النظام الدولي وعمليات التحوّل فيه. ولعلّ هذا أوضح دليل على هذا النقص، هو نظرية الواقعية الجديدة التي يتزعمها كنيث والتز، والتي تختزل العلاقات الدولية وتشعباتها المتعددة من منظور الفوضى الدولية. فهذا النظام الدولي الفوضوي القديم قدّم العلاقة بين أسبارتا وأثينا في الماضي السحيق، يؤكد الجهل العميق لدى محللي النظام الدولي ذي التأثير العالمي الطاغي، بمفاهيم التحولات السياسية، لكونهم يهملون دراسة تفاعلات النظم الإقليمية، ويعتبرون أنها لا تلعب إلا دوراً سلبياً متلقياً. في حين أن محور المقاومة الوطنية أثبت أن العكس تماماً هو الصحيح، لأنه أدخل الصين وروسيا مرحلة القطبية الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية، ودعم فاعلية عمل منظمة الأمم المتحدة في محاربة الإرهاب، وأدى إلى حماية الدول الغربية من تمدد أصابع الإرهابيين إليها. ولهذا يمكن القول بأن نجاحات هذا المحور، باتت حدثاً دولياً ذا مضامين تحليلية بعيدة المدى، وإن إهمالها أو الجهل بها، يؤدي إلى نتائج وخيمة ومضلّلة في الممارسة السياسية.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه