إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

معضلات تشكيل الحكومة تبدأ بـ«القوات» ولا تنتهي بتوزيع الحقائب والبيان...

رنا صادق - البناء

نسخة للطباعة 2018-05-12

إقرأ ايضاً


كالعادة بعد كلّ انتخابات نيابية تكون هناك محطّات عدّة، فتتحوّل الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال، ويدعو رئيس السنّ النائب ميشال المر إلى جلسة لانتخاب رئيس للمجلس الذي يدعو بعد انتخابه إلى انتخاب اللجان النيابية وهيئة مكتب المجلس. إلى ذلك، تتألف الكتل النيابية، ويدعو رئيس الجمهورية إلى استشارات نيابية ملزمة بناء على واقع التكتّلات النيابية بطبيعة الحال. ومَن لم يدخل في تكتّل يستمع إليه رئيس الجمهورية بصفة فردية. هذه هي بإيجاز الخطوات الدستورية اللاحقة للانتخابات النيابية. وعند القول استشارات نيابية ملزمة يعني ذلك أنّ النواب لهم حقّ تسمية رئيس الوزراء الذي سيكلّف برئاسة الحكومة ويلتزم رئيس الجمهورية بالنتيجة.

واقعياً، فإنّ مساراً جديداً سيبدأ، ومن الممكن أن تكون هناك خيارات متعددة لتكليف رئيس حكومة جديد. لكن، تقدّر مصادر مطّلعة في حديث مع «البناء» أنّه ليس هناك خيارات أخرى غير الرئيس سعد الحريري حالياً لاعتبارين. الأول، هو أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري جاءا بتسوية. وهذه التسوية قضت بأن يكون الحريري موجوداً على مدار العهد. لذا أخلاقياً لا دستورياً وقانونياً، لن يتخلّى تكتّل «التيار الوطني الحرّ» عن الحريري، وسيكون بذلك ميزان «التيّار» و«المستقبل» قويّين بالمعنى العددي والسياسي. الاعتبار الثاني هو أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي ليس بعيداً عن خيار «التيّار»، فالأرجحية واضحة ستبقى للحريري.

كما أكّدت المصادر نفسها لـ«البناء» أنّ إشكاليات ستقع قبل تسمية الحريري وبعدها، والبعض سيتّهم «حزب الله» بذلك، لكن الحزب لن يكون عاملاً معرقلاً أمام الحريري. وعلى ضوء ذلك، فإنّ مهمة الأخير لن تكون سهلة بسبب نتائج الانتخابات النيابية. فالحريري خسر كثيراً في الانتخابات، لكنّه ما زال زعيم التكتّل الأقوى داخل الطائفة السنيّة.

وإذ ما اعتمدت الصيغة التي اعتُمدت الآن في المسار السياسي في أنّ الممثل القوي في طائفته هو صاحب المنصب الأول في الطائفة فذلك يكون لعون، برّي وحزب الله والحريري. أمّا حول استثنائية عون في التمثيل والشعبية في حقيقة لا يمكن نكرانها، لكن إذا ذهبنا إلى تكريسها فلا بدّ من أن يكون هناك تفاهم بين اللبنانيين وإلا ستذهب هذه الصيغة ولن تعود بعد انقضاء الولاية الرئاسية.

بالعودة إلى المحطّات التي قد تواجه الحريري، فإنه عملياً سيكون تشكيل الوزارة هو العقبة الكبرى أمامه، خصوصاً أنّه لم يعد صاحب صلاحية واسعة لأنّ كتلته لم تعد الأكبر. بات في المجلس كتل متوازنة وكبيرة، فـ «حزب الله» و«أمل» كتلة واحدة وربّما تنضمّ إليهما بعض التكتّلات الصغيرة، في المقابل كتلة «التيّار الوطني الحر» وكتلة «المستقبل» لن تفترقا.

العقبة الأولى التي ستواجه الحريري ستكون بينه وبين «القوات»، وبين «التيّار» و«القوات» على حدّ سواء، وستدخل كتلة «المردة» على الخطّ باعتبار أنّ حضورها الآن أصبح أقوى عمّا كان في المجلس التي تنتهي ولايته هذا الشهر. إذاً، ستشهد المرحلة المقبلة اختلافات في البيت الواحد في منطق المحاصصة الوزارية، وأيّ من الوزارات ستكون لهذه الجهة أو تلك.

الإعلامي فيصل عبد الساتر يشير إلى أنّ جعجع سيحاول الضغط من أجل الحصول على جل الحصوابوزارة من الوزارات السيادية المالية، الدفاع الوطني، الداخلية والبلديات، الخارجية والمغتربين أو الخارجية والمنتشرين، حسب تسميتها المقترحة من الوزير باسيل . الأمر الذي سيفتح آفاق مشكلة كبيرة، خصوصاً أنّ الرئيس برّي ألمح بشكل واضح ووجّه رسالة مفادها أنّ وزارة المالية ستبقى للطائفة الشيعية وتحديداً للوزير الحالي علي حسن خليل. أمّا وزارة الدفاع فإنّ «حزب الله» وأمل لن يقبلا أن تحصل عليها «القوات». وفي ما يخصّ الداخلية، فمن الطبيعي أن يُصرّ عليها الحريري للطائفة السنية، وأخيراً تبقى وزارة الخارجية، فهل يتخلّى «التيار» عن الخارجية من أجل القوّات؟

هنا، تكمن مشكلة أخرى خصوصاً أنّ جعجع صاحب اليد الطولى، سيحاول باعتباره من دون أيّ لُبس الرابح الأكبر في الانتخابات النيابية، أن يأكل من صحن «التيار». فهل سيقبل باسيل الذي جيّش كلّ هذا التجييش في خطاباته النيابية أن يصبح شريكه جعجع مناصفةً في تشكيل الحكومة؟ وأيّ دور سيلعبه رئيس الحكومة المكلّف بالتعاون مع رؤساء الكتل الأخرى؟ وماذا سيكون دور برّي الذي يقوم دائماً بالوسطات والتجسير بين الأطراف لحلحلة العقد؟

وفي سياق متصل، في حال ذهب الحزب التقدمي الاشتراكي نحو التحالف مع «القوات» في تشكيل الحكومة سيكون لبنان أمام تشكّل سياسي فريد من نوعه، فهل سيختار الوزير وليد جنبلاط التحالف مع جعجع، علماً أنّ رئيس «التقدمي» لن يتخلى عن تحالفه المتين مع الرئيس برّي؟

أمّا من جهة أخرى، في الجوّ العام لـ«حزب الله» الذي يُعتبر الأقلّ تطلباً من غيره من الأطراف في اختيار الوزارات، عليه التخفيف من حالة الزهد والصوفية في ما يخصّ وزاراته، بحسب عبد الساتر، لأنه تقع على عاتقه مسؤولية فاعلة في مؤسسات الدولة في الفترة المقبلة، وعليه اختيار وزارات لها القدرة على تقديم شيء للناس. الأمر الذي سيُوضع في الحسبان بعد أخذ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. هذا الأمر على عاتقه في خطابه الانتخابي، لذا على كلّ الكادرات والكفاءات داخل الحزب أنّ تتفرّغ لذلك.

ومن عقبات التكتّلات إلى عقبات البيان الوزاري، أولاً عقبة اختيار أسماء اللجنة التي ستُؤلف لإعداد البيان، خصوصاً مع وجود 70 نائباً جديداً في المجلس، ثم صيغة البيان الوزاري. فهل نحن أمام استرجاع للمعادلة بالصيغة نفسها التي كانت قائمة، أم من الممكن ابتداع عبارات جديدة على غرار ما حصل في الحكومة الجديدة؟ وهل سيقبل «حزب الله» عبارات ملتبسة وضبابية كالموجودة في البيان الحالي؟

البيان الوزاري سيكون موضع خلاف كبير، بحسب الإعلامي فيصل عبد الساتر، فـ«القوات» لها موقف واضح في هذا الإطار والآن وجودها أصبح أقوى، بالتالي ستحاول أن تفرض مبتغاها، ما يطرح العديد من المشكلات بينها وبين باقي الأطراف السياسية إنْ لم يُصَر إلى تفاهمات قبل البدء في صياغة البيان الوزاري. كذلك فإنّ «القوات» كما بعض الأطراف الأخرى أخذت على عاتقها أن تكون في مواجهة «حزب الله» والمقاومة في موضوع البيان الوزاري.

في المحصلة، باتت هناك ثلاث عقبات أساسية أمام تشكيل الحكومة، الأولى تندرج في تسمية رئيس الحكومة، الثانية في طرح الأسماء التي ستتألف منها لجنة تشكيل البيان الوزاري. والعقبة الثالثة هي الاتفاق على صيغة البيان الوزاري. الأمر الذي يتطلّب وقتاً طويلاً عكس ما حصل مع الحكومة الحالية، فالحكومة الحالية كان بيانها الوزاري سريعاً لأنّ تشكيل الحكومة تأخّر كثيراً.

يتوقّع عبد الساتر بعد هذه الأجواء التي تحيط مرحلة ما بعد الانتخابات في لبنان أن ليس هناك مصلحة لأحد في تأخير تشكيل الحكومة، لذلك يجب تأليفها في أسرع وقت ممكن، وليس هناك مَن يعوق هذا الأمر سوى إصرار البعض وعنادهم في الحصول على بعض المطالب في هذا الإطار.

ويضيف: لكن الحريري اكتسب خبرةً وبات يعرف كيفية تدوير الزوايا، بالتالي أصبحت مهمته سهلة إذا عرف إدارة هذه العملية.

لبنان يحتاج إلى حكومة منتجة حقيقية، تدير الشأن العام وتكون حكومة فاعلة، لأنّ اللبنانيين ينتظرون ذلك اليوم الذي تتحقّق مطالبهم وتتحسّن أوضاعهم الحياتية.

ويا ليت هذه القوى السياسية الآن تلتفت إلى ارتفاع الدين العام المتسارع بشكل جنوني، فالاستحقاق العام للفوائد لسنة 2018 يبلغ خمسة مليارات دولار، وسيبلغ في السنة المقبلة ما يقارب ستة مليارات دولار، حيث إنّ أكثر من ثلاثة أرباعه خدمة لحيتان المال في الداخل.

المطلوب سريعاً استرجاع أملاك الدولة واسترداد الحقّ العام الذي نُهب، كلّ هذا يعيد ترتيب الوضع الداخلي اللبناني. كما من المهمّ اقتراح وزارة تصميم وتخطيط، لأنّ اللبنانيين لم تعُد لديهم القدرة على تحمّل هذا الكمّ الكبير من البطالة.

إلى جانب ذلك، على رأس أعمال الحكومة الجديدة يجب أن تكون حلحلة أزمة النازحين السوريين، فخارج موضوع النازحين السوريين عبثاً تكون عمليات ترميم الوضع الاقتصادي الداخلي اللبناني.

ومن المهمّ جداً اليوم تهيئة الأرضية الكاملة للذين يتخرّجون سنوياً بأعداد كبيرة، ما يقارب 35 إلى 36 ألف متخرّج، وتوفير فرص العمل اللازمة لهم وإلا سوف يتحوّلون إما إلى عاطلين عن العمل وإما إلى مهاجرين جدد أو إلى منتشرين وفق التسمية الجديدة التي يريدها لهم الوزير باسيل…!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024