شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2018-06-09
 

تثبيت الانتماء وتأكيد الهوية

د. رندة شاهين - البناء

لقد وصلنا إلى زمن تتمّ فيه محاولات حثيثة حتى لو احتاج الأمر للإرهاب والحرب المستترة والمعلنة، لإخضاع شعوب لمصلحة وأطماع شعوب أخرى.. لذلك كان لا بد من تأصيل الهوية والانتماء، وإعطاء ذلك ما يستحقه من اهتمام ومتابعة، عبر إعادة النظر في تصويب المعايير المنحرفة لنعيدها إلى سياقها الصحيح.. كولادة جديدة للانتماء إلى الأرض.. والتي تجسّد الوطن.

صحيح أن الوطن يمرّ بفاجعة أليمة، لكن التمعّن فيها يجعل أنه لا بدّ من أخذ العبرة والموعظة، مما يجري في سوريتنا، فكم شهدت بلادنا من نكبات وعادت كطائر الفينيق ينهض من قلب الرماد.

والهزيمة ليست هزيمة الحروب.. بل هي هزيمة الإنسان عندما يفقد الثقة بالمقوّمات الأساسية للشخصية القومية، والمبادئ التي هي قوام المجتمع، وفي ظل العولمة والانفتاح علينا الانتباه إلى أنه يمكن أن تذوب أجزاء من تلك الهوية إن لم تذُب بكاملها وإن لم يتمّ تعزيزها بالانتماء ليعي الفرد ذاته. فالهوية هي مجموع ثلاثة عناصر: العقيدة التي توفّر رؤية صحيحة للوجود، واللسان الذي يجري التعبير به، والتراث الثقافي الطويل المدى.

اللغة هي عنوان الوجود والهوية، باعتبارها المستودع الأمين الذي تُختزن به مقومات الانتماء، والذاكرة للمستقبل فضلاً عن كونها الوعاء الحاضن لمنجزات الحضارة، والشاهد الأمين على تاريخ الأمة ومسار تطوّرها وعنوان وحدتها ورمز هويتها، فهي التي تدلّ على هوية الفرد وتكشف عن ذاته ومَن هو.

إن اللغة هوية، وليست «الهوية» لغة، بمعنى أن اللغة ليست المقوّم الوحيد للهوية، وإن كانت من أهم هذه المقوّمات، وأشدها خصباً وعمقاً وتركيباً. إن العلاقة بين اللغة والهوية هي علاقة الخاص بالعام، فالهوية أعمّ من اللغة، اللغة المهيمنة في أي مجتمع هي لغة الدولة المهيمنة، فحينما كانت الدولة الإسلامية قوية ومسيطرة شاع اللسان العربي وتفوّق على غيره من الألسنة، وغدت اللغة العربية هي المهيمنة والمستخدمة. وكما أنها أصبحت اللغة الشرعية فأعطت الطابع العربي وهويته لسوريتنا، وأصبح لا يجوز استخدام أية لغة أخرى خاصة في النص المقدس والصلاة، وبهذه الظاهرة الاجتماعية التي امتدت بأرجاء سوريتنا فقدنا لغتنا الأصلية وماهيتنا.. وإذا فقدت أمة ما لغتها تكون عندئذ قد فقدت الحياة، فلا يبقى سبيل إلى عودتها إلى الحياة، إلا باستعادتها الوعي والشعور بأهمية حضارتها وثقافتها.

إنّ هوية الإنسان هي ثوابته التي تتجدّد ولا تتغير فتنجلي وتفصح عن ذاتها دون أن تخلي مكاناً لنقيضها، طالما بقيت الذات على قيد الحياة. فالمواطنة شجرة تضرب جذورها عميقاً في الأرض.. أما تراثنا وقيمنا فهما تلك الجذور.. وها نحن أمام تحدٍ جديد في بناء الأرض والإنسان نتصدّى له مهما بذلنا من جهود وتضحيات وتحديات أخرى.. ليست أولها محاولات التطبيع، والغزو الثقافي، وليس آخرها محاولات طمس الهوية الوطنية السورية إن لم يكن محوها.

من هنا تأتي أهمية ترسيخ المواطنة والوصول الى تجانس ثقافي، وحضاري بين أفراد المجتمع الواحد، لأن الانتماء الى الوطن يعزز حسن العلاقة مع الآخرين، ما دام الجميع ينتمي الى وطن واحد،… أو أنهم جميعاً يرتبطون بانتماء واحد، إلا أن لكل فرد في المجتمع حقوقه التي ينبغي عليه التعرف إليها من خلال موقعه، ليعرف بالتالي ما له وما عليه، بالمقابل لأن الحقوق لا تقف عند حدود الفرد.. فهناك أيضاً حقوق للأوطان في صونها والدفاع عنها، فما بالنا بانتمائنا السوري الذي قال فيه عالم الآثار الفرنسي آندريه بارو جملته الشهيرة: «لكل إنسان وطنان.. وطنه الأم وسورية».


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه