إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

اعادة اطلاق سورية

د . تيسير كوى

نسخة للطباعة 2018-07-17

يؤكد فصيل من السيكولوجيين ( علماء النفس ) الغربيين أن الانسان يكرر السلوك الذي عاد عليه أو يأمل في أن يعود عليه دائما أوعابرا بالغنم ويتجنب السلوك الذي عاد عليه بالألم أو الخسران. وعليه كرر الغرب وهو استعماري لئيم يتنكر منذ فترة زمنية طويلة لكل القيم المحيية لاسيما المسيحية منها, كرر وسيكرر سلوكه في سورية الطبيعية الذي من مظاهره حتى الآن زرع الشر الاسرائيلي وتدمير الكثير القيم والجميل في كل من الجمهوريات السورية والعراقية واللبنانية بالاضافة الى زرع بعض الأسر الحاكمة في المنطقة العربية لا سيما في ما يسمى المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية. وسيستمد هذا الغرب الاستعماري تشجيعا من نجاحه حتى الآن في تثبيت أقدام عميله التركي رجب طيب أردوغان في المنطقة. وعليه مرة أخرى صار ما يسمى محور المقاومة في منطقة الشرق الحضاري, أي محور التحضر الساعي الى وضع حد نهائي حاسم لشريعة الغاب في هذا العالم, صار عليه الآن أن يضمن منع الاسرائيلي أو التركي أو الغربي " الناتوي" من تحقيق أي غنم من حربه على سورية الطبيعية كلها . بكلام آخر يجب أن تخرج قوى العدوان والشر في العالم, التي تعتمد شريعة الغاب, بخفي حنين كما يقال بل الأفضل أن تخرج هذه القوى بخسائر فادحة بينة يكون من ملامحها الأولية على سبيل المثال لا الحصر عودة منطقة الجولان الغنية بكاملها الى الجمهورية العربية السورية وعودة المناطق اللبنانية الرازحة تحت نير الاسرائيلي الى الجمهورية اللبنانية وانحسار ما تمكن التركي حتى الان من زرعه من نفوذ أو سلطة أو احتلال في المنطقة الشمالية من كل من الجمهوريتين العراقية والسورية . والأفضل من هذا كله طبعا انهاء وجود دولة اسرائيل في المنطقة واعادة كيليكيا والاسكندرون الى سورية الطبيعية بالحسنى أو بالقوة . ويستحسن أيضا وضع حد نهائي لكل الدويلات أو القوى الموظفة التي قبلت ولا تزال تقبل أن تكون مطية أو أدوات طيعة للاستعمار الغربي البربري الذي حان الوقت لوضع نهاية حاسمة ناجزة له .

في ضوء هذا كله ثمة حقائق بدأت تتضح منذ فترة من الزمن وتفسر بعض ما يجري في العالم في الوقت الراهن , منها أن الغرب بات بحاجة ماسة الى قوى شابة تحرك بجهودها وحيويتها اقتصاده الذي يتدهور بسرعة لم تكن منتظرة. من عناصر هذا التدهور أن كبار السن " المتقاعدين " اقتربوا من أن يصبحوا أكثرية في المجتمعات الغربية كافة ما يعني ان ما يتطلبه الانفاق الاجتماعي عليهم صار أكثر مما يستطيع الشباب الناشط حاليا أن يضعه في صناديق الضمان الاجتماعي. ولعل صندوق التقاعد الرسمي هو الأكثر أهمية من هذه الصناديق. ويفسر هذا الى حد ما " غض نظر " المفكرين والعقلاء عن ما تفعله حكومات غربية متل حكومات بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها فهي تسرق من دول غنية جدا وفقيرة جدا وضعيفة جدا في آن مثل ما يسمى المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى كما سبق لها أن استمرأت السرقة بعدما مارستها فترة زمنية طويلة من مناطق غنية في أفريقيا وآسيا والأميركتين. ولا تكتفي هذا الحكومات بشن الحروب التدميرية على الدول التي تنعم بموارد طبيعية غنية بل ابتكرت مؤخرا أنواع جديدة من الحروب تستخدم فيها دهماء الكرة الأرضية كلها وفقراءها جنودا مرتزقة بدلا من التضحية بشبابها وعقولها.

ومن الغايات الأخرى للحروب التدميرية الغربية ارهاب الدول التي يظن الغرب أنها ضعيفة واجبار أعداد كبيرة من الشباب فيها على الهجرة منها متناسية أن بعض هذه الدول أسس للحضارة البشرية وساهم كثيرا في اعطاء هذه الحضارة مضمونها الراقي والخالد. واشعارهذه الدول بالعجز ما يؤسس للموت البطيء الذليل ويحطم الكبرياء. ومن غايات هذه الحروب أيضا الاستحواذ على ثمار ما يسمى اعادة الاعمار كلها. وتأخذ هذه الحروب التدميرية أحيانا شكل القضاء بالتدريج وببطء شديد ممنهج على شعور الجماعة المخضعة بالعزة والأنفة, ناهيك عن محاولة تفكيك تماسكها ووحدتها والقضاء على القيم الايجابية السائدة فيها كافة وهو ما بدأ يتفشى في منطقة الشرق الحضاري منذ بدأ الحكم العثماني الذي امتد أربعة قرون ونيف.

لا يشك أحد في أن دول سورية الطبيعية ( سورية والعراق ولبنان والأردن وفلسطين الخ...) خسرت الكثير الثمين منذ شن الغرب حربه الصريحة المدمرة التي تناولت المجتمع والتاريخ و الحجر منذ ما قبل زرع دولة اسرائيل في الجنوب السوري وفعل هذا الغرب المستحيل المتجرد من كل القيم الانسانية والأخلاق الحميدة لانماء هذا الزرع الخبيث ورعايته. وعليه صارت الحاجة ماسة جدا في هذه الدول خصوصا وفي المنطقة الناطقة بلغة الضاد عامة الى نهضة تتأ سس على ما يخلص اليه مفكرو أهل المنطقة ومخططوها بعد اعادة النظر على نحو جدي وشامل في كل ما ساد أو هو سائد من العادات والتقاليد والممارسات كافة, على أن تتضمن اعادة النظر هذه درس العوامل والنظم كلها التي سببت أطالة الحرب على سورية وحملت بعض السوريين على الارتماء في أحضان التركي أو السعودي أو الاسرائيلي وغيرهم من الأجانب شرط أن يعاد البناء على ما تقترحه نتائج الدرس والتنقيب والأبحاث الجدية العلمية. و الغاية من كل هذا وضعنا في حال يخشى معه أي طامع بثرواتنا وأرضنا من أن يمد يده لالحاق الأذى بنا ونهب ما نملكه وتختزنه أرضنا الطيبة وما يجري فيها من ماء.

قد يشجع ما حصل في بلادنا حتى الآن الطامعين على معاودة الكرة و بذل محاولة اخرى لاذلالنا وقتلنا. يبدو لكل ذي عينين وعقل أن الانسان في كل مكان بحاجة ماسة الى سورية, بحاجة الى أن تعود هذه الأرض الطيبة مع شعبها النبيل العريق العبقري الى العطاء الذي لم يضاهيه عطاء أية جماعة انسانية أخرى في التاريخ البشري حتى الآن. علينا اعادة اطلاق سورية الحضارة, سورية النبل والقوة والعطاء. حبذا لو نجرب ما أشار به علينا السوري الراحل أنطون سعادة الذي قتله بعض منا فيما كنا جميعا بحاجة ماسة اليه والى أمثاله من المفكرين الرؤويين المستشرفين. لقد قال سعادة مخاطبا مواطنيه السوريين " ان فيكم قوة لو فعلت لغيرت مجرى التاريخ ". لقد صدق الرجل فهاهي سورية تحطم حاليا بفضل شهدائها وبمؤازرة حلفائها شريعة الغاب. لقد أصبحت حاجة العالم كله ملحة الى عودة سورية وشعبها الى ساحة البذل والعطاء, هذا الشعب الذي ما وجد خير الا وكان مبدعه أو مناصره حتى يسود وما وجد شر في هذا الكون الا وقاتله حتى القضاء عليه.

كم يتمنى الجيل السوري الحالي من أن يكون بشار الأسد لسورية مثلما كان أوتو فون بسمارك لألمانيا وغويسبي غاريبالدي لايطاليا.



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024