شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2018-08-21
 

استراتيجية التوحش لإبن زايد والوضع الملائم...

رضا حرب - البناء

بغضّ النظر عن القدرات التي تمتلكها الدولة، محدودة أو غير محدودة، ترسم سياسة خارجية وفق حساباتها واستراتيجية وفق قدراتها او تفوق قدراتها. فمن الطبيعي جداً أن توظف إمكاناتها وقدراتها وعلاقاتها في التأثير في سياسات بعض الدول الفاعلة في الشأنين الإقليمي والدولي لخلق مناطق نفوذ ولو لجأت إلى تغيير قواعد اللعبة التي تتوافق او لا تتوافق مع موقعها ووزنها الاستراتيجي والعوامل الجيوسياسية وتوازن القوى القائم او المتغيّر، والمعادلة الإستراتيجية في المنطقة، والقدرة على ملئ الفراغات الاستراتيجية، وما يمكن أن تنجزه أو لا تنجزه.

الانخراط الإماراتي المباشر وغير المباشر في أزمات المنطقة يدفعنا للتساول لماذا؟ وهل الوضع ملائم لاستراتيجية التوحش لإبن زايد؟

هناك حقيقة يجب ان يعرفها القارئ وهي انّ ابن زايد غير متهوّر وطموح وعدواني جداً في طبيعته، ويتحرك وفق استراتيجية تنسجم مع طبيعته ويراها تتلاءم مع الوضع السائد في المنطقة، وقد أحاط نفسه بمستشارين ساقطين تتلاءم طبيعتهم مع طبيعته وأهدافه، فضلاً عن أهدافهم، محمد دحلان، أريك برنس، جورج نادر ومن خلفه اليوت برويدي. والأشدّ خطورة في استراتيجية ابن زايد أنها تتلاءم مع توجهات ترامب العدائية لمحور المقاومة خصوصاً إيران، فكلاهما لا تقيّده قيم.

بعنوان رئيسي ومختصر، تقوم استراتيجية التوحش لإبن زايد على ثلاثة مسارات رئيسية:

المسار الأول: القمع في الداخل وإثارة الخوف لضمان تفرّده بالحكم. الرقابة شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الانترنت وخطوط الهاتف، وأيّ «كلمة» تتعرّض لإبن زايد ولو كانت على شكل «نصيحة» تُعرّض صاحبها لعقوبة تصل إلى 15 سنة في السجن وغرامة مالية خيالية. وبسبب طبيعته، لن يوقف سياسة القمع الداخلي طالما المنظمات لا تملك الأدوات الرادعة. باختصار، جهاز أمن الدولة مسلّط على رقاب الناس لدرجة أنّ المواطن اضطر على التكيّف مع النظام الأمني الجديد خوفاً على نفسه وعلى أهله.

المسار الثاني: التخريب في معظم دول المنطقة من خلال توظيف خطوط الخلل القومية أو الطائفية أو القبلية أو خطوط الخلل التي تفرضها الجغرافيا، نيابة عن الولايات المتحدة و«إسرائيل». من خلال سياسة التخريب الممنهجة هو في الحقيقة يسعى لأن يفرض نفسه لاعباً على مستوى المنطقة، تارةً شريكاً للولايات المتحدة و«إسرائيل» وتارةً أخرى نيابة عنهما، وفي الحالتين أثبت قدرات كبيرة على التخريب وعلى سفك الدماء بلا رادع أخلاقي. الاتهامات الموثقة تعدّدت على لسان منظمات حقوقية ورجال أعمال ومعارضين ومسؤولين دوليين، كارتكاب جرائم حرب في اليمن، وتمويل الإرهاب في سورية والعراق، والتحالف مع الإرهاب في اليمن بعلم الولايات المتحدة، والعلاقات الحميمة مع الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية، وإثارة الفتن في تونس وليبيا والصومال وتركيا وكردستان، وحصار قطر الذي كان تمهيداً لغزوها بمشاركة مظليين من مرتزقة «بلاك ووتر». ولا ننسى سعيه تخريب الاستقرار النسبي في لبنان من خلال توظيف بعض الشاذين من شيعة السفارات معتقداً أنه قادر على تغيير المعادلة الشعبية التي يحظى بها حزب الله.

المسار الثالث: التعاون مع اللوبيات الصهيونية والمحافظين الجدد ومراكز الدراسات ليكون له رأي في القرار السياسي في واشنطن، ولممارسة التحريض على محور المقاومة، ولضمان وصوله بهدوء الى سدة الحكم، ولضمان حماية أميركية و«إسرائيلية» من الملاحقات الجنائية على الجرائم التي ترتكبها القوات الإماراتية في اليمن. في جريمة أخرى تُضاف الى جرائم الإمارات، قال بيان صادر عن «الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات» المعنية بحقوق الإنسان والاتجار بالبشر، نشرته «ميدل ايست مونيتور». اكد البيان انّ الإمارات تستخدم أطفالاً أفارقة للقتال في اليمن ويتمّ دفن القتلى منهم في ساحة المعركة. وأضاف البيان انّ «ابو ظبي أصبحت عاصمة الاتجار بالبشر بلا منازع».

المتابع للشأن الإماراتي، إن كان لأسباب سياسية او اقتصادية استثمارية او أمنية وعسكرية أو حقوقية يدرك انها لا تملك من المقوّمات والعوامل الجيوسياسية التي تؤهّلها للعب ايّ دور حقيقي مهما صغُر من دون الارتماء في الحضن الأميركي و«الإسرائيلي» مع أنها في نظر الولايات المتحدة ليست أكثر من «بقرة حلوب» يحلبها ترامب وفق تعبيره وإصراره، وانّ الفجوة بين قدراتها وطموحات حاكمها الفعلي محمد بن زايد في إطار استراتيجيته الإقليمية كبيرة مما أدخلها في أزمات اقتصادية وحروب مكلفة، فضلاً عن الخسائر البشرية، نتيجة لعدم فهمه لقواعد اللعبة الإقليمية، وأهمية الجغرافيا السياسية في العلاقات الدولية، وتوازن القوى الناشئ. دبي التي باتت إحدى أجمل المدن في العالم وقبلة للسائحين والمستثمرين بدأت تعاني من تفرّد محمد بن زايد بقرار الحرب لدرجة أنّ أحد المراقبين وصف اقتصاد دبي بأنه «يذوب كقطعة ثلج في يوم حار على شاطئ الجميرا». ماذا لو سقط صاروخ باليستي يمني على أحد شوارع دبي الرئيسية؟ ونسأل أيضاً، هل يتحمّل محمد بن زايد المسؤولية وحده أم يشاركه المسؤولية البراغماتي محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، وقد سمح لإبن زايد توريط الإمارات في أزمات تهدّد أمن الدولة ومستقبلها وأمن واستقرار المنطقة؟ وماذا عن باقي حكام الإمارات الأخرى خصوصاً إمارتي رأس الخيمة والفجيرة الفقيرتين والصغيرتين، واللتين يشكل أبناؤهما الغالبية في جيش الإمارات، وغالبية ضحايا حرب ابن زايد الهمجية على اليمن، وفقاً لـ «المنشق» راشد بن حمد الشرقي. لماذا هذا السكوت المريب على استفراد ابن زايد بالقرار؟

لا بدّ من الإشارة إلى تحليلات وآراء قالت بأنّ ابن زايد يتهيأ لاتخاذ قرار الانسحاب من مستنقع اليمن. برأيي أراها غير دقيقة لأنها تخالف طبيعته. ابن زايد ليس من النوع الذي يتراجع. ان يصفق لطالبة في سنّ المراهقة على تعطشها المبكر للدم «وين تباني اين تريدني مدني أو عسكري، حتى أحرق اليمن، ما في مشكلة»، دليل على طبيعة العقلية الداعشية التي تحكم سلوك الآمر والمأمور، الحاكم المتغطرس والمواطن المتعطش لسفك الدماء. حالة التوحش هذه معقدة تحتاج الى تفكيك وإلا ستخرج علينا «داعش» جديدة وفقاً لمبادئ ورؤى إبن زايد.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه