إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

كتاب مفتوح من ابن الرومي إلى أهالي البصرة

الياس عشي - البناء

نسخة للطباعة 2018-09-10

إقرأ ايضاً


حاولت أن أكتب صباح هذا اليوم عن البصرة، وعن كلّ مدينة اجتاحها الربيع العربي المزوّر، وحوّلها إلى ركام، وقتل من قتل، وهجّر من هجّر، واستباح الأعراض. ولكني لم أجد أفصح، ولا أبلغ، ولا أدقّ، من ابن الرومي الشاعرِ العباسيّ الذي عاش مأساة البصرة عندما هاجمها الزَّنجُ، ومثّلوا فيها وبأبنائها.

فقبل أكثر من ألف عام، وتحديداً سنة 870 للميلاد، هاجم الزَّنجُ البصرة، وأظهروا من القساوة والعنف ما لا يتصوّره العقل، ذلك أنهم كانوا عبيداً جيء بهم من أفريقيا ليعملوا في آبار ملح البارود، في ظروف مرهقة ومذلّة. وما لبث أن ظهر بينهم رجل اسمه علي بن محمد عرف بصاحب الزَّنج، فدعاهم إلى الثورة، ودخل بهم إلى البصرة، وأباحها لهم، ودامت ثورتهم ثلاثَ عشرة سنة.

شعر ابن الرومي بهول الكارثة، فوصف ما جرى بعاطفة إنسانية تلقائية، والتقط صور العنف بمنتهى الدقة والبراعة، حتى اعتبرت قصيدة «رثاء البصرة» من عيون رثاء المدن. ومنها هذه الأبيات:

أيُّ نومٍ! من بعدِ ما انتهك الزَّنجُ

جَهاراً، محارمَ الإسلامِ؟

لهفَ نفسي عليكِ! أيتها البصرةُ

لهفاً كمثلِ لَهْبِ الضرام

بينما أهلها بأحسنِ حال

إذ رماهم عبيدهم باصطلامِ

كم أخٍ قد رأى أخاه صريعاً

تَرِبَ الخدِّ، بين صرعى كرامِ

كم رضيعٍ، هناك، قد فطموه

بشبا السيف، قبلَ حينِ الفطامِ

أين تلك القصورُ والدورُ فيها؟

أين ذاك البنيانُ ذو الإحكام؟

بُدّلتْ تلكمُ القصورُ تلالاً

من رَمادٍ، ومن ترابٍ ركامِ!


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024