إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تهويل إسرائيلي بين الخلفيات الانتخابية ومحدودية الخيارات

علي حيدر - الأخبار

نسخة للطباعة 2018-10-15

إقرأ ايضاً


بدأت الحملة الانتخابية الإسرائيلية، سياسياً، وإن لم يتم الإعلان عنها رسمياً، بتصعيد التهديدات ضد الشعب الفلسطيني، وارتفاع منسوب المزايدات داخل معسكر اليمين التي يحكمها مبدأ من يهدد بسفك المزيد من الدم ينال المزيد من الشعبية. ومع أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حاول إضفاء قدر من الضبابية حول موقفه من الانتخابات المبكرة، إلا أنهم يقدرون في إسرائيل على أن المسافة الفاصلة عن موعد إجرائها ليس سوى بضعة أشهر. وفي كل السيناريوات ينبغي أن تجرى الانتخابات العامة، بحسب القانون، بعد نحو سنة، لكن من الواضح أن الكنيست الحالي لن يكمل ولايته القانونية.

وهكذا توالت المواقف التصعيدية الرسمية ضد قطاع غزة، تهديداً وتهويلاً، بمزيد من الاعتداءات الأشد قساوة على قطاع غزة، وبعقوبات تمس حياة الإنسان الفلسطيني. من رأس الهرم السياسي الأمني، وتحديداً نتنياهو الذي رأى خلال افتتاح جلسة الحكومة بالأمس، أن حركة حماس «لم تستوعب الرسالة، وإذا لم يوقفوا الهجمات العنيفة ضدنا سيوقفونها بطريقة أخرى وهي ستكون مؤلمة ومؤلمة جداً». وأضاف: «نحن قريبون جداً لنشاطات من نوع آخر، نشاطات ستتضمن ضربات كبيرة جداً» من دون أن يشير إلى طبيعة هذه النشاطات والضربات. واستناداً إلى الخلفية الانتخابية والسياسية نفسها، اتخذ وزير الأمن أفيغدور ليبرمان قراراً بوقف إدخال الوقود إلى قطاع غزة، بسبب استمرار مسيرات العودة التي قمعها جنود الاحتلال وأسفرت عن استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة المئات بجروح وحالات اختناق.

منذ نحو عقد، اتسمت الانتخابات الإسرائيلية بطابع كما لو أنها تجرى حصراً داخل معسكر اليمين إذ باتت الانتخابات لقياس شعبية كل من المتنافسين داخل المعسكر نفسه. ومنذ ذلك الحين لم تعد مسألة فوز معسكر اليمين مجرد تقدير سياسي بل حقيقة منجزة، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل من أهمها العامل الديموغرافي. بمعنى أن شرائح واسعة من الحريديم والروس والمستوطنين الذين يمثلون نسبة مهمة من مجمل الجمهور، يصوتون في شكل تلقائي لأحزاب اليمين. ويشكّل الموقف من القضية الفلسطينية، ومتفرعاتها، العامل الأبرز في التمايز بين المتنافسين في معسكر اليمين، وبالنتيجة تحوَّل الخيارات السياسية من قضايا التسوية والمستوطنات والضم والتشدد الأمني إلى عامل رئيسي في ترجيح كفة هذا الحزب أو ذاك في الانتخابات. وللتذكير استطاع نتنياهو أن يرفع منسوب الانتخابات لمصلحة «الليكود» على حساب حزب «البيت اليهودي» نتيجة وعده أنه في حال أُعيد انتخابه لن تكون هناك دولة فلسطينية. استفز جمهور اليمين في حينه للاندفاع إلى صناديق الاقتراع والتصويت له ولحزبه من خلال إعلانه أن المواطنين العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع من أجل إسقاط حكم اليمين.

ولم تخل مواقف نتنياهو وليبرمان الأخيرة من محاولة قطع الطريق على منافسهم في اليمين المتطرف، رئيس «البيت اليهودي» نفتالي بينت الذي عادة ما يطرح خيارات أكثر تطرفاً في مواجهة قطاع غزة، ويسعى على الدوام إلى انتقاد السياسة الأمنية التي انتهجها نتنياهو خلال الحروب السابقة، وفي مواجهة البالونات الحارقة.

مع ذلك، تأتي المواقف التهديدية على لسان رأس الهرم السياسي الأمني، في مواجهة تصميم فلسطيني على مواصلة مسيرات العودة والمطالبة بفك الحصار عن قطاع غزة. واقترن ذلك مع استهداف قوات الاحتلال المواطنين العزل الذين كانوا يتظاهرون بالقرب من السياج، بالنيران الحية. وبعد فشل المساعي السابقة في التوصل إلى صيغة تهدئة تؤدي إلى رفع الحصار، نسبياً، يواصل الفلسطينيون وقياداتهم السياسية نضالهم من أجل فك الحصار، من دون دفع أثمان تتصل بثوابتهم في المقاومة والموقف السياسي. في المقابل يؤشر وعيد نتنياهو بطرق أكثر إيلاماً، ونشاطات من نوع آخر، على أنه يحاول أن يضع فصائل المقاومة بين خيارين: الأول التراجع بما يؤدي إلى تعزيز حالة الأمن لدى مستوطنات غلاف غزة، وهو ما يفترض أن يعزز موقفه السياسي والانتخابي. والثاني، التمهيد لاعتداءات عملانية تقدمه كقائد لا يساوم على أمن إسرائيل، وهو ما يفترض أيضاً أن يعزز موقفه الانتخابي.

وحاول ليبرمان الاستدراك في محاولة لتبديل الصورة التي تشكّلت عنه بعدما باتت خياراته العملانية أكثر «عقلانية» مما كان يتوعد به قبل توليه هذا المنصب، وهو ما يركز عليه منافسوه. وعلى هذه الخلفية، أكد خلال مقابلة مع موقع «واي نت» الإلكتروني، على ضرورة توجيه أشد ضربة ممكنة لحماس، لكن ذلك بحاجة إلى موافقة المجلس المصغر وعلى الوزراء أن يقرروا ذلك. ومع ذلك، أوضح ليبرمان ضرورة استنفاذ الخيارات البديلة عن المواجهة العسكرية.

لكن في ما يتعلق بقراره وقف كافة إمدادات الوقود والغاز إلى القطاع بحجة التظاهرات التي جرت عند السياج الأمني، نقلت صحيفة «هآرتس» عن وجود إجماع لدى الأجهزة الأمنية «على أن وضع إسرائيل شروطاً تتعلق بالبالونات الحارقة والإطارات المطاطية المشتعلة مبالغ فيها وقد تضطر ليبرمان إلى التراجع عن تصريحاته»، وذلك لأنه «لا يمكن وقف تزويد الوقود والغاز لعدة أيام من دون التسبب بتصعيد خطورة الوضع الإنساني في غزة».

في المقابل، يبقى العامل الأساسي في تحديد مسار التطورات للموقف الفلسطيني وردوده العملانية على أي اعتداءات تتجاوز خطوط حمراء محددة، وهو ما سيربك حسابات نتنياهو وليبرمان، ويكشف عن محدودية خيارات المؤسستين السياسية والعسكرية، في حال دفعتهم حساباتهم الخاطئة إلى عمليات تصعيد تتجاوز نتائجها تقديراتهم المسبقة. وكما أن لدى العدو العديد من الخيارات والسقوف في اعتداءاته ثبت بالتجربة أيضاً أن للمقاومة العديد من السقوف في ردودها المضادة. وأثبتت العديد من التجارب السابقة أن هذا النوع من الرسائل التهويلية الإسرائيلية لم يردع فصائل المقاومة ولم يكبح الشعب الفلسطيني عن مواصلة نضاله. والأهم أن النتائج السياسية الأبرز لمواصلة هذا النضال أنه يقوِّض ويجهض أهداف «صفقة القرن»، ويحول دون تصفية القضية الفلسطينية التي ستبقى حيّة كانعكاس لحيوية قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024