شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2018-10-19
 

المحاصصة أداة ممتازة للتدمير الاجتماعي

د. تيسير كوى

يقول المنجد في اللغة والأعلام الذي نشره دار المشرق في بيروت للمرة الثالثة والعشرين عام 1975 أن كلمة " عربد" ( الانسان ) تعني ساء خلقه فهو عربيد ومعربد ويضيف هذا المرجع أن جملة " غضب غضبا عربدا " تعني غضبا شديدا . أما المعجم الوسيط الذي نشر مجمع اللغة العربية جزءه الثاني في طبعة ثانية عام 1972 فيذكر أن جملة " السكران عربد على الناس أي آذاهم " وأن العربيد هو من يؤذي الناس في سكره . يعيد هذا كله الى الذهن عادة لغوية سيئة سادت مؤخرا تتلخص بأن اعلامنا العربي يقول أن الاسرائيلي يعربد في سمائنا وأرضنا كلما شن غارة جوية أو هجوم بري على موقع من مواقعنا . والحقيقة المرة أن الاسرائيلي لا يعربد أبدا بالمعنى الصحيح لهذا التعبير فهو لا يشن اعتداءاته وهو في حالة السكر أو الغضب أو عندما يرغب في الحاق الأذى بنا فالاسرائيلي يشن غاراته الجوية والبرية والبحرية بتخطيط دقيق مسبق مدفوع برغبة جامحة قديمة تتجدد باستمرار في القتل والتدمير والاغتصاب فهو في غضب وحقد دائمين غايته الأولى والأخيرة اخضاعنا لمشيئته واذلالنا ونهب ثرواتنا واحتلال ما تبقى لنا من أرضنا بعدما استولى على أرض الجنوب السوري ( فلسطين ) فهو دائما يسعى للاستيلاء على مزيد من الأرض السورية الطيبة المعطاء ولقتل من يقف حائلا دون ما يريد . بكلام آخر نحن نتسامح مع الاسرائيلي الى حد كبير عندما نقول أنه يعربد فهو لا يعربد أبدا ولا يبدو كالسكران الذي يثير الضحك أحيانا بل يقتل ويدمر لحسابه الخاص ولحساب من يخدمونه ويأتمرون بأمره في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الخ .. أي في الغرب كله .

ويسيء رجال السياسة في بلادنا يوميا للغتنا فهم يثرثرون ويكررون كلمات صارت فارغة وممجوجة ولا تعني لهم او لغيرهم شيئا بل صار لها عندهم ايقاع موسيقي هابط فهم يتكلمون عن الديموقراطية و عن تحسين مستويات العيش المادي والروحي وخدمة الشعب و الأجيال المقبلة الخ.. دون أن يعوا تماما على ما يبدو ما يتفوهون به . بكلام آخر يستخدم العاملون في المجال السياسي وآخرون في بلادنا تعابير لا تمت بصلة للحقيقة أو الواقع أو لمشاعرهم الدفينة ولهذا نرى دائما هذا البون بين القول والفعل يتسع على نحو متواصل ومتسارع حتى أن الذي يفكر ويتأمل ويحلل صار مجبرا على القول أن شعار العاملين في المجال السياسي خصوصا هو الكذب الدائم أو هندسة الكذب وتهذيبه قبل النطق به . والدليل على هذا كله أن حالة الجمهورية اللبنانية العامة , على سبيل المثال, تزداد سوءا سنة بعد سنة منذ ما يسمى الاستقلال بدلا من أن تتحسن باطراد .

يقول أحد كبار السن وفي عينه دمعة أن بيروت كانت مدينة رائعة نظيفة منظمة راقية يجد فيها الانسان العادي وغير العادي كل ما يمكن أن يطلبه ويرنو اليه . لكن بيروت الراهنة تفتقر للكثير مما يؤهلها لتكون في مصاف المدن الراقية الجميلة .

ثمة كلمة أخرى تسربت الى القاموس المعاصر في بلادنا مؤخرا وهي كلمة " محاصصة". فبدلا من أن يقال أن الترتيبات الخاصة بتسلم الوظائف والمناصب هي في جوهرها تدمير اجتماعي منظم بالمعنى العميق والصحيح, نتكلم عن محاصصات او نستخدم عبارات مماثلة. يقول أنطون سعادة في كتاب التعاليم الخاصة بالحزب السوري القومي الاجتماعي, مدعوما بقوة من العلوم الاجتماعية والانسانية الراهنة كافة, " أن وحدة المجتمع هي قاعدة وحدة المصالح وأن وحدة المصالح هي وحدة الحياة وعدم الوحدة الاجتماعية ينفي المصلحة العامة التي لايمكن التعويض عنها بأية ترضيات وقتية . في الوحدة الاجتماعية تضمحل العصبيات المتنافرة والعلاقات السلبية فتنشأ العصبيات القومية الصحيحة التي تتكفل بانهاض الأمة . في الوحدة الاجتماعية تزول الحزبيات الدينية وآثارها السيئة وتضمحل الأحقاد وتحل المحبة والتسامح القوميان محلها ويفسح المجال بالتعاون الاقتصادي والشعور القومي الموحد وتنتفي مسهلات دخول الارادات الأجنبية في شؤون أمتنا الداخلية . ان الاستقلال الصحيح والسيادة الحقيقية لا يتمان ويستمران الا على أساس وحدة اجتماعية صحيحة . وعلى أساس هذه الوحدة فقط يمكن انشاء دولة قومية صحيحة وتشريع قومي اجتماعي مدني صحيح , ففيه أساس عضوية الدولة الصحيحة وفيه يؤمن تساوي الحقوق لأبناء الأمة ".

وبناء عليه تكون " المحاصصة " في جوهرها أداة امعان في تدمير المجتمع من طريق تفكيكه ولهذا يجب استخدام تعبير التدمير الاجتماعي بدلا من كلمة مثل المحاصصة .

ان ما يشهده العالم العربي منذ ما قبل زرع دولة اسرائيل ما هو الا سعي حثيث لتغيير المفاهيم وادخال تعابير وكلمات مشوهة الى اللغة العربية المحكية والمكتوبة . وآخر الحثالات اللغوية التي لا تعني شيئا أبدا تعبير " الربيع العربي " وما رافق هذا التعبير بالذات من كلمات وأوصاف لا علاقة لها بحياة الانسان في هذه البقعة الطيبة من الكرة الأرضية . فالربيع شيء وما جرى ويجري في العالم العربي كله تقريبا , لا سيما في الشرق الحضاري منه , شيء آخر تماما . و يقال أحيانا أن الأسرة الدولية( كذا ) قررت بينما تكون هذه الأسرة عبارة عن رؤوس حامية متفلتة من الأخلاق والقيم الراقية كافة في دول تعد على أصابع اليد الواحدة ولا تمثل الا جزءا ضئيلا جدا من سكان هذا الكوكب المنكوب التعيس .


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه