شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2018-12-14
 

الشهداء هكذا: لا يعترفون بنصف أو ربع أو شبه وطن!

نصار إبراهيم - البناء

«الشهداء ظرف مكان … والخونة ظرف زمان … يموت الشاعر بوابل من رصاص، فيما أعداء الثورة عادة ما يقضون على أنقاض سرر من خديعة» الكاتب الأردني عيسى ابو جوده .

«يبدو أنّ الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر» جيدعون ليفي – صحافي إسرائيلي – صحيفة هآرتس »

فجراً يصعدون، مساء يصعدون، في كلّ الفصول يتعربشون صدر السماء برقَّة الفَراش وحزم الصقور… فلسطينيون كنعانيون… يصعدون… ويصعدون كرفوف السنونو تبشر بالربيع…

يصعد الشهداء كعادتهم… ومع ذلك يبقى السؤال معلّقاً في عيونهم كعلم فلسطيني على سارية… وماذا بعد!؟

ويأتي الجواب صفعة تكنس صفقة ورهانات وعجز وبؤس وخيبة وانقسام وانفصام وتردّد وعدم يقين: إما فلسطين وإما النار جيلاً بعد جيل.

في ظلّ اختلال المعادلات والمواقف وموازين القوى والأداء… في ظلّ تشوّه الوعي المسكون برهانات عاجزة أو قاصرة… وكي لا يضيع الحق والوعي… لا يجد الفلسطيني من وسيلة سوى دمه… فكما يورِّث الحق والأرض فهو أيضاً يورِّث الشهادة… لهذا أصبح استشهاد الفلسطيني حدثاً عادياً… وغير ذلك هو الاستثناء، إنها حالة فلسطينية بامتياز… تتجاوز الرهانات والمناورات والتوقعات… وتذهب بعيداً بعيداً نحو تجلياتها القصوى.

بعد سبعين حولاً… لا يلتفت الفلسطيني لخيارات جرّبها مئة مرة… أو ربما أنه ينظر إليها وهو يبتسم سخرية… لا تعنيه كثيراً ثرثرات السياسة فقيرة المخيال والأداء والعمق.. أيّ تلك التي لا ترى أبعد من لحظة أو صفقة أو دفعة على الحساب… ذلك لأنّ هذا الفلسطيني العنيد «الأحمق الغبي…» يعرف أنّ ذلك بالضبط هو ما أفقده وطنه ونقطة ارتكازه… لهذا فإنه يواصل «جنونه» فلا يعترف بنصف وطن أو ربع وطن… أو شبه وطن… فإما أن يكون الوطن كاملاً أو لا يكون…

هذا الفلسطيني الذي لا يجيد، في مسألة الوطن، لغة السوق والسماسرة يعيد تأكيد البديهيات على طريقته… إنه يعرف أنه لا يملك طائرة ولا دبابة ولا غواصة ولا مدمّرة ولا نفطاً أو غازاً… لكنه مع ذلك يقرّر أن يذهب إلى دائرة النار والاشتباك، ويقرّر بكامل وعيه وإرادته أن يموت كندٍّ.. هو يعرف النتيجة القائمة… لكنه مع ذلك يواصل التقدّم وكأنّ ذلك لا يعنيه… يحمل في قلبه رسالة سياسية وإنسانية وأخلاقية.. تقول الرسالة: أنا الفلسطيني أحب الحياة ما استطعت إليها سبيلا… لا أقدس الموت إلا بقدر ما يكون طريقاً لوطن حر… ودرباً للحياة كما أريدها.

هل تريدون حقا أن تفهموا جوهر هذه المعادلة التي تحكم وعي الفلسطيني وسلوكه؟ أقرأوا إذن ما يقوله الصحافي الإسرائيلي في صحيفة «هآرتس» جيدعون ليفي.. يقول:

«يبدو أنّ الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمرّ بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجر انتفاضة الـ 87… أدخلناهم السجون وقلنا سنربّيهم في السجون.

وبعد سنوات، وبعد أن ظننا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000، أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نخطط لهم بالجدران والأسلاك الشائكة…

وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وبالأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية، حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي عاموس ويدخلون الرعب إلى كلّ بيت في «إسرائيل»، عبر بث التهديد والوعيد، كما حدث حينما استطاع شبابهم الاستيلاء على القناة الثانية.. خلاصة القول، يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال» انتهى الاقتباس .

من هنا يأتي شهداء فلسطين… إنهم كما كلّ شهداء الحرية والأوطان يوقظون الذاكرة من غفوتها… حقل ممتدّ من حنون وقمح… ولا يحيدون عن البديهيات… إنهم يعيدون ترتيب المعادلات والأولويات ليحفظوا توازن الحياة… في مواجهة اختلالات الواقع البشع،

إنه الفلسطيني المثقل بألف همٍّ وهمّ… يذهب دائماً نحو أفق بعيد ليعيد التذكير بحدود وطن لا يُختَصَر…

إنه الشهيد الفلسطيني الصاعد نحو عُلاه… يعيد تذكير الأحياء الذين لم يصعدوا بعد… أنّ فلسطين تعادل كوْناً.. وأنّ الحياة بلا وطن حرّ لا تستحق الحياة.

ذلك لأنّ «الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الى… وَتَرٍ سادس في الكمانْ!

أنا الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِ

وأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدّ الشهيد

وجارةُ عمِّ الشهيد إلخ… إلخ…» محمود درويش .

إنهم الشهداء يصعدون فجراً ومساء وفي كلّ المواسم… ومع ذلك يبقى السؤال معلقاً في عيونهم كعلم فلسطيني يرفرف على صدر السماء… ماذا بعد!؟ هل سيوحّد دمنا ما فرّقته السياسات والرهانات والحسابات الخاطئة!

ملاحظة: قرأت تعليقاً لأحدهم أثناء اقتحام الجيش لمدينة رام الله الغالية يقول: «خسِئتم أن تكون الضفة مثل غزة»! حين قرأت ذلك شعرت بسكين تذهب عميقاً في القلب… وتساءلت: أيّ بؤس وأيّ وعي مريض وأيّ تفاهة وأيّ هبوط وإسفاف هذا…! كيف يوجد بيننا من يضع فلسطين في مواجهة ذاتها؟!


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه