شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2019-07-01
 

الغروبُ المضيء

ربيع الدبس - البناء

لم يولَد في قصرٍ ولم تلامسْ شفتاه ملاعقَ الذهب… تمرّسَ برصيد الكرامة لا بالمال، وأغناه التسامي الروحي عن ملاءة الجيب من النقد المزيّف. بِذا علا إدراكُه فميّزَ طَعمَ الشرف من طَعمِ العار، والتجربة في كلتا الضّفّتيْن ضرورية لأنّ الإنسان ضعيف أمام الإغراء كما أنّ نفسه أمّارة بالسوء فكيف يُجَنّبها مزالق الإنحدار وكيف يتخطى محاولة اغتيال إذا لم يتعبّأ بثقافة الصلاح، وقوة الصمود، وقدوة العطاء، ووقفة العزّ، حيث لسورياه وسوريانا الحبيبة هذا القليل؟

معدنٌ مشِعٌ هذا المحمود غزالي: رفيقاً وأميناً ومسؤولاً وإعلامياً قديراً ووالداً وجَدّاً وعمّاً، مُتيّماً بانتصار القضية الصعبة قضية وحدة أمتنا وسيادتها ونهضتها وازدهارها. وقد نشأ القوميون الإجتماعيون على اعتبار دولتهم المُثلى معبَّراً عنها بشكلٍ مصغّر في الحزب السوري القومي الإجتماعي. لذلك جاء مأتمه الحزبيّ والشعبيّ، بعد ظهر أمس، مُؤثّراً إلى درجةٍ دمعتْ فيها عيون كثيرة، كما أنّ المشيّعين الذين لم تدمع عيونهم بكتْ جوارحهم، ربما لأنّ العَبَرات المخفية أسْلسُ انهماراً وأحفَظُ للكبرياء.

كانت العيون تشْخَصُ إلى النعش وكأنها وارَتْ فيه قاماتٍ مشغرانية أخرى. ويُخَيّل إلينا أنّ المخضرمين من الحاضرين استذكروا الأمناء: عبدالله محسن، وإميل رفول، وشفيق ناصيف. كما التمَعَتْ في ذاكرتهم نعوشُ النائب حسين منصور، والكوكبة الغالية من شهداء الغدر الغاشم على مساحة البقاع الغربي في ثمانينات القرن الماضي: جورج أبو مراد، علي اسماعيل، رضوان صالح، كميل بركة، أحمد قاسم، وبقية المشاعل التي يؤلمنا نكْءُ الجرح لدى عائلاتها كآل شديد الأبطال. لكنها جراح أعزّاء لا جراح أذلّاء كما جَزَمَ سعاده. وقد أجاد المسرحيّ الإسبانيّ الشهيد لوركا بأسلوبه الشاعري التعبير عن أهمية الألم الخلاق حين قال: «يا له مِنْ ألمٍ أن لا يكونَ لكَ ألم».

هل ينسى أحدنا البسمة المرتسمة على ثغرك يا أبا وسام حتى في أحلك لحظات الألم؟ هل ينسى النكتة الحاضرة والتعليق الذي أقسى ما فيه هدوؤه؟ لكنْ أليس للنهر من توقّفٍ، أليس للتدفّق من نُضوب؟ وإذا كان الجواب «نعم»، فإنّ جفاف الفرد مُستتبَعٌ بالينابيع الدائمة التفجُّر، بالأشبال، بالأجيال المستمرة بالمجتمع، بالمقاومة النبيلة في معادلتها الثلاثية الأشرف، بالقضية الأعمق من شعار، والأسمى من رتبة، والأبهى من تحية.

وداعاً أبا وسام

أنت لم تُودّع السيدة رباب، ولا وساماً ولا رؤيا ولا هلا ولا هشاماً ولا طارقاً ولا أياً من الأحفاد… لم تُعطِ أحداً منا إنذاراً رغم وضعك الصّحّيّ المتراجع. لم تودّع أحداً من شباب آل غزالي أو مزاحم أو فخر الدين. فهل قرّرتَ ألاّ تُسْرف في الشيخوخة فاستعجلتِ الرحيل؟ لكنْ لا بأس، فلَعلّ فناء الجسد وكلّنا فانٍ يُفسح للروح أن تُضيء وأن تتلألأ. هكذا يكون الغروبُ تهيّؤاً لإشراقٍ جديد، هو إشراق السمعة والموقف والثبات على المبادئ. لذلك نُغْمض أجفاننا عن رحيلك ومصاحباته التأبينية، فلربما استطعنا أن نغمُر الوهمَ ونستبقي اللقاء.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه