شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2019-07-02
 

عودة إلى التهدئة في الشمال السوري لقاء أردوغان ـــ ترامب وصفقة «أس 400»

محمد نور الدين - الاخبار

ما بين اجتماع ترامب ــــ أردوغان وتأكيده المضيّ في صفقة «أس 400» من جهة، وتصاعد حدة التوتر على جبهة إدلب بين دمشق وأنقرة من جهة أخرى، أكثر من رابط. روابط تفضي كلّها إلى أن ما تشهده الساحة السورية لن يؤدي إلى طاحونة الصدام العسكري الجدّي والواسع، بل سيبقى، في حال استمرّ، في حدود المناوشات والرسائل لا أكثر ولا أقل


عاد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من أوساكا اليابانية بما يشبه الانتصار على الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فبعد وعيد الأخير وتهديداته، ألقى بالمسؤولية عن توتر العلاقات مع تركيا على عاتق سلفه باراك أوباما، الذي رفض بيع تركيا منظومة صواريخ «باتريوت»، ما اضطرها، بحسبه، إلى اللجوء إلى خيار شراء صواريخ «أس 400» من روسيا. أكثر من ذلك، تراجع ترامب عن تهديده بفرض عقوبات على تركيا إن لم تلغ صفقة الصواريخ الروسية، قائلاً إن سلوك أميركا مع تركيا لم يكن عادلاً.

عاد أردوغان إلى تركيا في وقت كانت تشهد فيه جبهة إدلب سخونة إضافية بين القوات السورية والقوات التركية الموجودة هناك تحت ستار نقاط المراقبة، وهي 12 نقطة، ليسقط جندي تركي قتيلاً إضافة إلى العديد من الجرحى، وتردّ تركيا على «الاعتداء» السوري بالتحذير من أنها سترد بقوة في المرة المقبلة، وستضع حدّاً لـ«التمادي» السوري. كانت كل البيانات السورية توصّف الوجود التركي في سوريا، منذ عملية درع الفرات حتى اليوم، بأنه «عدوان واحتلال»، لكن وزير الخارجية السوري قال، الأسبوع الماضي من بكين، إنه إذا لم تنسحب القوات التركية من إدلب فستنظر إليها دمشق على أنها قوات احتلال، مثلها مثل القوات الإسرائيلية في الجولان. وهذا يعني أن دمشق لا تنظر، حتى الآن، إلى الوجود التركي على أنه احتلال. وفي ذلك إيماء إلى أن سوريا ستواصل سياسة «الصبر الاستراتيجي» تجاه تركيا، مراعاةً لحليفها الروسي.

تتصرف تركيا في سوريا على أساس تفاهمات أستانا، وهي تعتبر بالتالي وجودها على الأراضي السورية شرعياً. وهذا أمر لا ينطبق على الواقع القانوني؛ فتفاهمات أستانا نفسها ليست اتفاقيات ذات شرعية قانونية دولية صادرة عن مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، كما أنها ليست اتفاقيات رسمية بين الدول الأطراف فيها، وهي: روسيا وتركيا وإيران. وحتى لو كانت فعلاً كذلك، إلا أنها تظلّ منقوصة وفاقدة الشرعية؛ لأنها تتعلق بقضية على الأراضي السورية، وببلد ثالث هو سوريا، فيما يغيب الطرف السوري كلياً عن هذه التفاهمات.

وعشية مرور سنة (17 أيلول 2018) على اتفاقية «خفض التصعيد» في إدلب، والطلب من تركيا التخلص من الإرهابيين ونزع السلاح الثقيل وما شابه، فإن «خط الحدود» الفاصل بين الجيش السوري ومنطقة إدلب حيث الجيش التركي والتنظيمات المسلحة بكل تلويناتها، يكاد يتحول إلى خط دائم لهدنة يتم اختراقها، بل تبادر الفصائل المسلحة في خلالها إلى الهجوم على الجيش السوري بدلاً من أن يواصل الأخير تقدمه كما فعل في معارك حلب والغوطة ودرعا ودير الزور وغيرها. كما يتصرف التركي في إدلب كما لو أنها ولاية تابعة له؛ فيحذّر، وهو «المحتل»، قوات النظام من «تماديها»، مهدّداً برد قاس، فيما يواصل دعم التنظيمات المسلحة، رافضاً التمييز في ما بينها على اعتبار أنها كلها، مع تركيا، لها عدو مشترك هو النظام السوري.

*الصفقة التركية ـــ الروسية كانت متوازنة على قاعدة «ربح ــ ربح»*

لقد نجح تحالف دمشق ـــ موسكو (وطهران) في تحقيق إنجازات عسكرية استثنائية في خضمّ الحرب على سوريا. لكن عندما تعلق الأمر بالمناطق ذات التماس المباشر مع تركيا، توقفت هذه الإنجازات. وخارج كل النقاشات والتبريرات التي طفت على سطح مياه الأزمة السورية، فإنه لا مناص من القول إن الاحتلال التركي لمناطق مثلث جرابلس ــــ الباب ــــ أعزاز، وعفرين وإدلب، ما كان ليتم لولا الضوء الأخضر الروسي أساساً، فيما بدا الموقف الإيراني محرَجاً، بينما سجّلت دمشق، وهذا أمر طبيعي، امتعاضاً كبيراً من هذه التفاهمات، لكن موازين القوى فرضت نفسها على الواقع السوري.

أما تركيا، فما كانت لتختلف، في الأساس، مع الولايات المتحدة ــــ وهما العضوان في حلف «شمال الأطلسي» ــــ، لو لم تكن واشنطن هي البادئة في انتهاك ثوابت العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وعلى رأسها الموقف من «قوات الحماية الكردية» في سوريا، والتي ترى أنقرة فيها تهديداً لأمنها القومي. وحتى الآن، لم تغيّر واشنطن موقفها هذا، بل عملت في لحظة ما على إطاحة أردوغان في محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016. وفي ظلّ إدارة الظهر الأميركية للمصالح التركية، كان أردوغان يعيد تطبيع العلاقات مع روسيا، ويستجيب لبنود الصفقة التي اقترحها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عليه في اجتماعهما الشهير في سانت بطرسبرغ في التاسع من آب/ أغسطس 2016، مباشرة بعد محاولة الانقلاب.

الصفقة التركية ـــ الروسية كانت متوازنة على قاعدة «ربح ــــ ربح»: رهان روسي على إبعاد تركيا عن حلف «شمال الأطلسي» من جهة، وأمل تركي في استعادة زخم دور وأطماع في الساحة السورية من جهة أخرى. أعطى أردوغان روسيا ثلاثة مكاسب: صواريخ «أس 400» في اختراق كبير لمنظومة «الأطلسي» العسكرية، ومدّ خط «السيل التركي» للنفط والغاز الطبيعي تحت البحر الأسود إلى تركيا فأوروبا لتتحرّر روسيا من ارتهانها للخط المارّ بأوكرانيا، وتلزيم روسيا تشييد المفاعل النووي في مرسين، وهذا انتصار للصناعة والاستثمار الروسيين في الخارج.

في المقابل، كانت روسيا تطلق، على مراحل، يد الجيش التركي في الشريط الممتد من جرابلس إلى جسر الشغور مروراً بعفرين وإدلب. وبذلك، وضعت تركيا قدم حضور ميداني في جزء من الشريط الحدودي الذي كان ضمن خريطة «الميثاق الملّي» التركي عام 1920 (والممتد شرقاً حتى الحدود الإيرانية) ــــ مع ما حمله هذا الاحتلال من تغييرات ديموغرافية واجتماعية ــــ، وفي الوقت نفسه عادت لتكون لاعباً سياسياً، ووليّ أمر المعارضة في اللجنة الدستورية وفي صوغ الدستور الجديد، وبالتالي في الحل النهائي حين نضوجه.

وإذا كانت إيران لا تنظر، ضمناً، بعين الرضى إلى هذا التعويم للدور التركي، فإن دمشق، وهي أم الصبي وأبوه، مكبّلة اليدين عسكرياً خارج التنسيق مع موسكو. لذلك، فإن المراقب ينظر بعين الشك الكبير إلى احتمالات تصعيد كبير في جبهة إدلب ضد التنظيمات المسلحة، ولا سيما بين الجيشين السوري والتركي. فالمصالح الروسية ــــ التركية المتداخلة كفيلة بمنع أي تصعيد خطير يؤذيها، وغضّ الطرف الأميركي عن صفقة «أس 400» وفق ما ظهر بعد اجتماعات أوساكا مؤشر قوي إلى ذلك. وما لم تحدث تطورات كبيرة جداً ومفاجئة، فإن التهدئة، وبالتالي المراوحة، على جبهة إدلب كما على جبهتَي جرابلس وعفرين، ستكون هي سيدة الموقف، ولفترة طويلة، في انتظار الحل النهائي المنشود.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه