إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

اردوغان في الفصل الأخير!

د. وفيق أبراهيم - البناء

نسخة للطباعة 2019-07-02

يواصل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان توسيع حركته الخارجية لتثبيت نفوذ بلاده الإقليمي والدولي بما يطوبهُ سلطاناً على تركيا برائحة عثمانية اخوانية. فهل نجح في مشروعه أم فشل؟

نتائج الانتخابات البلدية الاخيرة في المدن الاساسية وفي مقدمها اسطمبول زعزعت أحلامه، فكيف يُصبح زعيماً بمواصفات عالمية فيما وضعه الداخلي التركي ليس راسخاً؟

لذلك يبدو أن تراجعه الداخلي شجع فرنسا على مجابهته من بوابة الرعاية التركية لمساجد عدة في مدنها تموّلها وتُنصِبُ عليها أئمة من الاخوان المسلمين، هنا يقول الفرنسيون إن هذه المساجد تحولت مراكز لتعبئة مسلمي فرنسا وهم بالملايين من الحائزين على جنسيات فرنسية أو عمال غير دائمين يجري تزويدهم بأكبر قدر ممكن من مفهوم الدولة عن الاخوان المسلمين، بما يعني ضرورة التحاقهم بمشروع حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان. وهذا يتسبب باستثارة الفرنسيين وخشيتهم من إعادة إنتاج خلايا إرهابية أعلى من مستوى «الذئاب المنفردة».

كذلك فإن المانيا تعاني من نحو أربعة ملايين تركي او من اصول تركية، يقلدون أئمة مساجد في مدنها تابعين للاخوان المسلمين – هذا فضلاً عن ملايين من العرب يعملون في المدن الألمانية ويتأثرون بدعاة إسلاميين من الاخوان المسلمين.

يمكن ضمن هذا الإطار التأكيد على وجود تأثير «إخواني» يستفيد منه الأتراك في إطار العمالة الإسلامية المنتشرة في هولندا وايطاليا واسبانيا، حتى أن هناك معلومات أميركية وروسية تستشعر خطراً من حركة الاخوان في أقلياتها الإسلامية. وها هي الصين تنتقد علناً دور تركيا في تنظيم الألوية التركستانية العاملة في أطر تنظيمات ارهابية في سورية والعراق.

«الاخوان» اذاً هم مطيةُ اردوغان للاستحواذ على المسلمين في الغرب وهم أيضاً وسيلته لاختراق العالم العربي والاسلامي، هذا بالاضافة الى الجيش التركي الذي يتحرك مباشرة في سورية والعراق وليبيا وقبرص وبالتسليح والتمويل في مصر وتونس والسودان والجزائر واليمن، وبأشكال سياسية ودينية مختلفة في السعودية والإمارات ودول اخرى.

ماذا عن سورية؟ تحتلّ تركيا جزءاً من اراضيها بشكل مباشر وبالتعاون مع تنظيمات اخوانية وتركستانية وإرهابية اخرى، ويتجمع الجيش التركي على الحدود السورية لدعم ألوية وإرهابيين في محافظة ادلب ومنطقة عفرين، لسبب إضافي وهو ان الجيش السوري يتحضر لتحرير هذه المناطق بالقوة، وسط دعم روسي يحاول إلزام اردوغان بتنفيذ تعهداته لجهة سحب الإرهاب من ادلب. والحرب هنا مفتوحة.

العراق ايضاً ميدان للعدوانية الأردوغانية التي يحتل الجيش التركي فيها أراضي واسعة بزعم مكافحة الأكراد ويقصفها بالطائرات الحربية في كل وقت وله فيها تنظيمات اخوانية تعمل على اثارة «الفرقة» المذهبية والطائفية بين مكونات العراق.

لجهة ليبيا فلم يخفِ اردوغان ارسال جيش تركي علني مدعوم بطائرات حربية لدعم حليفه الاخواني السراج المرتكز على الاخوان في مواجهة اللواء حفتر المسنود من السعودية والامارات ومصر، والحرب مفتوحة. كما يدعم في تونس حزب النهضة لاسترجاع «سلطته» المفقودة.

وهناك من يشير الى ادوار اخوانية في التفجيرات الإرهابية الاخيرة في تونس وبلدان اخرى.

ماذا عن قبرص؟ يحتل الجيش التركي القسم الإسلامي من الجزيرة بزعم حمايتها من التوسعية اليونانية منذ 1973 متحكماً بسياساتها وثرواتها من الغاز معلناً رفضه أي تقاسم مصري قبرصي لمدياتهما في مياه البحر المتوسط قرب آبار الغاز المفترضة، وذلك في محاولة لسيطرة بلاده عليها.

إلا أن الاشتباك السياسي التركي الأكثر محورية فيذهب باتجاه مصر التي اصابت طموحات أردوغان بالصميم. وكان الاخوان المسلمون المصريون وصلوا الى السلطة في مصر بنجاح أحد قياداتهم محمد مرسي في انتخاباتها الرئاسية.

لكن الشعب المصري اجتاح الشوارع رافضاً هذا الخيار المدعوم من تركيا فاستغل الاميركيون الغضب الشعبي محرّكين رجلهم عبد الفتاح السيسي في انقلاب عسكري اعتقل مرسي الذي توفي بعلل مرضية كان مصاباً بها ولم يكن يتلقى العناية الصحية اللازمة، معيداً الاخوان المسلمين الى «الجحور» او السجن، متسبباً بأزمة سياسية متصاعدة ومفتوحة بين مصر وتركيا تتمظهر في الصراع السياسي والخلافات على آبار الغاز في المتوسط.

هناك أدوار تخريبية اضافية للأتراك في اليمن التي يدعمون فيها حزب الإصلاح بالسلاح والتمويل وتبين لهم مؤخراً ان الاخوان المسلمين اليمنيين التحقوا بالسعودية وأيدوها فتراجعت علاقات الترك بهم نسبياً.

لجهة الأكراد فإن تركيا تناصبهم العداء السياسي والعسكري في مناطقهم في تركيا وسورية والعراق وإيران معاقلهم التاريخية، بما أدى الى تحويل ميادين الصراع في الشمال والشرق السوريين الى ساحات حرب بين الطرفين يستفيد منها الاميركيون والإسرائيليون لتعزيز نفوذهم.

وبما أن عقيدة الاخوان لا تؤمن بالتوارث العائلي للحكم، فهناك حرب تستعر يومياً بين تركيا وكل من السعودية والامارات لا سيما أن السياسة التركية تعمل بجهد لتحسين مواقعها الاسلامية والعربية على حساب الدور السعودي. الأمر الذي أدى الى تفاقم الصراع بين سياستي البلدين الى حدود تمويل الجهات المتقاتلة. فالسعودية تمول الأكراد وبعض الارهاب غير التركي في سورية والعراق، فيما يحتلّ الأتراك أراضي سورية وعراقية بشكل مباشر داعمين كل تنظيمات الاخوان المسلمين وجهات من القاعدة.

هناك أيضاً احتراب تركي سعودي في السودان والجزائر وبعض أنحاء افريقيا.

إن هذه التدخلية التركية لم تفضِ إلى أي نجاح يذكر، حتى أنها أرهقت الاقتصاد التركي وأسست عداءات لتركيا في مجمل العالم العربي والدول الإسلامية، وباستثناء بعض أوكار «الاخوان».

يمكن الجزم بأن البلدان المجاورة لتركيا معادية لها بشكل كامل في سورية والعراق وإيران وأرمينيا واليونان وقبرص وجامدة مع بلغاريا واحترابية مع مصر والسعودية والإمارات، فهل انتهى عصر اردوغان؟

إنه في الطور الأخير من سلطنته الافتراضية التي بناها على أوهام ويشهد حالياً تبخّرها بعزيمة الجيش العربي السوري وحلفائه والضغط الروسي.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024