شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2019-09-21
 

بين ملف العفو العام والفاخوري

روزانا رمّال - البناء

كرّس كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى أسبوع الشيخ حسين كوراني حقيقة مفادها أن التعامل مع ملف العميل الفاخوري لم يكن على المستوى الجدّي المطلوب تبعاً لخطورة المشهد الذي أرخاه، نظراً لما كان قد ارتكبه هذا العميل بحيث يتوجب التعاطي معه بكل استثنائي وبمجرد تنبيه نصرالله لمخاطر هذا التداول والإمعان في استخدامه كأساس لفتنة قد توقع بين الخط الشيعي الواحد من جهة وبين التحالف مع التيار الوطني الحر من جهة أخرى، فإن هذا يؤكد أن المسألة مبرمجة لاستهداف حزب الله ببيئته وبنيته الشعبية. وبهذا يصبح الأمر اصطفافاً حقيقياً لجهة إمكانية غربلة المواقف وتصفيتها تجاه هذا الملف الذي استطاع أن يحدث حالة انقسام من جهة، لكنها بالأعم الأغلب إرباك أصابت مختلف الجهات والأحزاب.

ربما تكون المرة الأولى التي يتعرّض فيها لبنان لنوع من التهديد باهتزاز اجتماعيّ حقيقيّ الأمر الذي لم تنجح به الحروب المذهبية ولم تستطع استدراج حزب الله لمعارك محليّة. وعند مسألة تبسيط فكرة العقوبة عند العميل أو إمكانية التسامح والتساهل ركّز نصرالله على المقاومة الفرنسية التي أعدمت كل العملاء بلا رحمة مقارناً إيّاها بما تعاطى به الحزب الذي لم يأتِ على إيذاء أحد منهم. وها هي الدولة اللبنانية بعد مرور الزمن تكشف عن ثغرة واضحة بين تطبيق قانون ومفهومه وشرحه واستثناءاته بإمكانية الإعفاء عن عميل بمرور الزمن. وهنا تطرح أسئلة عديدة عن إمكانية تعديل القانون من خلال طرح استثناءات ترفع فكرة الإعفاء من إدانات بحجم خيانة وطنية.

من دون شك إنها المرة الاولى بعد عشرين عاماً من التحرير التي يصادف فيها اختبار هذا القانون بأمر حساس من هذا النوع. إنها من المرات الأولى التي يواجه فيها القانونيّون ثغرة تكاد تطيح بالوحدة الوطنيّة. فكل الجرائم الأخرى قابلة لخضوع مبدأ الإعفاء ما خلا كل ما يتعلق بالخيانة العظمى التي لا يقبلها أي بلد سيادي.

لكن الخطير هنا هو أن مسألة العميل فاخوري طرحت فرضيات ونظريات عديدة، ومنها بعض ما بدأت الصحافة بالترويج إليه وهو أن العفو عن الفاخوري قد يطرح فكرة العفو العام. وهو ملف شائك للإسلاميين وبعض ممن تعاملوا مع جهات إرهابية متطرّفة من المجموعات المسلّحة التي قاتلت في سورية وغيرها. وهي بدورها تحوّلت لمواجهة مباشرة مع الجيش اللبناني في نهر البارد وعبرا وكلها ملفات باتت مطروحة على بساط البحث. والأطر من كل ذلك أن البيان الوزاري أقر بند إيجاد حلول للبعض. وهو الأمر الذي قد يحتمل هو الآخر استثناءات، خصوصاً أؤلئك الذين لم يخضعوا لمحاكمات وهم موقوفون من دون أدنى حق من حقوقهم التي تتعلّق بإصدار أحكام.

ربط مسألة العفو عن العميل فاخوري تفتح بشكل شمولي باقي الملفات الحديثة أمنياً وهي المتعلقة بالتعامل مع الجماعات الإرهابية المسلحة. وإذا كان مرور الزمن سيسري على مَن تعاملوا مع «إسرائيل» فإن الأمر نفسه قابل للتحقيق مع من تعاملوا مع الإرهاب فهل هذا وارد؟ وعلى أي أساس ممكن التعامل مع مسألة تطبيق القانون في وقت تتسم التهم المذكورة بدرجة عالية الدقة تتصل بالخيانة العظمى التي لا تحتمل أي حكم مخفف بالحد الأدنى كي لا تمر قضية العمالة فكرياً وذهنياً على كل من تسوّل له نفسه الانخراط في تجربة كهذه فيصبح تهاون الدولة بنوعية الأحكام سبباً من أسباب استسهال تخطي القانون.

وبالعودة لكلمة الأمين العام لحزب الله فإن الاهتمام الكبير الذي يوليه الحزب لهذه القضية يجعلها مفتوحة وغير قابلة للتمييع، حسب مصادر مطلعة لـ»البناء»، «فهي قضية وطنية كبرى تتعلق بفهم فكري ونفسي لمسألة حساسة قد تعرّض أمن البلاد كله لخطر يدخل كل بيت لبناني ولأنه من غير المسموح أن تصبح القضية وجهة نظر يُضاف الى كل ذلك الغضب الشعبي الذي قد ينفجر بوجه كل من يغطي أو يسهّل تمييع هذه القضية التي تعتبر بالنسبة للجنوبيين مسألة حياة او موت». ويختم المصدر «مفهوم ان القانون له حيثياته ومسألة إسقاط الأحكام بمرور الزمن هي ترجمة للقانون، لكن بوجود جريمة «معاصرة» أو تهمة وأولياء للدم على قيد الحياة، فإن هذه المسألة تعتبر إشعال فتيل أهلي وناراً قد لا تنطفئ، والبلد لا يحتمل فتح ملف من هذا النوع معروف أن أكبر المستفيدين منه وحصراً هي «إسرائيل».


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه