إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"علاء أللامي وصراعُهُ مع الأسامي"

الأمين جورج يونان

نسخة للطباعة 2021-12-02

إقرأ ايضاً


حضرة الأمين أحمد أصفهاني الجزيل الاحترام،

في تعليقك على مقال الأستاذ علاء اللامي (صحيفة "الأخبار" بتاريخ 5 تشرين الثاني 2021)، تفضَّلْتَ بالقول: "تعددت الأسامي والهوية واحدة". وأنا أضيف: "مرتا... مرتا... إنَّكِ تهتمين بأمورٍ كثيرة، وتضطربين! إنَّما المطلوبُ واحد"!

في المقال مغالطات تحتاج إلى رد. فقبل أن يُعلنَ عن رأيه بالموضوع كله، يبدأ النقاش بصيغة سؤال: "هل كانت بلاد الرافدين جزءاً من "سورية الكبرى" أم العكس؟" وجوابه أن لا العراق جزء من سورية الكبرى ولا هذه جزءٌ من العراق، مستشهداً بالتاريخ الذي يحلو له... ليصل إلى قوله: "العراق عراق، والشامُ شام، والحجاز حجاز، ومصر مصر، والمغرب مغرب، وهذه هي الأقاليم الرئيسة العريقة المكوِّنة للجغرافيا العربية...". ولم يذكر الخليج الذي كان جزءاً من المنظومة الرافدية بضفتيه الشرقية والغربية حتى مضيق هرمز. ولم يذكر الحجاز منطلق الرسالة المحمدية وقبيلتها قريش، القبيلة النبطيَّة الشامية التي كانت جسر الحياة بين الحجاز والشام تاريخياً وفكرياً واقتصادياً. ففي فجر الرسالة المحمدية كانت البتراء هي القبلة.

لست مؤرخاً، ولكن لي بعض الإطلاع على مؤلفاتٍ لمؤرخين معروفين أمثال طه باقر وفراس السواح والمؤرخ اللغوي محمد بهجت قبيسي. لكن تناقض مفهومه للتاريخ وللجغرافيا أدَّى به إلى ضياعٍ بين الأسامي المختلفة لمنطقة تميّزت بوحدة الحياة اقتصاداً وبيئة ومناخاً وتاريخاً وثقافة، حيث كانت مهداً للحضارة الإنسانية بكلِّ عناصرها ومكوِّناتها. وهذا التناقض جعله يتجاهل وحدة الحياة بين الناس على مدى عشرات القرون. ومقاله عَبَّرعن إقليمية يحمل لواءها بعض العراقيين، ولا تختلف عن الإقليميات التي ترفع رؤوسَها في المنطقة اليوم.

وبالفعل، كما ذكرت في ردك، فـ"المسائل التي أثارها هي ذات مدلولات سياسية، لا علاقة لها بالتاريخ والجغرافيا والتفاعل الحضاري بين المكونات السكانيَّة". نعم "أسماءُ الدولِ والشعوبِ والمناطق ليست ثابتة بالمطلق، وهي قد تتغيَّر بسبب الظروف المرتبطة بالفتوحات والغزوات والهجرات البشرية". ولكن هذا يجب ألَّا يخضع للمفهوم التوراتي لبابل، الذي يشبه ما عمله الأستاذ اللامي في بلبلة الأسماء.

وقد تناسى الأستاذ اللامي وليمة سايكس - بيكو عام 1916 على هذه الأرض - الذبيحة وما خلَّفت من كيانات سياسية، وتناسى كذلك وعد بلفور عام 1917. حتى أنه لم يوردهما في مقاله. والمنطقة كلها، في الحقيقة لم تكن إلا كياناً حياتيَّاً واحداً (جغرافياً وبيئة وثقافة واقتصاداً) تنوَّعت فيه المراكز الحضارية على الشكل التالي:

1) العراق؟ يوم كانت بابل وحتى أيَّام عمر بن الخطاب أو المنصور... لم يكن العراقُ كعراق اليوم، إذ كان المنطقة الواقعة حول الرافدين جنوبي بغداد شاملة شرق الخليج وغربه حتى مضيق هرمز، ويمتدُّ غرباً فوق الصحراء المحاذية التي كانت مسكناً للعمالقة العراقيين.

2) الشام، وهي المنطقة التي تقع غرب الفرات إلى الشرق من البحر الأبيض المتوسط، وتمتدُّ من الجبال الشمالية إلى أخر حبة في رمال سيناء. واسم الشام مشتقٌ من كلمة شمال، من الواقف في الحجاز بموازاة ما على يمينه أي اليمن. أمَّا عن إسم "سام" فهو ابتكارٌ توراتي لم يظهر أيُّ أثرٍ له في كلِّ الاكتشافات الأثرية الحديثة. وفي هذا الخصوص، وفي كتابه "العرب قبل الإسلام" يقول المؤرخ جرجي زيدان: "وقَلَّدَ العربُ اليهودَ وغيرهم في كثيرٍ من طرق العِلْمِ، فاقتبسوا منهم ردَّ كلَّ أمَّةٍ إلى أبٍ من آباء التوراة..."( ص: 17)

3) الجزيرة، التي تعترف بوجودها كل المدونات العربية والإسلامية وتمتد شرقاً من جبال زاغروس إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات حيث تخوم حلب، ومن بغداد جنوباً وما بين النهرين إلى أعلى منابعهما شمالاً، وكانت مهداً للحضارة الأشورية، وللعنفوان الحمداني ضد الغزوات الرومانية، وحيث كانت "أورفة" (التي سمَّاها أرضاً تركيَّة) وكانت ديار بكر(نسبةً لقبيلة بكر)، وحيث كانت ماردين وطور عابدين. وحيثّ لهجة سكان دير الزور هي نفس لهجة سكان الموصل - نينوى.

تاريخياً، نعم بلاد الرافدين هي مهد الحضارة التي ظهرت في الطرف الشرقي للهلال الخصيب بدءاً بـ "حضارة العُبيد" حيث ظهرت اللغة لأول مرة منذ سبعة آلاف سنة، والتي منها جاءت اللهجات العدنانية والأرامية والنبطية والتدمرية والحميرية (راجع كتاب "حضارة واحدة لا حضارات" وكتاب "ملامح في فقه اللهجات العربيات" للمؤرخ اللغوي محمد بهجت قبيسي). وامتدت هذه الحضارة بالصروح البابلية ومن ضمنها الكنعانية المشرقية المتمثِّلة بدولة حمورابي.

ومن وسط هذا الهلال ظهرت الحضارة الأشورية وحضارة ماري وتدمر والبتراء. أما الطرف الغربي فقد كان مسرحاً لحضارة الفرع الغربي الكنعاني، ولحضارة إبلا.

نعم الوضع حالياً: العراق عراق بلا الخليج، والشام شام بلا العراق، ولبنان لبنان بلا الشام، والأردن أردن بلا الحجاز، وفلسطين بلا كون، وبئس هذا الوضع.


فالكيانات السياسية التي يتحدث عنها الأستاذ اللامي هي من مخلفات سايكس - بيكو ومؤتمر سيفر عام 1920 وما تلاه في لوزان عام 1922 - 1923 ومن الباخرة كوينسي في 14 شباط 1945. أما الحضارة فتعرف الأرض التي قامت عليها مهما اخترع الأستاذ اللامي من أسماء. مرةً أخرى: "مرتا... مرتا... إنَّكِ تهتمين بأمورٍ كثيرة، وتضطربين! إنَّما المطلوبُ واحد"! والواحدُ هو وحدة الحياة بين الناس.




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024