شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2025-03-22 |
وجـــــــــه واحـــــــــــــــد بـثـلاثـــة أقـنـعــــــة بقلم الأمين أحمد أصفهاني |
كل عبارات التفجّع والأسى، وكل مواقف الإستنكار والإدانة، وكل البيانات السياسية واجتماعات الأمم المتحدة... كلها قاطبة لن تعيد نسمات الحياة إلى واحد من بين آلاف المواطنين السوريين الذين أبيدوا بوحشية صادمة في منطقة الساحل الشامي يومي الجمعة والسبت الماضيين. الشعور بالقهر والعجز أمام جرائم تُرتكب بحق المدنيين أمر طبيعي، لكنه يبقى مجرد شعور يحفر في الذات ولا محصلة مفيدة منه. ما نشهده اليوم هو أن أحفاد هولاكو وجنكيز خان وتيمورلنك عادوا إلى الهلال الخصيب يعيثون فساداً في الأرض، تحرّكهم غرائز ومفاهيم تكفيرية، وترعاهم عيون الغرب الأميركي – الأوروبي – الأطلسي الذي أوجدهم ولم يتخلَ عنهم يوماً حتى ولو تبدلت أساليب التعامل بينهما حسب الظروف ومستلزمات "المهمات والأدوار"! وبينما وحوش الجماعات التكفيرية المسلحة التي هبطت على سورية من كل حدب وصوب، يوغلون بدماء السوريين الأبرياء في بانياس وجبلة واللاذقية من مناطق الساحل السوري... كانت الجرافات تكشف في منطقة الكرنتينا على الساحل اللبناني عن مقبرة جماعية يُرجّح أنها تعود إلى فترة الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975 – 1976. وتبيّن أن عشرات الجثث، وربما المئات، قد ألقيت هناك بعد صب الإسمنت عليها. الكشف الدقيق على الكتلة الإسمنتية يحتاج إلى وقت طويل لمعرفة العدد والهويات وظروف القتل. لكن مما لا شك فيه أن هذه المقبرة تضم بعض الذين قتلتهم القوات اللبنانية وحزب الكتائب بعد اجتياحهم للضاحية الشرقية والمسلخ والكرنتينا (جثث عديدة ألقيت في البحر قبالة المسلخ وقبالة جونيه)... فقد كان مقر المجلس الحربي لحزب الكتائب في الصيفي، على بعد مئات الأمتار من مذبحة المسلخ والكرنتينا التي وثّقها مصورون أجانب بالصورة والكلمة! ولم يترك الصهاينة مجالاً لكي يعتب عليهم التكفيريون والانعزاليون، فالعدو الإسرائيلي مواظب على انتهاج مخطط إبادة الشعب الفلسطيني سواء في الضفة أو غزة التي يُفترض أنها في حالة وقف إطلاق النار حالياً. لكن العقل الصهيوني الوحشي لا تفوته السياسات الإلغائية، فإذا به يقطع الماء والدواء والغذاء والكهرباء عن الفلسطينيين المشردين. لقد قتلت آلة الدمار الإسرائيلية عشرات الألوف معظمهم من النساء والأطفال، وما تريده تل أبيب وواشنطن الآن هو أن يقضي الحصار على البقية الباقية من شعب تُرك وحيداً ليواجه مصيره الغامض. (الرئيس الأميركي ترامب كان وقحاً بصراحته حول تصوره لمستقبل غزة)!! وعملاً بمقولة "إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا"، لا نتوقع شيئاً من الأطراف اللبنانية المعنية بمجزرة الكرنتينا والمسلخ. مرتكبها معلوم مجهول، تشير إليه أصابع الإدانة لكن يحميه نظام طائفي مقيت. ويبدو أن حكام دمشق الجدد يتعلمون بسرعة هائلة كيف يوظفون المذهبية المتعصبة لتبرير إبادة الأقليات غير المنسجمة مع الرؤية السلفية التكفيرية المهيمنة على القرار في الشام. سمعنا من شخص قريب من مركز القرار في دمشق أن القادة الجدد ينطلقون من فتاوى إبن تيمية في تعاملهم مع الأقليات الدينية، وتصنيفها على الشكل التالي: أهل الكتاب الذين وردت نصوص قرآنية وفتاوى لاحقة بطريقة التعامل معهم، ثم طوائف خارجة عن الدين والجماعة أمثال العلويين والدروز والشيعة والإسماعيلية... وهؤلاء ليس لهم سوى حد السيف. إن الذي جرى في مدن وبلدات وأرياف الساحل السوري ليس إلا التطبيق "العملي" للمعتقدات الملتوية التي يحملها السلفيون التكفيريون بوصفهم "الفرقة الناجية"... وكل ما عداهم إلى النار! ثم يأتي من يعلن عن تشكيل لجنة للتحقيق في جرائم الإبادة، فما هي القاعدة القانونية التي ستشكل مقياس النظر؟ أهي حق المواطن في العيش بكرامة في وطنه، أم هي تأويلات فقهية لنصوص باتت خارج المكان والزمان!! الساحل السوري، الكرنتينا، غزة. برابرة العصر الحديث وجه واحد وهدف واحد... لكن بثلاثة أقنعة لم تعد تخدع أحداً.
|
جميع الحقوق محفوظة © 2025 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |