شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2006-09-07 |
من يرتقي إلى مستوى الضحية ؟ |
يواجه العرب اليوم مشكلة تبدو في ظاهرها مفهوماتية أو حتى فلسفية ولكنها، في العمق، سياسيّة ولها منعكساتها ونتائجها الخطيرة، على مستقبل أبنائهم وأوطانهم، وهي أنهم محرومون اليوم، وعن عمد وسابق إصرار من قبل القوى التي تحرمهم، من تبوؤ موقع الضحية مهما ارتكبت بحقهم من مجازر، ومهما ارتكبت بحق بلدانهم من جرائم حرب، ومهما عاثت بهم قوى مختلفة من إذلال وخطف وقتل ومهانة، إلى درجة أن بعض العرب أنفسهم بدأوا يتعاملون مع ضحايا الآخرين بجدّية واهتمام لا تميز أبداً تعاملهم مع ضحاياهم من عرب ومسلمين.
ومع غزارة الأمثلة في هذا الصدد إلا أنّ آخرها تتمثّل في النداءات المتكررة والضجّة التي أثيرت من أجل إطلاق سراح الصحفيين الغربيين المختطفين وهما ستيف سينتاني من فوكس نيوز والمصور النيوزيلاندي أولاف فييغ. ومع التأكيد على فرحتنا جميعا بإطلاق سراح الصحفيين، ومع إدانتنا الأكيدة لخطف أناس مدنيين أبرياء، فإني لا أستطيع إغفال المقارنة بين الصرخات التي أطلقت من كل حدب وصوب من أجل هذين الصحفيين، وبين الصمت المريب الذي تلا اختطاف إسرائيل لأعضاء برلمان فلسطينيين منتخبين، ولرئيس البرلمان الفلسطيني المنتخب السيد عزيز الدويك، ولنائب رئيس الحكومة الفلسطينية، والذين ما زالوا يقبعون في السجون الإسرائيلية بعد أن انضموا إلى عشرات الآلاف ممن اختطفتهم إسرائيل من نساء ورجال وأطفال، وأخمدت أصواتهم الحرة في غياهب السجون، وصمت العالم عنهم، ومعهم حكومات وإعلاميون عرب، وكأنّ شيئاً لم يكن .
بينما حين قامت قوى المقاومة بأسر جنود إسرائيليين في غزة ولبنان بهدف مبادلتهم مع المختطفين العرب، بعد أن أغلقت إسرائيل أبواب الإفراج عنهم، ضجَّ العالم برمّته مطالباً بتحرير الأسرى من جنود الاحتلال بعد أن رفض إدراج قوائم الأمهات العربيات المختطفات واللواتي يضعن أولادهنّ في سجون الاحتلال في خانة الملحّ والعاجل جداً، كما رفض العالم التوقف عند أعضاء حكومة فلسطينيين منتخبين ديمقراطياً ومخطوفين ومودعين سجون الاحتلال الإسرائيلي ضدّ كلّ القوانين والشرائع الدولية.
والأمر ذاته ينطبق على سجناء غوانتانامو وأبو غريب وغيرهما من السجون السرّية التي أُعدّت خصيصاً للعرب والمسلمين والذين يتمّ إخضاعهم لمعاملة تخالف كل القوانين والمعاهدات الدولية وشرعة حقوق الإنسان، وهنا أيضاً لا يثير سجنهم ومعاقبتهم الصرخات التي تثيرها معاملة مماثلة لإنسان أبيض أو غربي. وآخر مشكلة تواجه الغرب في التعامل مع المسلمين هي أن مسلمي بريطانيا يحظون بمعاملة مماثلة لغير المسلمين من البريطانيين في الولايات المتحدة وأوروبا ولذلك بدأ البعض يدعو إلى التمييز بين المسلمين وغير المسلمين من البريطانيين في أوروبا وأمريكا، الأمر الذي ينذر بمرحلة خطيرة قادمة من تاريخ البشرية تذكرنا بمرحلة المكارثية في الولايات المتحدة والنازية والفاشية في أوروبا.
ومن منظور عدم الارتقاء إلى مستوى الضحية يمكن لنا أن نفهم لماذا لا يشعر كثيرون في العالم الغربي بالألم الذي يعتصر قلوبنا ونحن نشاهد أطفال فلسطين والعراق، ومؤخرا أطفال لبنان الأبرياء، يقضون في مجازر ارتكبت عن عمد وسابق إصرار بحقّهم. ولم يبكِ العالم الطفولة العربية ولم يتجاوب مع مأساتها بالطريقة التي يبكي بها الطفولة في أي مكان آخر في العالم، وكأنّ أطفالنا لا أرواح لهم ولا مستقبل ينتظرهم، ولا أهل يبكونهم، ولا أفئدة أمهات وآباء تتمزق لفراقهم. ولنتخيل، ولو للحظة، لو أنّ أطفال قانا ومروحين والشياح والرويسة ليسوا عرباً (والمنظور هو أنهم جميعا مسلمون حتى وإن كان بينهم مسيحيون)، ماذا كان سيحدث في الصحافة والإعلام العالميين؟ ومتى كان سينتهي من ارتكب هذه الجازر بحقهم من المحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والإدانات والعقوبات من محاكم جرائم الحرب الدولية؟ ولكن، وبما أنّ الضحايا عرب، فلا بدّ أنهم هم الذين يفضِّلون الموت على الحياة، أو لا بدّ أنهم ارتكبوا ذنباً ما ليستحقّوا بعده هذا المصير! حتى أنَّ بعض العرب منشغلون بالبحث عن الأسباب الذاتية التي أودت بأطفال قانا النائمين الأبرياء إلى هذا المصير. وهؤلاء العرب أنفسهم ينشغلون بالبحث عن مصير الممرضات البلغاريات والدعوة إلى إطلاق سراحهنّ بعد أن ارتكبن جرائم بشعة بحق أطفال ليبيين، والذين لسوء حظهم يقعون في خانة العرب ولذلك لا يمكن لحياتهم أن تقاس بحياة الممرضات البلغاريات واللواتي دون شك ستثبت براءتهنّ ويعدن إلى أهلهنّ وأحبائهنّ بعد طول انتظار! فقط الضحايا العرب لا أهل ولا أحبَّاء لهم، ولا يشكل فقدانهم مأساة إنسانية يستطيع الرجل الأبيض أن يدرك عمقها ومعناها.
لا بل وبعد الفشل في الارتقاء إلى مستوى الضحية فقد تحوّل كلّ الضحايا من عرب إلى «مرتكبين» بنظر الرئيس بوش، بحيث تستحقُّ بلدانهم كلّ ما يصيبها من عدوان ودمار وقتل وذلك لأنّ «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» قد أنتجت فكرة نتان شارانسكي والذي قرر «أنّ العرب هم أعداء الديمقراطية والحرية، وما لم نقتلهم في بلدانهم سوف يأتون إلى بلداننا ويقتلوننا» واعتنق الرئيس بوش هذا الفكر كقاعدة أساسية لسياسته في الشرق الأوسط. فقد اعتبر الرئيس بوش منطقة الشرق الأوسط الحاضنة للحركات الإرهابية، وهذا صحيح عن الإرهاب الإسرائيلي الذي عمد منذ أربعينيات القرن الماضي إلى ارتكاب المجازر وتهجير السكان الأصليين من مدنهم وقراهم لاحتلال أرضهم واستبدالهم بمستوطنين مستقدمين من أمثال شرانسكي والذي بنى نظريته على قتل وتهجير العرب ومن ثم تبنى الرئيس بوش هذه النظرية وأخذ يرسم السياسات الخطيرة لتطبيقها وتأييد العدوان والحروب على العرب. ولا أعلم ما إذا كان الرئيس بوش قد اطّلع على مقالة كتبتها الكاتبة الأميركية لورا بلومنفيلد ونشرتها جريدة الواشنطن بوست في 27 آب 2006 بعنوان «في إسرائيل صراع حول القتل المستهدف»، والتي تبرهن دون أدنى شكّ أنّ المصطلح البديل والحقيقي لعبارة «القتل المستهدف» هو ارتكاب أعمال إرهابية وإجرامية بحقّ الشعب الفلسطيني الأعزل، ولمن لم يقرأ هذه المقالة أقول إنّ قادة إسرائيل يقرّرون في اجتماعات عادية من سيقتلون من الشباب الفلسطيني ومن يكتسب الأولوية في إعدامه، ويتفاخرون بعدد الذين قتلوهم من الشباب وبعدد البيوت التي هدموها فوق رؤوس أصحابها ويشعرون بالملل حين تنتهي مهمّة القتل قبل أن تبدأ مهمة قتل أخرى!
والملاحظ أنّ الرئيس بوش في خطابه الأخير لم يأتِ على ذكر فلسطين بعد أن «وعد» منذ سنوات أمام العالم بإقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع «إسرائيل»، ولكن يبدو أنّ هذا الوعد ذهب أدراج الرياح بعد أن اختار الشعب الفلسطيني حكومة لا تروق للرئيس بوش أو للإسرائيليين، وإن تكن حكومة منتخبة ديمقراطياً وشفافة وغير فاسدة. ويذهب الرئيس بوش إلى حدِّ اتهام منطقة الشرق الأوسط بالفاشية والنازية وهو يعلم، أو يجب أن يعلم، أن الفاشية والنازية منتجان أوروبيان لا علاقة للعرب أو المسلمين أو الشرق الأوسط بهما على الإطلاق. كما وضع الرئيس بوش المسلمين في خانة أعداء الحرّية وفي خانة الإرهابيين فأيّ توصيف هذا الذي شمل به الرئيس بوش كافة المسلمين في البلدان الإسلامية وغير الإسلاميّة، وما الاسم الذي يمكن أن نطلقه على هذا التوصيف سوى العنصرية الجديدة ضدّ المسلمين؟ أليس خطيراً جداً أن يضع رئيس دولة عظمى كل المسلمين في خانة المرتكب والقاتل والذي من الضروري قتله كي تنعم الديمقراطيات في العالم بالأمن والسلام؟ وأي ثقافة كراهية يعبّر عنها هذا المنطق، وأي دمار وعنف وحروب يمكن أن يلي هذا النقاش؟
والاستنتاج الذي نصل إليه الآن هو أنه لا يحقّ للعرب أن يكونوا ضحايا في فلسطين أو العراق أو لبنان لأنه من الممنوع التعاطف معهم أو اعتبارهم في خانة الناس الذين تكتسب حياتهم قدسية حياة الإنسان وشرعيتها. ومن هنا نرى خطورة ألا يُسمح لأطفالنا الذين يستشهدون في مجازر جماعية ترتكب بحقهم أن يكونوا ضحايا، ولا يسمح بالتعامل مع المختطفين من العرب كما يتمّ التعامل مع المتخطفين من غير العرب. لقد قفز الرئيس بوش في خطابه من فوق حطام جسور وطرق ومشافي ومدارس وقرى لبنان وضاحية بيروت الجنوبية، كما قفز فوق التاريخ الإسلامي وتوجهاته الإنسانية السامية، ليتّهم المسلمين جميعا بالمرتكبين وأعداء الحرية والديمقراطية كي يشرّع قتلهم وسجنهم وارتكاب أبشع الجرائم بحقّهم وحقّ بلدانهم. وشاهده على ذلك ما أسماهم بالخاطفين التسعة عشر الذين ضربوا برجي التجارة العالمي وبالقياس إلى ذلك كأن يقول أي منا أن الأمريكيين كلهم تيموثي ماكفيه الذي ضرب حضانةً للأطفال في أوكلاهوما.
إزاء هذا الواقع الخطير على شرفاء العالم جميعا كسر جدار الصمت والوقوف في وجه هذه الحملة المكارثية ضدّ العرب لكي لا تصل البشرية إلى نقطة اللاعودة في صراع ُينظر وُيؤسس له من قبل فئة قليلة حاقدة على العرب وذات أطماع في ديارهم وحضارتهم. والخطورة لا تطال العرب فقط لأنهم ينتمون إلى الأسرة الإنسانية، وقد علّمنا التاريخ أنّ أيّ خطر يطال البشر في أي مكان قد يطالهم في كل مكان، كما علّمنا التاريخ أنّ انعدام العدالة في أيّ مكان قد تخلق العنف والثورة في كلّ مكان، فهل هناك من يصغي إلى صوت الماضي وتجلّيات الحاضر لكي يكتشف آفاق المستقبل ويحاول تحديدها ورسمها لتكون عاملا مساعدا في الأمن والسلم الدوليين، لا عنصر خطورة جديد يضاف إلى العناصر الجمّة الموجودة الآن؟
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |