شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1942-12-01
 

الوطنية التي لا وطن لها - الجزء الرابع والأخير

أنطون سعادة

يقول الخطيب ان السوريين النازلين سيصبّون، عاجلاً أو آجلاً، في قالب قومية "الوطن الثاني" ولكن، قبل أن يتم ذلك، لا يجوز لخطيب رسمي أن يهمل الحقيقة والواقع الى هذا الحد ويلغي باستبداد رأيه، شخصية جماعة فوضت اليه تمثيلها في عمل دفعها اليه شعور أصيل لا شعور مستعار.


إن البرازيل تصنع طيارات كثيرة وتشتري طيارات كثيرة ولا أهمية لزيادة وحدات طيرانها بطيارة تمرين لو لم تكن هذه الطيارة تعبيراً حسياً عن شعور جماعة غير برازيلية تجعل البرازيليين يثقون بأن لهم أصدقاء للبرازيل، لا أعداء لها، مع محافظتهم على قداسة روابطهم القومية بشعبهم ووطنهم، كما يليق بالأقوام الحرة الواعية التي تجل عن أن تكون فسائل وأغراس نباتية أو أن تكون قطعان ماشية أو قطيع حيوانات لا تعقل ولا تعي المعاني النفسية كالقومية والوطنية والشخصية والوفاء للأهل وحفظ المناقب والمثل العليا والروابط النفسية التي بها قيام الأمم وبروز شخصياتها وتقدير فضائلها الأصيلة.


أجل، ان السوريين يجلون عن ذلك كثيراً، وهم الذين علموا الشعوب الأخرى فضيلة حب الوطن كما يشهد لهم بذلك أفلاطون في كتابه "الجمهورية". ومجموعهم في البرازيل يتقدم الى الشعب البرازيلي بقلوب سورية تنبض باخلاص سوري أصيل في نفسيته وليس بقلوب استعارها في البرازيل ليبثه صداقة وليس ليقدم له شعور البرازيليين نحو أنفسهم.


ان المذهب الذي نسبه السيد حداد الى سليمان اليهودي ليس له. والقول الذي استند اليه ليس لسليمان، بل للمسيح في "خطبة الجبل" وقول المسيح يعني عكس ما يريده الحداد.


فالمسيح أراد أن يقول أن الكنوز المادية باطلة. وأن الكنوز الروحية هي الكنوز الباقية. فالثروات المادية التي جمعها السوريون في البرازيل لا توازي مقدار حبة خردل من الكنوز المحفوظة في نفسية شعبهم. ومن هذه الكنوز عدم التخلي عن القريب او الصديق في زمن شدته. والسوريون لا يتخلون عن نسبتهم القومية وعن أمتهم في محنتها. فلا يوجد سوري واحد واع يريد أن يترك هذه الفضائل للعمل بالترجمة المادية الفاسدة التي أعطاها السيد حداد لقول المسيح. "اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا أكله ولا ينقب السارقون ولا يسرقون. لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك" الذي نسبه لسليمان اليهودي. نعم لا يوجد سوري واع يريد أن يجرد أمته من كنوزها الروحية أو يبدل بهده الكنوز كنوزاً مادية معرضة لافساد السوس ونقب السارقين. ولا واحد منهم يقبل ان ينكر امته أو يتخلي عنها لسبب واحد هو أنها منكوبة ومظلومة أو لأنه بعيد عن وطنه في ديار الغربة.


أما سفسطة عبد المسيح حداد السخيفة القائلة – "الشجرة التي تقلع من أرضها وتزرع في أرض غيرها لا تعرف إلا بالأرض التي تحيا فيها" فمن أسخف الأقوال المحقرة المدارك الإنسانية. هو مخالف للواقع، ليس فقط في عالمي الإنسان والحيوان، بل في عالم النبات أيضاً. ان المحاصيل الزراعية هي للبلاد وتعرف بها أما أجناس الزروعات فتبقى لها كل أرض تزرع فيها. وهكذا نتكلم عن القمح الاوسترالي والفرنسي ولو زرعناه في سورية. ان محصول ذلك القمح يكون سورياً أما جنسه فيبقى له. وهكذا أنواع الأرز والصنوبر والأعشاب المختلفة التي يصنفها أهل النبات بأجناسها ومناطقها. ويقى الجنس في الحيوان فيميز علماء الحيوان بين الكلب السوري، الذي هو جنس خاص من الكلاب، والكلب الدنمركي. وبين الدب السوري، الذي نجده في معرض الحيوانات، والدب الروسي أو غيره ولو ربيته في أميركة أو في الصين. ولماذا يحافظ الأميركان خارج أميركة على قوميتهم ويفتخرون بها؟ إذا كان الأمر كما يقول السيد حداد فلماذا أشارت القنصليات الأميركانية على الأميركان المقيمين في اليابان والمانية وايطالية بوجوب ترك تلك الأقطار ولماذا تركها الأميركان ولم يقولوا قد أنشأنا هنا متاجر وأعمالاً وما نحن إلا فسائل نخل قلعت وزرعت في أرض جديدة يجب أن نعرف بها؟


ان أحفاد السوريين في البرازيل، في الجيل الثالث وارابع، يصيرون برازيليين وتكون الأسباب والعوامل الوضيعة التي لا يد لهم فيها هي التي صيرتهم كذلك مع تحدرهم من أصل سوري. أما أن ينبذ السوريون الأصيلون قوميتهم ووطنيتهم اللتين ينتسبون اليها ويحملون هويتها فلا تعود اسبابه إلا الى فساد الأخلاق وانحطاط المناقب. وهذا منتهى العار والجمود وارتكاب المنكر وأما الذين اختاروا ترك قوميتهم وجنسيتهم الأصلية وأجروا معاملات قانونية للدخول في القوميات التي سكنوا في كنفها فهؤلاء لا يحق لهم التكلم بإسم قوميتهم السابقة التي تركوها قانونياً وأعلنوا انتسابهم الى قومية غيرها، روحياً وشرعياً وإذا جاءهم تكليف ورضوا القيام به فيجب أن يعلنوا أنهم أبناء قومية جديدة غير القومية التي كانت لهم بالولادة والنشأة، فلا يحملون مجموع القومية التي كانوا ينتسبون اليها مسؤولية أغلاطهم الروحية في التعبير عن موقفه وشعوره الناتجة عن مفارقتهم لروحية ذلك المجموع.



مقالة في نيويورك و خطاب في ريو دي جانيرو.الزوبعة: نوفمبر - ديسمبر 1942



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه