شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1944-08-12
 

اتقِِ شر من أحسنت اليه

أنطون سعادة

"حكمة عربية بعيدة عن الفكر والشعور المتمدنين. ولهذ السبب فقط هي حكمة، أي لأنها صادرة عن مجموع متأخر جداً في سلم الارتقاء الاجتماعي ومختصة به.


وصلت هذه الوصية الحكيمة في بيئة الجهل والفقر والغدر والبدواة والغزو الى سورية في جملة ما وصل اليها من أدب العرب وكان لها – وبالأكثر للنفسية التي صدرت عنها – تأثير في تعديل النظرة الى الحياة والشعور بها تعديلاً رجوعياً. فصارت فكرة مكافأة الخير بالشر ومقابلة المعروف بالمنكر من القواعد الاجتماعية المقررة. ولذلك صارت وصية اتقاء شر المحسن اليهم من الحكم الجليلة التي يحتاج اليها ابن البيئة المنحطة في مناقبها وأخلاقها الى حفظها جيداً والسير بموجب ارشادها. وكان من نتائج تعليم هذه الحكمة، التي يعود الفضل في كونها حكمة الى الحالة البربرية الجاهلية الملازمة هذه الحكمة لها والصادرة هذه الحكمة عنها، ان الشعب السوري صار في جملة الشعوب المتأخرة في فكرتها الاجتماعية وسلوكيتها.


صار توقع الشر من المحسن إليه كتوقع سقوط المطر في الشتاء، او أي حادث من الحوادث الطبيعية المعتادة. لم يعد الشعب ينفر ويشمئز من حوادث مقابلة الجميل بالقبيح ومعاملة الخير بالشر. وفي كل حادث من هذه الحوادث تجري كل يوم في حياة جيلنا البعيد عن تعاليم النهضة السورية القومية الاجتماعية او عن فهمها، نرى الناس يلومون كل من رفض العمل بتلك الحكمة العربية المتأخرة ولم يشأ ان يتوقع الشر والغدر من مواطنه الذي أحسن اليه وأقال عثاره.


تعلـّمنا هذه الحكمة ان لا نثق بعضنا ببعض وان لا يركن الى أي رابطة اجتماعية او نظام اجتماعي يجمع أمورنا ويعطي الإرادة العامة في الخير والحق مجراها. وأجيالنا التي تعاقبت على الأخذ بهذه الحكمة العمياء الى جيلنا اللاقومي الحاضر لم تتنبه لمبلغ ضرر هذا المبدأ الهدام بنفسية الشعب وشدة فتكه بالمناقب الجميلة والأخلاق الجيدة.


من أضرار نفسية تلك الحكمة الباطلة زيادة محبة الذات المفسخة لروحية المجتمع والتمسك بالوجهة الفردية والنفع الفردي الخاص من كل عمل او مشروع، ونزع الثقة بين أبناء الأمة الواحدة هو من النتائج اللازمة للنفسية المذكورة. وهكذا يكون من الواجب على فرد أن يحاذر غدر ابن مجتمعه وأن يعامله دائماً معاملة العدو المراوغ المتظاهر بالصديق، إذا كان يريد أن يسلم من غدره المتوقع.


كيف يمكن أن تفلح أمة تسيطر على عقليتها حكمة فردية من هذا النوع؟ بل كيف يمكن أن توجد أمة تغذى روحيتها بهذه الحكمة القتالة؟


الأمة لا يمكن أن توجد إلا بمناقب الثقة والاخلاص والأمانة. والتعاليم القومية الاجتماعية التي جاء بها سعاده تنفض جميع الحكم والتعاليم المنافية لوحدة الأمة وثقة القوميين الاجتماعيين بعضهم ببعض في جميع أعمالهم وتصرفاتهم. فالحركة السورية القومية الاجتماعية تقوم على مبدأ الثقة لا على مبادىء الشك والخيانة والغدر، ونظامها يكفل جعل الثقة عقيدة راسخة، وما من أحد عمل بهذا النظام الا كان آمناً على حقه وحق غيره. وما من حالة خرج فيها بعض القوميين عن النظام ومبدأ الثقة المجموعية الا واضطرب فيها حبل الأمانة وضاع الحق الصحيح في تيارات الأهواء الفردية والمآرب الخصوصية والادعاءات الشخصية.


اتق شر من أحسنت اليه!


هي لعنة من عدة لعنات أصابت شعبنا فهو يرزح تحتها ويندب حظه. كل ما يمكن الشعب فعله هو أن يسيء أبناء الشعب الظن بعضهم ببعض ويتعاملوا كأعداء وإلا فالويل لمن لا يتخذ الحيطة لنفسه من غدر من يوليه احسانه!


أجل. الويل ليس للشر والشرير، بل لحسن الظن العامل بمبدأ الثقة الذي يجد من الحطة سوء الظن بإبن قومه او بمن يتظاهر برفقته في الجهاد القومي! الويل للمحسن فاعل الخير من المحسن إليه ومن أبناء الجيل الذين يعيبون الشر ومرتكب المنكر بل يعيبون صاحب الاحسان لأنه لم يعمل بوصية اتق شر من أحسنت إليه!


ان التخلص من هذه اللعنة وانقاذ الأمة منها هو أول واجبات القوميين الاجتماعيين العاملين على نهضة أمتهم. فلا تتحقق نهضة الأمة إلا بتطهير المجتمع من المثالب والخبائث.


إن قتل لويتان الرذائل والمفاسد هو من أجمل ما رسمته الأساطير السورية. وقد ظل ذاك التنين الخبيث يسرح ويمرح على تعاقب الأجيال حتى سلّ الجبار القومي سيفه وانقض عليه.


المعركة مع لويتان الحية الملتوية والتنين قد نشبت منذ تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي ولا تزال رحاها دائرة.


ان النهضة القومية الاجتماعية قد رمت تلك الحكمة الباطلة اتق شر من أحسنت إليه وأقامت مكانها حكمة جديدة تقول: احسنوا بعضكم الى بعض وحاربوا الشر حيثما لقيتموه!


رسالة الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الأمة هي رسالة الثقة والاخلاص والنظام وسيسحق الحزب كل اثم يعترض تحقيق هذه الغاية العظيمة الجميلة!"



الزوبعة، العدد 79، في 12 آب 1944



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه