شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1937-10-21
 

برامج التهذيب كيف يجب أن تتطور

أنطون سعادة

ليس صواباً ما يعتقده الكثيرون من أن أبناء البلاد تشكو تخمة لكثرة المتعلمين فيها. ولكن الحقيقة التي لا تنكر هي أن نوع العلم الذي عرفته البلاد لحد الآن لم يكن بالنوع الذي يؤول إلى رفاهيتها ورقيها.


إن وجود المدارس والكليات والجامعات في هذه البلاد مدة تكاد تقارب القرن الكامل كان يجب أن يؤول إلى بناء المجتمع القومي على أسس الفن والإختصاص ليجاري مجتمعات العالم الراقي.


ولكننا نلتفت حولنا فنجد نتيجة المؤسسات العلمية غير ما ذكرناه. نجد أنها خلقت في البلاد طبقة جديدة مستثمرة غير منتجة ذات سلوكية فردية عقيمة لا تحس عندها بحاجة المجتمع ولا إرادة واضحة للإصلاح ولا همة تدفعها إلى تغيير شيء من فساد النظام القائم.


وليس يلام الشعب إذا شعر ببداهته أن اكثار هذه الطبقة الطفيلية ليس بالغاية التي يتوق إليها وأن قضية خلاصه ورقيه سوف لا تخرج من أبواب الجامعات والكليات قبل أن يجري على نظام التهذيب القومي تغيير أساسي.


إن الروحية التي سيطرت على برامج التهذيب في بلادنا كانت على الغالب الروحية الطائفية وهي إذا قيست بالنظرة القومية كانت غير شاملة وغير مقتصرة أي أنها تخرج عن نطاق الأمة ولا تشمله. وقد حالت هذه الفردية المتبلبلة إلى مستوى القومية التي تتمثل فيها المصالح الأساسية في الحياة.


أما المؤسسات التي خرجت عن نطاق الطائفية فقد استعاضت عنها نظرة لا قومية Cosmopolitan وهذه النظرة إذا نجحت في تخفيف حدة العصبيات المذهبية، وهذا مشكوك فيه، فهي لا تنجح في إقامة المثال الأعلى الإيجابي لنشاط الأفراد. وهكذا ظلت الفردية حتى في خريجي هذه المؤسسات هي المسيطر المطلق.


إن البلاد اليوم تجاه ما تأمله من إنشاء نظام اقتصادي اجتماعي راقي هي أحوج ما تكون إلى رجال العلم رغم هذه التخمة الكاذبة من المتعلمين وسر هذا الفقر هو أن هناك مزيتين إذا فقدتا من المتعلم كان علمه عبئاً على مجتمعه. أولاً: الإختصاص الفني وثانياً الروحية الاجتماعية. وهاتان المزيتان لا يمكن لهما أن تنشأ قبل ظهور الوجدان القومي وضوح الشخصية القومية.


فالتخصص مزية للمجتمع لا للفرد أو هو ظاهرة اجتماعية تظهر من تلقاء نفسها عند بلوغ المجتمع إلى مستوى معين من تطوره. ولا معنى لتخصص الفرد في مجتمع هو دون مستوى التخصص، ومن الطبيعي أن الصفة لا يمكن أن تسبق الموصوف فيجب أن تتبلور شخصية المجتمع وتتولد الروحية الاجتماعية وإذ ذاك يتجه المجتمع نحو هذه الغاية التي لا يمكن أن يدركها الأفراد.


أما الروحية الاجتماعية أو المثال الأعلى القومي فيجب أن يقوم على أساس المصلحة القومية. إن جميع المثل العليا الانسانية لا تتحقق ما لم تقترن بمصلحة واضحة. كلنا نرغب في إقامة العدل بين الناس ولكن ليس فينا من يدفع نفقات المحكمة التي تقيم العدل إلا متى كان له مصلحة فيها. لهذا السبب لا تنتصر المثل العليا القومية على المثل اللاقومية.


إن وجهة النظر القومية يجب أن تصبح المحور الأساسي في برنامج التهذيب القومي وهذا التطور يؤول بطبيعة الحال إلى إقامة النظام العلمي المنتج الباني.



النهضة: رأي النهضة، العدد 7 في 21 اكتوبر 1937.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه