شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1940-02-10
 

ســـلاحـا الحـرب بين الحـزب السوري القومي واعداء الأمة 2/2

أنطون سعادة

...

وان الاصطدام بين الحزب السوري القومي وفرنسة سببه الدعاوة الفرنسية ومحاولة تثبيت السلطة الفرنسية في سورية وإخضاع جميع مصالح سورية السياسية والاقتصادية لسياسة فرنسة. فالحرب بين الحزب السوري القومي وفرنسة وبريطانية ليست قائمة على أساس تفضيل وجود دول أخرى في سورية بل على أساس حق سورية في الحياة ورفض الحركة السورية القومية الخضوع لسلطة أجنبية ومقاومتها لكل محاولة يقصد منها هضم حقوق حياتنا القومية وملاشاة مصالحنا السياسية والاقتصادية. ولكن السياسة الفرنسية التي رمت إلى ملاشاة كل أساس قومي للحياة السورية وإخضاع سورية إخضاعاً كلياً لسياستها وسيادتها لم تشأ الوصول إلى أي تفاهم مع الحزب السوري القومي على هذا الأساس وفضلت أن تأول موقف الحزب من سياستها الاستعمارية كأنه عمل لمصلحة دولة أجنبية أخرى فأوعزت إلى مأجوريها العلنيين والسريين بإعطاء حركة الحزب السوري القومي هذه الترجمة. بناء على هذا الاتجاه الذي اتخذته السياسة الفرنسية في صدد الحركة السورية القومية، عادت نغمة "العلاقات الأجنبية" إلى أروقة دار العدل في أثناء الاعتقالات الثانية فأوعز النائب العام اللبناني إلى صحف بيروت أن تنشر أخبار ثبوت "علاقة الحزب بإيطالية". فنشرت بعض الصحف خبراً ملفقاً مفاده أن رجال التحقيق عثروا على وثائق تثبت "علاقة الحزب بإيطالية" وان هذه الوثائق عرضت على الزعيم عند المستنطق "فسكت وأطرق" ولم يبق شك في أن الحزب يعمل للسياسة الإيطالية. ولكن نشر هذا الخبر أدى إلى اتخاذ القنصلية الإيطالية في بيروت موقفاً شريفاً فتوجه القنصل في اليوم التالي لظهور هذه الإشاعة، إلى المفوضية الفرنسية وقدم احتجاجاً على هذه الأكاذيب وطلب إظهار صحة ما تدعيه أو تكذيبها فجرت مخابرات حادة بين المفوضية ورئاسة "الجمهورية اللبنانية" والنيابة العامة المركزية. واضطرت النيابة العامة لتكذيب الخبر. وقد اختارت السياسة الفرنسية، في ذلك الحين، أن تري الحزب السوري القومي بأنه صنيعة إيطالية، لأن التضارب السياسي الشديد كان في ذلك الوقت بين فرنسة وايطالية بسبب بروز المطامح الإيطالية في المتوسط. وكان التضارب شديداً إلى حد أن الدبلوماسية البريطانية التي وصلت إلى تفاهم مع إيطالية لم تتمكن من التقريب بين وجهتي نظر ايطالية وفرنسة. أما الآن، فبوجود ايطالية على الحياد في الحرب الحاضرة، تجد السياسة الفرنسية أن تغير النغمة الايطالية وتضع في محلها النغمة الألمانية. ففي الاعتقالات التي حصلت منذ بضعة أشهر وأحالت عدداً من أركان الحزب السوري القومي ورجاله البارزين إلى التحقيق العسكري أوعز إلى الصحف أن تنشر أخباراً عن معلومات وهمية "تثبت علاقة الحزب بالدعاية الألمانية". فنشرت صحف الوطن الخبر التالي:

"تقوم مديرية الأمن العام في المفوضية العليا بتحقيقات واسعة النطاق تحت إشراف المستنطق العسكري في قضية الحزب السوري القومي. "ويظهر أن المعلومات التي حصل عليها المستنطق العسكري دلته على أن أموالاً طائلة ارسلت إلى أركان الحزب كما وأن وثائق خطيرة عثر عليها التحقيق تثبت علاقة هذا الحزب قبل الحرب الحالية بالدعاية الألمانية".

ومن قابل هذا الخبر على خبر "صوت الأحرار" الأول خصوصاً على خبر "الهدى" المذكور آنفاً تبيّن له أنه ليس سوى تنقيح وتحوير للأخبار السابقة الملفقة تلفيقاً واضحاً، لا يخفي القصد منه. النغمة هي هي : "المعلومات والوثائق الخطيرة التي عثر عليها التحقيق" وحتى الآن لم تتمكن محكمة عسكرية أو غير عسكرية من نشر نص ولو مختلف لاحدى هذه "الوثائق الخطيرة" وهو يخبط في ضلال خبط عشواء. ولا يمكن من هو غير خبير بتكنيك الإذاعة أن يرى في بساطة عبارة هذه الأخبار الملفقة الغرض المستور التي رمت إليه "المصادر العالية" التي تستقي منها جريدة "البشير" وجريدة "الهدى" وأحزابهما معلومات من وراء ايعازها بنشره. ففي هذه الأخبار البسيطة عبارات خطيرة مرسلة بصورة طبيعية لا يمكن القارئ العادي التنبه لخطرها كعبارة "الاتصال بدولة أجنبية" وعبارة وجود "علاقة للحزب بإيطالية أو ألمانية" او بالفاشست أو النازي. كأن كل علاقة، مهما كان نوعها، أكانت لخير القضية القومية أو لضررها، هي أثِم يجب الحكم على مرتكبه. فواضح من الأغراض البسيكولوجية لعبارة هذه الأخبار المترادفة توليد حالة نفسية في الشعب تحمله على تجنب كل اتصال بالعالم وتحكم عليه بالانعزال والجمود والتسليم للدولة المستعمرة التي لا يجوز في عرفها، أن يكون لسوري علاقة إلا بها هي وحدها. وهذا الغرض المستور وراء تلك العبارات البسيطة لا يمكن أن يصدر عن بعض المتعيشين بواسطة الصحافة إلا عن بلاهة لا حد لها وتجرد كلي من كل ذكاء وكل فطنة. "والمصادر العالية" التي صاغت هذه العبارات نظرت إلى المستقبل وأدركت أنه بنمو حركة الحزب السوري القومي سيصبح قوة سياسية لها وزن انترنسيوني. وإن نشأة الحزب الاستقلالية تجعله حراً غير مقيد بدولة أجنبية معينة ولذلك فهو يستطيع أن ينشىء العلاقات الانترنسيونية التي يراها في مصلحة قضيته من غير الاضطرار لجعل هذه العلاقات مع الدولة "المنتدبة" والاقتصار عليها.

ان "العلاقات" مع الدول الأجنبية يمكن أن تكون موضع شك كبير وتأمل عميق في المآرب المنطوية عليها، كما في علاقة يوسف السودا بإيطالية وعلاقة أميل اده وخير الدين الأحدب بفرنسة وعلاقة حقي العظم بفرنسة أو بتركية وعلاقة جميل مردم والشهبندر الواحد بفرنسة ثم بتركية والأخير ببريطانية ثم بتركية. ولكن متى كانت هذه العلاقة من جانب دولة منظمة كالدولة السورية القومية ومبنية على أهداف هذه الدولة وخططها السياسية ومسجلة جميع تفاصيلها في سجلات هذه الدولة، كانت أمراً واضحاً لا غش فيه ولا مجال للشك والتأويل. وأن رجلاً كزعيم الحزب السوري القومي يعرف حقيقة المسؤولية التي يتحملها ورجالاً كرجال الحزب السوري القومي يحافظون على عقيدتهم وخطتهم حتى الموت لا يمكن أن يتنازلوا عن غايتهم المقدسة ولا أن يكونوا موضع شك، لأن جميع أعمالهم تسجل عليهم في مؤسسات المنظمة القومية وقد برهنوا في جميع المواقف أنهم لا يتهربون من مسؤولية عمل قاموا به أو قول قالوه إذا كانت الإذاعة الفرنسية – البريطانية تعتقد أنها بمثل هذه العبارات الإذاعية تحمل الحركة القومية على الانعزال عن العالم والارتماء في هاتين الدولتين فهذا دليل على أن خبراء هاتين الدولتين لا يزالون يجهلون التطور العظيم الذي أحدثته النهضة القومية في النفسية السورية التي لم يعد من الممكن تطبيق أساليب النفسية الشرقية عليها. ويمكن السياسة الفرنسية أن تعلم أنه إذا اتفقت مصالح الحركة السورية القومية ومصالح ألمانية أو ايطالية أو روسية أو اليابان فلن تحجم إدارة هذه الحركة القوية المنظمة عن ايجاد العلاقات الانترنسيونية التي تكون في مصلحة الأمة السورية وضرورية لجعل حقوقها القومية محترمة.

ويحسن بالسياسيين الفرنسيين أن يعلموا أنهم هم الذين رفضوا أن تتفق مصالح سورية القومية ومصالحهم برفضهم الاعتراف بالشخصية السورية القومية وبحق الأمة السورية بالحياة الحرة والسيادة القومية. وما زال هذا شأن السياسة الفرنسية وشأن السياسة البريطانية – اليهودية فلن يمنع الحركة السورية القومية من ايجاد العلاقات الانترنسيونية الضرورية لمصلحة سورية ارهاب او اضطهاد. ان الهجوم المعاكس الذي تقوم به العناصر المعادية لنهضة الأمة السورية بواسطة هذه المثالب التي تمثل عقليتها وسلاحها سوف يكون نصيبه الفشل التام. وستظل الحركة السورية القومية مهاجمة إلى أن يتم لها النصر وتعيد إلى الأمة السورية حقوقها المهضومة.


تمت


سورية الجديدة، العدد 51 في 10 شباط 1940.



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه