شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1924-10-10
 

الفاتح العربي الجديد جزء 4

أنطون سعادة

العاصفة بعد السكون

إن الانفجار الحربي الذي حدث في أوروبا سنة 1914 بلغ بلاد العرب كما بلغ غيرها من بلدان الغرب والشرق فتشنجت نجد تشنجاً غريباً ورأى السلطان عبد العزيز الفرصة سانحة لضرب عدوين لدودين في آن واحد وهذان العدوان كانا آل الرشيد والأتراك.

إن العرب لم يحبوا مطلقاً الأتراك الذين استولوا على بلاد العرب وكانت لهم السيادة الاسمية عليها منذ سنة 1517 في حين أن سيادتهم الفعلية لم تمتد إلى أبعد من بضعة أميال من الشاطئ فلما استعرت نار الحرب أعلن السلطان عبد العزيز انحيازه إلى الحلفاء وإلى بريطانيا على الأخص وابتدأ يضطهد الأتراك وآل الرشيد الذين انحازوا إليهم.

وبينما ابن السعود آخذ في إجراءاته ظهرت في الجانب الغربي البعيد من بلاد العرب حركة تشابه حركته قام بها الحسين بن علي وابنه فيصل فإن الحسين الذي كان حينئذ أمير مكة منذ سنة 1908 أعلن هو أيضاً انحيازه إلى بريطانيا فبعث إليه البريطانيون الكولونل لورنس الشهير بتعليمات من مصر فقابل هذا الكولونل الأمير فيصل ووضع معه اتفاقية متينة في الغرب.

وكان لبريطانيا على شاطئ خليج العجم من الجهة الشرقية لبلاد العرب قبطان اسمه شكسبير فأرسلت بريطانيا هذا القبطان إلى ابن السعود بمهمة كالتي عهدت بها إلى الكولونل لورنس مع الحسين وبين ابن السعود والحسين وجد الأتراك وآل الرشيد أنفسهم بين نارين آكلتين.

اشتهار الحسين أكثر من ابن السعود صدفة

إن تاريخ ابن السعود أظهر أن السلطان أفضل من الحسين في كل شيء فهو له سيرة حقيقية قد تبدو للحسين رواية خيالية لغرابتها ولكن حادثة صغيرة لم يعبأ بها ابن السعود أو غيره جعلت الحسين يتقدم عليه في مجال السياسة عند الدول الأوروبية.

يعود تاريخ الحادثة المشار إليها إلى الرابع والعشرين من يناير سنة 1915 وهو اليوم الذي اشتبك فيه ابن السعود بمعركة فاصلة مع ابن الشريد ففي تلك المعركة حدث أن القبطان شكسبير الذي تعين من قبل بريطانيا لإرشاد ابن السعود قتل أثناء قيامه بمهمة خصوصية فكان لهذه الحادثة تأثير كبير على ما جد بعد ذلك من الحوادث لم يكد ينتبه إليه أحد.

كان من وراء هذه الحادثة أن ابن السعود خسر ساعده الأيمن بل عضده الوحيد في المخابرات الدولية أثناء الحرب وبعدها في حين أن الحسين وابنه فيصلاً كانا يجنيان من وراء أعمال الكولونيل لورنس الثمار الشهية التي انتهت باستقلال الحجاز وملكية الحسين فيه وملكية ابنه فيصل في سوريا أولاً والعراق ثانياً وآخراً ولا يزال صدى أعمال الكولونيل لورنس الشهير في سبيل قضية الحسين في مؤتمرات أوروبا يرن في آذان العالم إلى اليوم، بيد أن ابن السعود لم يبال بهذه الخسارة ولا ندري إذا كان ذلك بقصد أو بغير قصد وظل يحارب بحماسة شديدة حتى تمكن من الانتصار على الرشيديين انتصاراً نهائياً وإخراج الأتراك من قسمه في بلاد العرب.

في تلك الأثناء كان الأمير فيصل والأمير عبد الله يقودان بتدريب الكولونل لورنس جيشاً عربياً آخر من رجالهما وأخذا يدفعان الأتراك شمالاً على امتداد البحر الأحمر فأخلى الأتراك لقوات الحسين المذكورة جدة ومكة والطائف وهكذا خرج الأتراك من بلاد العرب كلها، فلما دحر الجنرال اللنبي الأتراك نهائياً في الشمال البعيد في فلسطين أمنت بلاد العرب على تحريرها نهائياً من الأتراك وأصبحت بلاداً حليفة للحلفاء.

كان الحسين عند ذلك الأقرب إلى إجراءات الحلفاء ولذلك عرف عندهم أكثر من غيره فنال من وراء ذلك بفضل مساعدة الكولونل لورنس حصة الأسد من الغنيمة فاستقل بالحجاز واعترف الحلفاء به ملكاً عليها أما فيصل فعين ملكاً لسوريا كما نعلم ثم عين بعد خروجه منها فاشلاً ملكاً على العراق وهو باقٍ هناك إلى اليوم.


.... للبحث صلة،

"المجلة" السنة العاشرة، اكتوبر 1924




 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه