شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2008-03-24
 

الشاعر المهاجر نبيه سلامة

لبيب ناصيف

لم يكن شاعراً ملهماً فقط عندما تعرفت عليه عام 1976 في جريدة " الأنباء " حيث كان يحرر الصفحة الأدبية فيها ، إنما كان عملاقاً - هو القصير القامة - في أخلاقه وسخائه وفي ترفعه عن الصغائر ، وقلعة شامخة من الإنسانية السمحاء والوطنية الصادقة .

        ما رأيته يوماً إلا والابتسامة على ثغره ، يستقبلك بالطيبة والبشاشة والاحترام ، وما سمعته يوماً يتناول أحداً ، حتى ولو أساء إليه مدفوعاًَ بالحسد والضغينة ، وهو الشاعر فوق كل منبر وفي كل مناسبة .

        وعملت في " الأنباء " مديراً لتحريرها ، تلك الجريدة الرائدة في البرازيل التي كان أصدرها الأديب والشاعر والصحافي عبد اللطيف اليونس ثم اشتراها منه العام 1974 الروائي والمؤرخ الأمين نواف حردان ، أمير الرواية التاريخية عن حق وجدارة ، والذي وافته المنية أواخر العام 2000 بعد أن كان طلّق اغترابه وعاد نهائياً إلى الوطن في العام 1992 . وطوال تلك السنة التي أمضيتها في البرازيل 1976-1977 وجدت فيه الإنسان الفذ ، كما الشاعر المحلّق ، ثم التقيت به ثانية العام 1983 فإذا به كما عرفته ، رغم تقدمه بالعمر ، ذلك المحب ، المتمتع بروح الشباب والنكتة الحلوة ، الرائع المعشر ، الدافئ اللسان ، المحدث اللبق والشاعر الذي تنحني له المنابر .

        وإني لا أنسى ذلك اللقاء الرائع الذي جمعه بالبطريرك الأرثوذكسي اغناطيوس هزيم عندما زار البرازيل ، فقد رأيت سيادة البطريرك يحتضن شاعرنا المسنّ ويقبله ويهتف له بحب وتقدير : يا معلمي ، فقد كان الشاعر نبيه سلامة أستاذاً للبطريرك هزيم في فترة طفولته في بلدته محردة .

        كما أني لا أنسى تلك القصيدة التي أهداها الشاعر الكبير إلى ابنتي إيلينا عندما ولدت في البرازيل ونشرها في جريدة " الأنباء " ، وقد بدأها بالأبيات التالية :

روض الحياة اخضوضلا

لما نمـت فيـه " هلا " (1)

بزغـت وفـي قسماتها

نـور أضـاء المنزلا

يا صرخة الطفل الوليد

                        كلحن أجـواق العلـى

صوت أرق من النسيم

                        بكـل سمـع جلجـلا

 

كان المبشر بالوليدة

                        كي  تحقق  مأمـلا

فهي  القرار  لوالـد

                        ولامها  خير  الحلى

ما كان أجمل ساعة

                        رقص الفؤاد  مؤهلا

والأنس في هميانه

                        بلغ القلوب  وغلغلا

في كل نفس فرحة

                        تجلو الظلام الأليلا

               *       *      *

        فمن هو شاعرنا الكبير نبيه سلامة ؟

- هو إبن نقولا سلامة ونبيهة قزما سلامة . ولد في مدينة حمص بتاريخ 4/3/1908 . دخل المدرسة للمرة الأولى عام 1919 إذ أن الحرب كانت قد عطلت المدارس . في الفترة 1925 – 1927 عمل مراسلاً لكل من جريدتي " ألف باء " الدمشقية ، و " لسان الحال " البيروتية . وكان قد حصل على شهادة أهلية التعليم ، وعلّم في كل من محردة ، حماه ، دمشق وحمص . ثم اشترك مع فريق من أدباء حمص في إصدار مجلة " البحث ". كما أصدر رواية " جاكلين أو لذائذ الانتقام " .

        في عام 1935 غادر إلى البرازيل واستقر في أكبر مدنها سان باولو حيث عمل محرراً في جريدة " الرابطة الوطنية السورية " التي كان يرأس تحريرها العلامة الدكتور خليل سعاده واستمر إلى ان أغلقت الحكومة البرازيلية جميع الصحف الأجنبية أثناء الحرب العالمية الثانية .

        في الفترة 1940-1946 عمل في التجارة الثابتة في سان باولو . وبعد أن تعرض محله لحادث أدى إلى احتراقه ، انتقل إلى بلدة " رانشاريا " في داخلية البرازيل .

        وعام 1956 تزوج وأنجب ولدين : سولى تيمناً بعمته الأديبة المعروفة سلوى سلامة أطلس ، وسامي .

        عام 1964 اشترك بـتأسيس " جامعة القلم " بعد غياب العصبة الأندلسية عن الساحة الأدبية المهجرية .

        عام 1967 استقر مجدداً في سان باولو ، وبدأ يراسل جريدة " حمص " وينشر في رسائله إليها أخبار المغتربين منها ، وقد استمر يراسلها متطوعاً حتى آخر سنين حياته ، ثم حرر في مجلة " المراحل " من العام 1967 حتى العام 1970 ، وفيه أصدر كتاباً عن الأديب داود شكور .

        بدأ عمله مع الأستاذ عبد اللطيف اليونس في جريدة " الأنباء " في العام 1970 واستمر مع الأمين نواف حردان بعد أن انتقلت إليه ملكية الجريدة في العام 1975 حتى العام 1979 وكان يتولى أمانة سر تحريرها ومسؤولاً عن الصفحة الأدبية .

        عام 1971 قام الشاعر سلامة بزيارة إلى وطنه بعد غياب طويل ، فأقام له أدباء حمص وشبابها حفلاً وداعياً في مقصف " الغاردينيا " في ختام زيارته ، ألقى فيها قصيدته " زفرة وداع"، قبل ذلك كان ألقى قصيدة بعنوان " عودة مهاجر " في حفل الاستقبال الذي أقامه له " نادي الرابطة الأخوية " في حمص .

        أصدر عام 1973 ديوانه " أوتار القلوب " الذي ضم قصائده الرائعة .

        ساهم في تأسيس " عصبة الأدب العربي " مع الأديب المؤرخ الأمين نواف حردان والشعراء الرفيق شفيق عبد الخالق ، الرفيق فارس الحاج بطرس ، الشيخ شكيب تقي الدين ، إبراهيم سلمان ، أنطون لاذقاني ، الرفيق عبد الكريم صبح ، خليل العقدي ، الرفيق يوسف المسمار ، محمد ناصر وغيرهم . وانتخب في إحدى الدورات رئيساً لها لمدة سنتين .

        زار الوطن مرة ثانية في العام 1985 .

        وافته المنية في أواخر العام 1993 ونشرت صحف النهار ، السفير ، والديار خبر نعيه كما أقامت له عصبة الأدب العربي في البرازيل حفلة تأبينية كبيرة في المركز الثقافي السوري في سان باولو افتتحها رئيس فياراب البرازيل الدكتور رزق الله توما كلمة بالبورتغالية، ثم عرّف الاحتفال الأمين الدكتور فادي عبد الخالق وتوالى على الكلام خطابة وشعراً كل من الأدباء والشعراء الشيخ شكيب تقي الدين ، الرفيق شفيق عبد الخالق ، إبراهيم سلمان ، الرفيق شريف إبراهيم ، أنطون لاذقاني ، رفول باخوس ، طوني أشمر ، الرفيق عبد الكريم صبح واختتم الاحتفال التكريمي مدير المركز الأستاذ تميم دعبول مشيداً بمناقب الشاعر الكبير ، ووطنيته ، وشاعريته المميزة .

        وفي أيلول عام 1994 أصدر الأستاذ مدحت عكاشة عدداً خاصاً من مجلته " الثقافة " عن المرحوم الشاعر الكبير نبيه سلامة ، من محتوياته :

حفلة تأبين للشاعر الكبير نبيه سلامه          أسرة الثفافة                

الخالدون                                       رئيس التحرير            

الشاعر المهجري الكبير نبيه سلامه           نعمان حرب                

كلمة عريف الحفل                            د. فادي عبد الخالق        

غاب النبيه – شعر                            إبراهيم سلمان            

الشاعر نبيه سلامه                            د. عبد اللطيف اليونس   

رثاء نبيه سلامه – شعر                               شفيق عبد الخالق         

الشاعر نبيه سلامه                            نواف حردان             

الغائب الحاضر – شعر                               طوني يوسف اشمر      

وداعاً أيها الشاعر                             أسعد زيدان              

رثاء الشاعر نبيه سلامه – شعر                       شكيب تقي الدين          

وردة ذات لون حار                            شريف إبراهيم           

قف في ربى حمص – شعر                   عبد الكريم صبح         

كلمة الشاعر الأستاذ أنطون لاذقاني

الشاعر المهجري الكبير نبيه سلامه           سميرة رباحية طرابلسي          

بيبلوغرافيا الشاعر نبيه سلامه                 يوسف عبد الأحد

مقتطفات من شعر نبيه سلامه                

مغنى الأماني                                  نبيه سلامه            

منارة الإلهام                                   نبيه سلامه            

*      *      *

        لم يكن الشاعر نبيه سلامة عضواً منتظماً في الحزب السوري القومي الاجتماعي ، إنما كان صديقاً له ، يشارك في مناسباته ، وكثيراً ما ألقى فيها قصائد وطنية ، منها قصيدته في احتفال أقامه فرع الحزب في سان باولو – البرازيل ، في الأول من آذار ، ذكرى ولادة زعيم الحزب أنطون سعاده، وهي التالية :

" شق الطريق واشعل القنديلا

ولد الزعيم فكان مولد فكرة             بزغت تشق إلى المراد سبيلا

فتقبلتها أنفس عطشانة                  عرفت بها أملاً يبل غليلا

هي فكرة وطنية لا ترتضي            أن يهضم الوطن الأصيل دخيلا

تدعو ليقضي في البلاد رجالها         أيكون مغتصب الحدود وكيلا

وتريد شعباً واحداً وموحدا              ليعيد عهداً للبلاد جميلا .

                                 *

وقضى الزعيم ولم تغب أنواره         ضل الذي حسب الكسوف أفولا

فتناولت منه الرسالة فتية                       وقفت عليها عزمها المفتولا

وتمركزت بين القلوب تصونها         حرس أبت أن ترهب التهويلا

لم يقصف العسف البغيض قناتهم       حملوا العذاب كحملهم إكليلا

*

ساروا بتوجيه الزعيم كمؤمن          يتأبط القرآن والإنجيلا

قاموا بتمثيل الرسالة حسبما            يقضي الوفاء ، وأحسنوا التمثيلا

ومتى دنا عهد القطاف وحققت         تلك الجهود المقصد المأمولا

سيخلد التاريخ أعمال الذي             شق الطريق واشعل القنديلا    "

 

        وفي مناسبة أخرى ، عام 1968 ، ألقى الشاعر سلامة قصيدة في حفلة تكريمية أقامها النادي الحمصي احتفاءً بالزيارة التي قامت بها الأمينة الأولى جولييت المير سعاده إلى البرازيل ، جاء فيها .

        " سلم البيت كيف صان  جماله

                        أن يغب كوكب أضاء  مثاله

        منزل كالرياض.. خصبا وطيبا

                        باسق  النخل  سادراً  ظلاله

من تكنى باسم " السعاده " يوما

جابه  الليل  حاملاً  مشعاله

حملت وحدها الصليب  وساما

عندما أرهف العتي  نصاله

لم يزعزع إيمانها الحر سجن

واستمرت   قوالة   فعاله

يا  فتاة  الجهاد  فاتك   خدن

كان بدراً وكنت للبدر هاله   "

 

شذرات من شعره

 

جئت مثل المسيح تعمل                       خيراً حاملاً في الغياهب المصباحا

كان عيسى في جبهة الدهر فجراً               وأتى أحمد فكان المصباحا

*

أهوى بلادي ولا انسى مودتها          وامحض الحب في سري وفي علني

يا ليته لم يكن يوم ولدت به            إن لم أقم هاتفاً لبيك يا وطني

*

لا تقل أمراً وتنفيه غداً                 خجلاً أو رهبة من شرس

لا تكن حرباء في ألوانها                       وإذا جرعت مراً فاحش

كن أبيّ النفس لا تخشى الردى         وانطق الحق وإلا فاخرس     

*

من شاد موطنه على                   جهل كمن في الرمل شاد

ويل لمن عصب العيون                       وعاش مسلوب الفؤاد

يجد الظلام صبيحة                     والصبح مشتد السواد

 

                      *            *  *

 

لم يبق مني سوى رسمي فأتركهُ

                        لعلّه   ناقلٌ  بعضي   لأحبابي

والخير في الرسم صمتٌ لا يفارقه

                        فليس يُدرك من يحظى به مابي

                      *            *  *

ما غابت الشمس أو لاحت لمغترب

                        إلا لتنقل   عن أوطانه    لمعا

يحيا   المهاجر   والذكرى   تؤرقه

                        ولا تهادنه   إلا    إذا    رجعا

يا للغريب وقد شاخت عزيمته

                        ماذا استفاد من المال الذي جمعا

هب الدراهم ردت بعض صحته

                        فمن يرد له الأيام   والجمعا

                      *            *  *

1. كان جدها الاستاذ نواف حردان ، الأديب والروائي والمؤرخ ، يناديها بـ " هلا " .

 

قالوا عنه

يورد الأمين نواف حردان في كلمته عن الشاعر الراحل نبيه سلامة التالي :

" كان على حاجته الدائمة ، ابياً مترفعاً عزيز النفس ، يأبى بكرامته أن تمتهن ، مترفعاً في تواضع ، كريماً جوادا معطاء ، لا تدري شماله ما تعطي يمينه ، يظلم نفسه ليعين سواه إذا كان محتاجاً يشكو حاجته .

        حدثني عن هذا صديق له قال :

        كان قد قبض راتبه الشهري ذات مرة ، عندما رأى إمرأة فقيرة ، تبدو على محياها مظاهر العوز والفاقة والجوع ، تجر طفليها الهزيلين ، تتقدم منه وتطلب منه مساعدة بذل وانكسار ، فأعطاها نصف راتبه ، أمام دهشتي واستنكاري ذلك منه ، وعندما سألته :

-       كيف تفعل هذا وأنت في حاجة ؟

أجابني :

    - الله بيدبرني ، أما هذه المرأة فقد تناساها الله والناس معاً .. "

 

 

 

الأديب الدكتور عبد اللطيف اليونس

" يمتاز شعره بالرقة والسلاسة.. ونعومة الكلمة ، وحلاوة اللفظ ، وعمق الفكرة ، وجمال الصورة .

والشعر.. إنما هو كلمة قبل أن يكون معنى وديباجة ، قبل أن يكون فكرة وصورة ، قبل البحث عما تتضمنه الصورة..

نبيه سلامة شاعر مترف العاطفة ، منطلق الخيال ، وقد وقف شعره - أكثر شعره – على الحنين إلى الوطن ، والتغني بمناظره الفاتنة ، وأمجاده الخالدة ، وروائعه التي لا حد لها " .

 

الأديبة نهاد شبوع

" مالت شمس الفقيد الغالي إلى المغيب بعد أن شعت خيوطها وخطوطها ألواناً ودفؤها في فضاء الوطن وآفاق الانتشار سنوات خصيبة .. إلى أن انقطع آخر خيط لها مع الحياة في شهر كانون الثاني 1994 .

ولم يكن سفر هذه الشمس في متاهات الأرجاء ليحول دون رجوع ضيائها إلى النبع الأم حيث انبثقت وترعرعت وأشرقت ليكون رقادها – الأخير – في مغنى الأماني " حمص " وفي عيون أبنائها وطي ضلوعهم ، وانتظارهم وتأريخ أشواقهم ، إذ لا بد من حمص " لنبيههم " مهما طال السفر وابتعد الترحال ، تماماً كما لا بد من حمص لكوكبة أمثاله لم نذق أن نزرع فوق قبرها ياسمينة حمصية واحدة، كم تمنتها يوماً .

 

نشرت في مجلة " البناء – صباح الخير " العدد 1096 .

 


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه