إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

خطاب أول آذار 1938 الجزء الأول

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1938-03-01

إقرأ ايضاً


ما كاد الحزب السوري القومي يصبح كائناً حياً ويستكمل شروط كيانه حتى تعرض كما تتعرض له كل الكائنات الحية من اختبارات طبيعية وتجارب نفسية روحية. وهي اختبارات وتجارب ضرورية لمعرفة مواهب هذه الكائن الحي الجديد وخصائصه وللتثبت من بنيته هل هي قوية تصلح للبقاء أم ضعيفة تتفكك لأول صدمة ومن روحيته هل هي سليمة أم فاسدة لا تحقق شيئاً من عقيدته هل هي صحيحة تعبر عن فهم صحيح لحاجة أمة حية أم مخطئة لا تعبر إلا عن أوهام شخصية. وبعد هذه الاختبارات العنيفة وهذه التجارب الدامية التي لا تزال أنغام أغلالها وأصفادها ترن في آذاننا إلى اليوم وستظل ترن في آذان أجيالنا الآتية ليفهم الأحفاد قيمة حياة الأمة ومصالحها وما كلفت من حياتنا نحن الذين نصبح إذ ذاك جدوداً، بعد جميع هذه الاختبارات والتجارب يحسن بنا أن نقف في هذه المرحلة الأولى لنلقي نظرة على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ونعين بالضبط مركزنا بالنسبة لهدفنا ولما حولنا.

إن الاختبارات والتجارب التي مرت بالحزب السوري القومي وهو بعد في مهده كانت اختبارات وتجارب عظيمة فاقت بقسوتها كل الاختبارات والتجارب التي مرت بالكائنات الحية الشبيهة بالحزب السوري القومي. وما خروج الحزب السوري القومي سليماً من هذه الاختبارات العظيمة والتجارب الشديدة سوى الدليل القاطع على قوته التي لا تغلب وعلى جدارته بالبقاء وعلى تفوقه في النزاع العنيف بينه وبين القوات العاملة على قتل الأمة في سبيل حياتها هي.

لم تتعرض أمة لحوادث تاريخية عظيمة ذات تأثير طويل على تاريخها وحياتها كالحوادث التاريخية الجليلة التي ألمّت بأمتنا العظيمة وأبقتها تحت تأثيرها الطويل. فما كادت سورية تعود إلى إثبات شخصيتها ومزاياها على عهد الإمبراطورية الرومانية حتى جاءها الفتح العربي الذي اقتضى تغيير لغتها ثم جاء فتح المغول الذي نكب البلاد وهدم دمشق ثم عقبه الفتح التركي القاهر.

وهذه الحوادث المتعاقبة التي تكون الحروب الصليبية فصلاً من فصولها قطعت المجرى الثقافي الذي كان سائراً وجعلت مصير الأمة معلقاً على تفاعل هذه العوامل وتجاذبها السيادة وأوجدت حالة سادت فيها الفوضى الاجتماعية والاقتصادية فاضطرب سير العمران في هذه البلاد الجميلة التي التقت فيها الجحافل المتطاحنة الزاحفة من الجنوب ومن الشمال ومن الغرب في طور من أطوار التاريخ الكثيرة الحوادث الخطيرة وتضعضعت العقلية تحت ضربات الحروب والفتوحات فضاعت المعنويات السورية التي قامت بالثورات العمرانية الثقافية الكبرى وزرعت المدن البحرية في جهات المتوسط وحملت إلى جميع شواطئه فنون الحضارة السورية وامدت الإغريق بالأساطير الفلسفية والفلسفات، ووضعت أسس التمدن الحديث وانحدرت الأمة في مهاوي الخمول قروناً متطاولة.

كان من وراء هذه الأطوار القاسية التي مرت بالأمة أن الفضائل الكبرى التي امتازت بها أمتنا وانبثق منها فجر التمدن غارت تحت أطباق الخراب والانحلال القومي وحلت محلها خصال غير جديرة بإنهاض الأمة من كبوتها. وتبع ضياع المعنويات ضياع الشخصية القومية ومصالحها الكبرى. وأدى التضعضع الاجتماعي إلى التضعضع الاقتصادي الذي ترك نتائج سيئة لا نزال اليوم تحت وطأتها.

....

يتبع



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024