شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1938-03-01 |
خطاب أول آذار 1938 الجزء الثالث |
يظهر مما تقدم أن الحركة التحريرية التي نشأت في سورية وأقطار عربية أخرى تحولت، تحت تأثير عوامل عديدة أهمها العوامل الدينية إلى نوع من الفوضى في النظريات السياسية. وليس أدل على هذه الفوضى من التعابير الكثيرة المختلفة التي وصفت بها هذه الحركة التحريرية ومن محاولة تحويل هذه الحركة إلى قضية اختلط فيها الدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد والحقوق. ويبدو هذا الاختلاط جلياً في "أدب" هذه القضية غير المعينة وغير الموضوعة على بساط البحث الآن. فالذين يتكلمون عن "القضية العربية " ويريدون بها قضية قومية كثيراً ما يتحدثون عن الأقطار العربية والأمم العربية ثم يعودون فيتكلمون عن القومية العربية خالطين بين القومية التي هي شعور كل أمة بنفسها ليست مشتركة بين عدد من الأمم، وبين عصبية دينية أو عرقية أو لغوية. ظل أمر هذه القضية فوضى إلى أن جاء الحزب السوري القومي بنظريته الجديدة العلمية وأوجد قضية "إنشاء جبهة عربية" من أمم العالم العربي التي ترى في إيجاد هذه الجبهة مصلحة سياسية أو اقتصادية لها، فالزم الأشكال معانيها وفرق بين القضية القومية والقضايا السياسية وأحل هذه القضية المعينة، العلمية محل لفظة "القضية العربية" المبهمة المطاطة. فإنشاء جبهة عربية هي دعوة الحزب السوري القومي إلى أمم العالم العربي، التي يهمها الأمر، لتأليف جبهة على أساس المصالح المشتركة المعينة فيما بينهن، فلا تفرض أمة من أمم العالم العربي وجهة نظرها على أمة أخرى ويتم تأليف الجبهة بتفاهم هذه الأمة بواسطة مؤتمر تمثل فيه، لا بتفرد بعض الفئات في بعض هذه الأمم بتعيين "قضية عربية" من عند أنفسهم لم ينظروا من ورائها إلى مصلحة سوى مصلحتهم الخاصة. لم تكن "القضية العربية" الظاهرة الوحيدة للاختلاطات السياسية والدينية في أمتنا في العهد السابق ظهور الحزب القومي، بل نشأت ظاهرة أخرى هي ظاهرة "القضية اللبنانية". يرجع أصل هذه القضية إلى الحوادث الدينية الدموية المعروفة "بحركة الستين" وهي حوادث القتال بين المسيحيين والدروز، التي انتهت بتدخل الدول الكبرى ذات المصلحة في تفكيك السلطة العثمانية وبسط نفوذها على هذه الأرجاء ووضع نظام خاص لجبل لبنان يحصل بموجبه الأمان للمسيحيين المقيمين فيه الذين يؤلفون أكثريته. وقد عفا نظام لبنان اللبنانيين من واجبات الدفاع عن حقوقهم وعودهم الاتكال على الغير في إدارة شؤونهم. وبقاء هذا النظام نحو نصف قرن عود اللبنانيين الكسل وحبب إليهم حالة الاستكانة وجعل قسماً كبيراً منهم يرى فيها المطلب الأعلى للحياة الاجتماعية والسياسية وولد عند الطائفة المسيحية الكبرى التي استفادت من نظام لبنان حب استبقاء الحالة اللبنانية وإيجاد "قضية لبنانية" على أساسها. على أساس هذه الرغبة في إبقاء الحالة الراهنة وتوافق هذه الرغبة مع العوامل السياسية الأجنبية أنشئ لبنان الكبير ثم أعلنت الجمهورية اللبنانية، التي هي كيان سياسي يجد مبرراته في حوادث الاضطرابات الدينية في أواسط القرن الماضي وفي حالة الخنوع التي آل إليها اللبنانيون في ظل نظام لبنان السيئ الطالع. .... يتبع
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |