إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

خطاب أول آذار 1938 الجزء السابع

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1938-03-01

إقرأ ايضاً


هذه الحالة الجديدة التي أوجدها الحزب السوري القومي جعلتنا ندرك جيداً الفرق بين مبدأ كره الأجنبي الغامض ومبدأ الحياة القومية ومصالح الأمة والغرض القومي الجلي.

ليست مبادئكم، أيها القوميون، خطة سياسية يمكن أن يبحث أمر الأخذ بها أو تركها حسبما يبدو للناس من إمكانية نجاحها أو حبوطها. إنها مبادئ قضيتكم التي تمثل شخصيتكم ومصالحكم. إنها مبادئ نهضتكم التي لا شخصية ولا كرامة لكم إلا بنجاحها. إن قضية شخصيتنا ومصالحنا لا يمكن أن تكون خطة أو وسيلة، فهي الأساس الذي نبني عليه كل منشآتنا والمرجع لكل خططنا.

تكفلت القضية القومية بإعادة الثقة والمعنويات الإنشائية " التي امتازت بها أمتنا وقادت بها البشرية منذ بدء الحضارات الأولى إلى تأسيس المدنية الحديثة المنتجة من التفاعل السوري الإغريقي. وهذا القصد هو الذي قصدته من وضع المبدأ الثاني من مبادئ الحزب السوري القومي القائل: "القضية السورية قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل استقلال عن أية قضية أخرى" وقد عنيت بهذا المبدأ أن قضية الأمة السورية قضية يجيء تحقيقها من الأمة السورية ويكون بإرادة الأمة السورية وفاقاً لمصالحها لا بإرادة أمة أو أمم أخرى وفاقاً لمصلحة تلك الأمة أو الأمم. من هذا المبدأ تولدت فينا قوة الثقة بالنفس والاعتماد على النفس في تحقيق مطالبنا ومن هذا المبدأ خرج إيماننا الراسخ بأن سورية تقدر أن تحيا تحت كل الظروف القريبة والبعيدة، مهما يكن من أمر هذه الظروف. إن هنالك فرقاً عظيماً بين المعنويات المتولدة من اضطلاعنا بمسؤوليات مصالحنا وحقوقنا وبين وضع مسؤوليات هذه المصالح والحقوق على الغير أو على اشتراكات واختلاطات تضيع فيها المسؤوليات والمصالح والحقوق كما كان الحال في قضية "استقلال لبنان" وفي "القضية العربية".

بعد أن وضعت مبادئ القضية القومية التي هي مصدر جلاء الأفكار ووحدة العقيدة والاتجاه وأوقفت الاختلاطات السياسية الدينية في المسائل القومية من الوجهة النظرية شرعت في إيجاد الوسائل العملية لتحقيق القضية القومية. ولم تكن المهمة هينة في جو موبوء كجو الحالة المناقبية والأخلاقية السيئة التي أشرت إليها. ولكني وضعت قاعدة أساسية أتمشى عليها وهي البحث عن العناصر الجديدة السليمة وتعليمها المبادئ الجديدة وإفهامها قضية الأمة وتكوين حزب منها ينشأ بمعزل عن الاختلاطات المذكورة آنفاً نشأة صحيحة قوية بمعنوياتها، حميدة بمناقبها، سليمة بروحها صالحة لحمل أعباء القضية وقد توصلت بعد جهد إلى لمس قابلية ثلاثة أشخاص من الشوير إثنان منهم كانا طالبين في الجامعة الأميركانية. وواحد من هذين أرسل إلي كتاباً يطلعني فيه على اهتدائه إلى بعض الطلبة ذوي الإمكانيات، واحد منهم من شرق الأردن والباقون من لبنان، ويسألني الإسراع في العمل. فطلبت منه أن يأتي برفقائه فجاء بهم إلي وكانوا ثلاثة أحدهم جورج عبد المسيح وآخر من شرق الأردن وآخر من لبنان رفيق للأردني. وبعد مباحثتهم وجدت أقربهم إلى فهم الفكرة والقضية جورج عبد المسيح الذي كان طالباً في الاقتصاد. أما الإثنان الأخوان فكانا بعيدين جداً عن فهم القضية لأنهما كانا متأثرين بالاختلاطات السياسية الجارية. وكان الأردني طالباً في علم السياسية ورفيقه طالباً في الأدب. وبعد جدل كثير حول المسائل السياسية تظاهر الأردني بالاتفاق مع رفيقه اللبناني بقبول الدعوة على أساس المبادئ التي وضعتها أمامهم وتظاهرت أنا بأني اقتنعت بصحة قبولهم في حين أن شكوكاً كثيرة خامرتني في صددهما وشبهت للجميع أنني أباشر تأسيس الحزب معهم وانصرفت إلى البحث بنفسي بين طلبة الجامعة الأميركانية الذين كانوا يدرسون الألمانية علي عن العناصر التي أريدها فاهتديت إلى فرد آخر ومعلمين في الاستعدادية والابتدائية، واحد منهم لم يكن صالحاً لحمل رسالة الإيمان ولكني رأيت أن استعين بهذا العدد غير المتجانس على القيام بالاختيار الأول لتأسيس الحزب. وبعد قليل من السير انكشف لنا أن الأردني يراوغ بالاشتراك مع رفيقه فهو ما انفك يتمسك بمظاهر الاختلاطات السياسية بدلاً من الأخذ بجلاء القضية القومية. والآخر ألقى قصيدة في دمشق تثير النعرة الطائفية. وكنت قد استوثقت من نزاهة الآخرين وإخلاصهم فجمعتهم واطلعتهم على رغبتي في طرد الأردني ورفيقه من الحزب. ولما لم يكن قد وضع للحزب دستور رأيت أن يكون الطرد بصورة حل الحزب فدعوت الجميع إلى اجتماع حضره الدجالان وأبديت لهم رغبتي في تأجيل العمل الحزبي إلى أن أكون قد وجدت استعداداً وتفاهماً تاماً بين الذين يرغبون في السير معي وأن عملنا قد انتهى وأن كل واحد حر. وبعد أسبوع أو أسبوعين عدت. فجمعت الآخرين وأعدت تأسيس الحزب منهم سراً وكانوا كلهم نزهاء مخلصين وأكثرهم جدير بالأعمال التعميرية. وبناء على نزاهتهم وإخلاصهم وثقتهم التي أخذت تتزايد بتزايد إيمانهم اعتبرت الحزب السوري القومي قد تأسس نهائياً.

أحببت أن أظهر هذه اللمحة عن واقع إنشاء هذا الحزب العظيم وتوليد هذه النهضة القومية الجبارة لتدركوا مقدار الفساد الذي كان قد تغلغل في المعتقدات والمناقب والأخلاق في مجتمعنا. فمن أربعة أشخاص يجتمعون إلى صاحب الفكرة القومية كان إثنان يعتقدان أن القضية القومية ليست سوى وسيلة سياسية لبلوغ أغراض في نفسيهما ويجيزان لنفسيهما احتقار إخلاص رفيقيهما وسلامة طويتهما ويظنان أن المناقب والأخلاق ليست إلا صوراً شعرية، وهكذا ترون الفائدة العملية الكبيرة من القاعدة التي وضعتها واعتمدتها لتوليد النهضة القومية ومن العمل بموجبها، فإنني لو تركت الفساد يستمر مندمجاً مع الصلاح والجدارة لما كان نمو الحزب سوى تضخم لا يلبث أن ينتهي إلى التفسخ والتفكك. إن عملية تنقية الحزب السوري القومي من العناصر الفاسدة غير الصالحة لحمل الرسالة القومية المجددة ابتدأت مع ابتداء الحزب ويجب أن تستمر ليكون الحزب متينا جديراً بحمل أعباء النهضة القومية.

....

يتبع


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024