إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

خطاب أول آذار 1938 الجزء الحادي عشر

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1938-03-01

إقرأ ايضاً


ثم زرت منطقة الشوف التي يجري فهيا نزاع شديد بين الحركة القومية ونفوذ الإقطاعيين، وكان للحزب السوري القومي في الشوف موقف باهر بعظمته تجاه القوى المسلحة التي لم يكن لقدومها مبرر، وتلا زيارة منطقة الشوف الاستقبال الكبير في بكفيا الذي يكون في حياة الحزب نقطة تاريخية. في بكفيا ظهرت متانة نظام الحزب وقوة معنوياته بأبرز مظاهرها، في بكفيا أظهر الحزب السوري القومي تفوقه المعنوي، فهو لم يكن قادماً لحرب أو لقتال ولكنه أظهر تفوقاً عظيماً في موقفه وحمل القوة المسلحة على احترامه، وغلطة واحدة من جهة وسوء تصرف أو سوء نية من الجهة الأخرى أديا إلى حملة الجند على فريق الشوير وبكفيا والخنشارة وضرب عدد منهم بأقفية البنادق وفوهاتها وسقوط جريحين وحصول جروح ورضوض طفيفة لآخرين من الأعضاء.

إن حادث بكفيا هو اختبار هام من اختبارات الحزب السوري القومي في جهاده لقوميته وحلقة متينة من حلقات تاريخه. إنه كان من جهة اعتزازاً بقوة الحزب ونظامه ومن جهة أخرى كان أول صدمة من هذه الصدمات، التي تمر في حياة كل حزب يتطلع إلى المسؤوليات العامة. كان لابد من حدوث هذه الصدمة لنا لنعرف كم هو استعداد الحزب لقبول الصدمات باكتراث عادي والتغلب عليها والاستمرار في السير إلى النصر. فإن الحزب الذي لا يستطيع الصمود لصدمة كصدمة بكفيا التي خبرناها بتضحيات من مقدرتنا، والحزب الذي لا يتوقع صدمات كصدمة بكفيا هو حزب غير جدير بالحياة وإني أهنئ السوريين الذين حضروا بكفيا بالموقف الشريف الذي وقفوه وصار جزءاً هاماً من تاريخ نهضتنا وجهادنا. إن الذين وقفوا في بكفيا سيكون لهم ذكر حميد يوم تنتصر النهضة القومية وإن في موقفهم ما يشد أواصر وحدتنا ويدفعنا إلى الأمام.

بعد حادث بكفيا كانت الاعتقالات الأخيرة التي جاءت والحزب لا يزال فاقداً الشيء الكثير من حيويته بسبب الاعتقالات السابقة وجنوح عدد من المؤهلين للعمل إلى اتقاء الخطر وهو من بقايا روحية الخنوع العتيقة، التي لا تزال عالقة بنفوس كثيرين والتي آن لنا أن نتحرر منها إذا كنا نريد تحقيق غايتنا السامية. وإننا نريد. وكانت هذه الاعتقالات أخطر الاعتقالات في عنفها وشدتها، فتجهم الجو حتى ظن قليلو الإيمان أن الساعة قد دنت، وقام خصوم الحزب السوري القومي يبشرون بموته وبينهم الأحزاب الطائفية، التي أنشئت بقصد محاربة الحزب السوري القومي.

في هذه المرة أوقفت جميع المفاوضات التي كان يقوم بها عادة من تبقى خارج السجن. وتمكنت في مدة قصيرة من حمل الحكومة على الاقتناع بأن الوحدة القومية التي نريدها هي شرط أساسي للوحدة السياسية، التي صرح لنا كبار المسؤولين في الجمهورية اللبنانية أنهم لا يمانعون بها على هذا الأساس، وقد أكدت للحكومة اللبنانية أن غرضنا ليس هدم الكيان اللبناني، بل بناء سورية. وكانت الحكومة قد تعبت أيضاً من هذه المشادة على غير طائل، فرأت الإفراج عنا على هذا الأساس، وهكذا استطعت أن أصل بالحزب إلى هذه الحالة السلمية التي تسمح لنا بتجديد معنوياتنا ومتابعة أعمالنا الإنشائية التعميرية.

بيد أنه يجب ألا يساء فهم غرضنا من ترك الكيان السياسي اللبناني فنحن أمة واحدة سواء كنا دولة واحدة أم عدة دول وكل من يعتدي على قسم منا فقد اعتدى علينا جميعاً.

وقد جاءت الانتخابات اللبنانية بعد مدة قليلة من وقت خروجنا من السجن، وكان جو هذه الانتخابات متجهماً والدعاوات سائرة على قدم وساق. وبرزت الأنانيات الجامحة على المسرح. وظن بعض أصحاب هذه الأنانيات أنه يستطيع تسخير الحزب السوري القومي لأغراضه وتضحيته على مذبح شهواته. أما الحزب فتجاه ما كان متراكماً عليه من القضايا الجزائية وتجاه الحاجة إلى وقت لإعادة تنظيمه بعد نحو سنتين من اعتقالات وملاحقات لم يكن في حالة تسمح له بخوض المعركة الانتخابية بأساليبها الطائفية الفاسدة وإمكان شراء أصوات كثيرة بالمال فضلاً عن الاتجاهات السياسية، التي كنت أرى خطوطها بجلاء، ولذلك فضلت العمل لمصلحة الحزب، لا سيما ونحن لا فرق عندنا بين حكوميين ومعارضين في السياسة الحاضرة فكان موقف الحزب السوري القومي في الانتخابات أعظم الانتصارات السياسية.

إن هنالك أفراداً تعودوا تسخير الأحزاب التقليدية لمنافعهم الخاصة فظنوا أنهم ينالون من الحزب السوري القومي ما كانوا ينالون من الأحزاب الأخرى. وقد ساء فألهم، لأن الحزب السوري القومي يقول أن الأفراد يسخرون للقضية القومية لا القضية القومية للأفراد.

في هذه الفترة السلمية الأخييرة تمكن الحزب السوري القومي من لم شعثه واستعادة الشيء الكثير من معنوياته، وتمكنت من الاهتمام بقضية فلسطين فوضعت مذكرة احتجاج عجلى رفعتها إلى الجمعية الأممية رداً على تقرير البعثة الملكية البريطانية. وكان لهذه المذكرة الشأن الذي تعرفونه في الدفاع عن حقوقنا القومية في الجنوب وتسديد الأفكار إلى المسائل الأساسية في قضيتنا الجنوبية.

وبعد الانتخابات اللبنانية جرت الانتخابات الجزئية في منطقة اللاذقية فخضنا المعركة وفازت جبهتنا في تلكلخ- الحصن. وبعد زوال هذه المشاكل الملحة تمكنت من العودة إلى الاهتمام بأهم عمل أساسي بعد تأسيس القضية القومية، الا وهو إيجاد المؤسسات الصالحة لحمل مبادئ الحياة الجديدة وحفظ مطاليبها العليا وخططها الأساسية فأعدت المؤسسات التي أنشأتها قبل انكشاف أمر الحزب وزدت عليها مؤسسات لجان المديريات الاستشارية ومجالس المنفذيات والمكتب السياسي وشعبه السياسية. وفسحت بهذا العمل المجال أمام الكفاءات السورية القومية للقيام بالأعمال المؤهلة لها بصورة نظامية وهنالك طائفة من المؤسسات الصغرى الإذاعية والثقافية هي الآن في دور التأسيس ومتى استكملت تأسيسها كانت جهازاً دقيقاً عظيم الفاعلية.

....

يتبع



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024