إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ما بعد النصر..متى يستحق دين الدم الفلسطيني؟

معن حمية - البناء

نسخة للطباعة 2009-01-22

إقرأ ايضاً


غزة لن يبتلعها البحر.. لم يهزمها عدوان.. لم يسقطها تواطؤ.. بل أسقطت هي أهداف العدوان وانتصرت بمقاومتها.

غزة لن تغادر المكان.. ستظل غزة في غزة، رغم فظاعة القتل وهول الدمار..

الحرب وان توقفت لكنها لن تنتهي.. فليس لهذه الحرب نهايات..

هي الحرب باقية .. ما بقيت "إسرائيل" على قيد الوجود وتحتل ارضاً فلسطينية..

ما بعد محرقة غزة.. المشهد سيكون مختلفاً والوضع برمته سيتغيّر.

ما بعد غزة المضرجة بدماء أطفالها وأبنائها الذين تخطوا عتبة الـ 1300 شهيد والـ 5400 جريح.. لا يتوقعن أحد أن يقف الفلسطيني متسولاً أمام صناديق مال النفط العربي.. بل أن النظام الرسمي العربي سيقف خانعاً راكعاً ذليلاً، أمام هذا الفلسطيني الغزاوي الحمساوي الجهادي والوطني المقاوم، يتوسله ويستجديه حتى لا تكون الجزية بحجم المحرقة التي شارك فيها هذا النظام تخطيطاً وتحريضاً وتمويلاً وتغطية سياسية وصمتاً يغني عن الموافقة الصريحة..

ما بعد غزة، لن يقبل الفلسطيني أن تكون المسألة الفلسطينية خاضعة لمندرجات قرار مستقل يذهب بها إلى "اوسلو" و"واي بلانتيشن" و"ريفر" والمفاوضات والمساومات.. بل سيكرس هذا الفلسطيني المقاوم معادلة "القرار لي"، "القرار لأحرار الأمة" "القرار لمن وقف مع المقاومة في وجه مخطط تصفيتها".

ما بعد محرقة غزة، لن يرضى الفلسطيني بأقل من الإعتراف بحقه كاملاً في المقاومة بكل أشكالها حتى تحرير فلسطين كل فلسطين.. فالدم الفلسطيني المسفوح في غزة وحده يقرر.. ووحده يرسم المعادلات..

ما بعد محرقة غزة.. ليس مسموحاً لأحد أن يتحدث عن موازين قوى غير متكافئة لمصلحة "إسرائيل"، فالمقاومة التي ثبتت في الميدان وقاتلت بشجاعة وصمدت أسقطت مقولة عدم التكافؤ وأحالتها إلى "نظرية" ماضوية تنتمي إلى عصر الهزيمة والعجز العربيين.

بعد ملحمة غزة وما سطره المقاومون والمجاهدون، ليس مسموحاً للذين يذرفون دموع التماسيح أن يتذرعوا بسقوط الشهداء بفعل آلة الحرب "إلإسرائيلية" ليبرروا لأنفسهم إطلاق المواقف التي تفرط بالمقاومة وتتخلى عنها نهجاً وثقافة. إن لعنة الدم الفلسطيني ستنزل على كل "أشباه الرجال" الذين يناهضون المقاومة ويتنكرون لبطولاتها وانتصاراتها.

ما بعد صمود الغزاويين من أبناء فلسطين الأبية، لم يعد مسموحاً لحاكم عربي سواء كان فصيحاً في عربيته أو متلعثماً، أن يملي على المقاومة ما يجب أن تفعله، كشرط لفتح معبر إنساني أو لوقف عدوان همجي. فالنطق بـ "العربية" لم يعد معياراً للإنتماء العربي، فبعض "العرب" غير مأسوف عليهم "تعبرنوا". ويكفي فلسطين وغزة فخراً وعزة أن يتضامن مع مقاومتها أشراف مثل تشافيز وموراليوس.

ما حلّ في غزة.. من قتل ودمار وتجريف، لن يستطيع أولئك الذين امتهنوا "العوم" في بحر دماء الغزاويين محوه من الذاكرة الفلسطينية ولا من الذاكرة الانسانية.. وسينطبع في ذاكرة الفلسطيني، أن عرب الذل والمهانة، تواطأوا على اهراق دمه، وأن مسارعتهم إلى تشكيل "كاريتاس" عربية، لن يغير في الموقف شيئاً حيالهم. فهم شركاء في حريق غزة ودمارها، وهم بالتالي مسؤولون عن اعمارها والتعويض على أهلها،.. أما الدم الفلسطيني فسيظل ديناً، ليس في اعناقهم، بل مقابل اعناقهم..

.. وما سينطبع في ذاكرة الوجع الفلسطيني، أن أنظمة عربية تخلفت عن قمة عربية عقدت بمن حضر في الدوحة لأجل غزة، بعد أن ضاقت السبل بأصحاب الدعوة جمع الكل على كلمة سواء لوقف المحرقة بحق الفلسطينيين..

لن يجد هذا الفلسطيني الذي استبيح دمه، عذراً لتمنع بعض العرب عن حضور قمة الدوحة العربية، التي شكلت قراراتها بلسمة حقيقة للجرح الفلسطيني. فالمتمنعون ليس لهم هدف سوى أنهم منحوا "إسرائيل" فرصة إضافية، علّها تحقق اهداف عدوانها التي لم يتحقق منها شيء..

سيسأل هذا الفلسطيني، لماذا دبت "النخوة" بالذين امتنعوا عن مناصرة غزة، ودعوا إلى "شرم الشيخ"، أليس لأن "إسرائيل" باغتتهم وقررت وقف العدوان بعدما عجزت عن تحقيق أهدافها واستعاضت عن ذلك باتفاق أمني ثنائي مع الولايات المتحدة الأميركية لمنع السلاح عن المقاومة؟.

وسيسأل هذا الفلسطيني، لماذا أصر بعض العرب على ربط التحرك العربي لوقف العدوان على غزة بقمة الكويت الاقتصادية،.. أليس في هذا ما يثير الشبهات حول مقاصد الذين ألحوا على هذا الربط،.. وما علاقة مناصرة الفلسطينيين بالميزان التجاري العربي ومداخيل النفط العربي!..

وسيسأل هذا الفلسطيني، لماذا يتحسس بعض العرب، حينما تتم المطالبة بالغاء مبادرة السلام العربية، ويصرون على البقاء في مربع الخوف، ولا يلتحقون بمقاوماتهم التي علمت "إسرائيل" معنى الخوف.

أسئلة كبيرة وانطباعات كثيرة ستحملها الذاكرة الفلسطينية والقومية والعربية، والأهم أنه ثبت بالبرهان أن مشروع المقاومة هو مشروع حياة واستقرار وكرامة لكل فلسطيني سواء أكان في الداخل تحت الاحتلال، أو في الشتات يواجه المعاناة. وثبت أن من يحب الحياة هو الذي يحب الموت متى كان الموت طريقاً للحياة. فكيف اذا كان الموت طريقاً لتحرير فلسطين، التي تجسد معنى حياة كل فلسطيني وعربي.

أما النصر الذي حققته المقاومة في غزة، فلن نجادل به أحداً.. والذين لا يعترفون بانتصار المقاومة الفلسطينية، ستأتي "فينوغراد" ثانية، وتقنعهم بأن المقاومين انتصروا والمقامرين خسروا و"إسرائيل" هزمت..

و"فينو غراد" ثانية لن تقتصر نتائجها على الاعتراف بالهزيمة، بل ستكون مضطرة لأعلان أسماء الذين تواطأوا معها وحرضوها على العدوان، دولاً وحكاماً وأزلاماً..

وفي كل حال، نحن لسنا بحاجة لـ "فينو غراد" ثانية، فقد أفصح سلفاً وعلناً بيريز واولمرت وليفني وسواهم بأن التأييد الذي يلاقونه من عرب الاعتدال الحاكمين للقضاء على مقاومة غزة كان أعظم من تأييدهم للحرب على مقاومة لبنان في العام 2006.

لكن، ما بعد انتصار المقاومة في فلسطين وقبل أن يستحق دين الدم الفلسطيني من الأعناق "المتعبرنة"، هناك متّسع لنفي أو تأكيد إنعطافة قائدة "الاعتدال العربي" التي حصلت في قمة الكويت، وفي ضوء الجواب يبنى على الشيء مقتضاه.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024