إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

العرب والسياسة الإسرائيلية الجديدة

أحمد يوسف أحمد-مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية،

نسخة للطباعة 2009-05-15

يواجه العرب في هذه الآونة تبعات تولي حكومة يمينية بالغة التطرف الحكم في إسرائيل، وتكفي نظرة واحدة إلى سجل رئيسها نتنياهو ومواقف وزير خارجيتها ليبرمان لكي نعرف أي نوع من السياسات والسياسيين يفترض بالعرب أن يواجهوهم الآن. وعلى الرغم من أن مصطلحات "اليمين" و"اليسار" لم تعد صالحة بصفة عامة لفهم السياسة الإسرائيلية تجاه الصراع مع العرب، كون هذه السياسة تنطلق من إجماع وطني إسرائيلي شبه مطلق؛ فإن إمعان النظر في تصريحات هذين الرجلين يبدو ضرورياً على أساس أن بعض المواقف بدأ يتبلور تدريجياً على نحو من شأنه أن يضيف مزيداً من التعقد والتعثر لعملية التسوية الوهمية التي يتصور عدد من المسؤولين العرب أنها ماضية في طريقها، وأنها حتى لو كانت قد توقفت فإنها لا تحتاج سوى إلى إصلاح بسيط يمكن بعده أن يستأنف قطار التسوية مسيرته.

وبداية فإن ليبرمان أعلن في السابع عشر من أبريل/نيسان الجاري (2009) أن حكومته ما تزال في مرحلة صوغ سياستها، ولذلك لا مفر من الاعتماد على بعض المؤشرات المتاحة في هذا الصدد، والتي يمكن أن تحدد ملامح سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة تجاه الصراع مع العرب. ويتمثل أول هذه المؤشرات في التصريحات التي بدأ بها ليبرمان مهمته كوزير للخارجية، والتي دارت حول نقاط ثلاث: أن حكومته لن تلتزم بمبادئ مؤتمر أنابوليس، ولا بحل الدولتين الذي تبناه هذا المؤتمر، وأنها ملتزمة فقط بخارطة الطريق بصفتها اتفاقاً دولياً التزمت به إسرائيل، مع ملاحظة أنه تحدث عن اتباعها "بدقة" وليس بطريقة "حرق المراحل".


أما عن عدم التزام مبادئ أنابوليس فلم يكن ليبرمان هو أول من فعل ذلك، فقد كانت حكومة أولمرت هي أول من تنكر لهذه الوثيقة (التي لا تعني أي شيء في حقيقة الأمر)، وكانت الخطوات السابقة على أنابوليس في محاولات التسوية تنتهي عادة إلى الإخفاق أو الجمود بعد شهور أو سنوات، لكن مؤتمر أنابوليس تفرد بأن ما أنجزه ?على هزاله- قد هُدم بعد ساعات قليلة من انتهائه، فقد نسف أولمرت أولاً فكرة الإطار الزمني الذي كان من المفروض أن ينتهي بولاية جورج بوش، أي في نهاية 2008، والذي اعتبره أنصار أنابوليس مفخرة لذلك المؤتمر؛ حيث استبعد أولمرت في حديثه للإذاعة الأمريكية العامة التوصل إلى حل في 2008، ثم خرج بعد ساعات أخرى بلاءات ثلاث أولاها تأكيد رفضه التقيد بالإطار الزمني، أما الثانية فاستبعاد الحرم القدسي من النقاش أصلاً، وكانت الثالثة استحالة الاتفاق قبل تفكيك بنية الإرهاب.


أما عن الالتزام بخارطة الطريق فهو التزام عربي أيضاً للأسف، بل إننا نذكر جيداً أن الأطراف العربية في أنابوليس تحدثت كثيراً عن مبادرة بيروت 2002 كمرجعية للتسوية، وكانت ثمّة رسائل غامضة من الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية توحي بأنها لا تمانع في ذلك، لكن وثيقة أنابوليس قصرت المرجعية على خارطة الطريق، التي تشترط البدء بتدمير البنية التحتية للإرهاب (أي المقاومة الفلسطينية) قبل الشروع في أي شيء آخر، وهو ما يفضي بنا إلى فهم إصرار ليبرمان في تصريحاته على القول بأنه في مقابل احترام إسرائيل كل نقطة في خارطة الطريق "نطالب الفلسطينيين بالأمر نفسه، بما في ذلك القضاء على المنظمات الإرهابية وإقامة سلطة مستقرة"، ولعل في هذا كله درساً جديداً لأصحاب القرار العربي بألا يوافقوا على وثائق دون التبصر بمحتوياتها.


يبقى بعد ذلك البكاء على حل الدولتين المشبوه، فمن حيث المبدأ يتسق هذا الحل مع مبادئ "التسوية التاريخية" بين العرب وإسرائيل، لكن هذا الحل لم تظهر لنا أي من تجلياته الإقليمية أو السياسية أو الاقتصادية أو الديموغرافية حتى الآن، وكل ما تبدى لنا منه على يد الحكومة الإسرائيلية السابقة هو عدوانها الإجرامي غير المسبوق على قطاع غزة في نهاية 2008 ومطلع 2009. أما الحكومة الحالية فقد أعلنت أن رئيسها طلب خلال لقائه المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشيل اعترافاً فلسطينياً بإسرائيل "دولة يهودية" قبل التحدث عن دولتين لشعبين، وإن أوضح لاحقاً أن الاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية" ليس شرطاً لبدء المفاوضات وإنما لتقدمها! وأضاف ليبرمان إلى هذه الخطوط العامة أن ثمّة حاجة لحل "اقتصادي"، فُهم أنه يعني بذلك تحسين الظروف الاقتصادية في الضفة الغربية، وأن إيجاد حل للتهديد الإيراني يجب أن يسبق أي حل للقضية الفلسطينية.


يعني هذا أن الحكومة الإسرائيلية، وإن لم تنته من بلورة سياستها تجاه القضية الفلسطينية بشكل نهائي، تتبع خطوطاً عامة تقوم على ربط حل الدولتين بالاعتراف بيهودية الدولة، وربط حل القضية الفلسطينية بالقضاء على التهديد الإيراني لإسرائيل والاهتمام بتحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين في الضفة الغربية كبديل عن أفق التسوية السياسية المسدود، وهي سياسة تعقد حل الدولتين دون شك على الأقل لأنها تقضي على حق العودة، وتعقد التسوية أصلاً؛ إذ تطلب من إيران تنازلات تتعلق بصميم دورها الإقليمي كي تقدم ?أي إسرائيل- تنازلات للعرب، وتتصور أن رغيف الخبز يمكن أن يحل محل حلم الحرية بالنسبة للفلسطينيين. فماذا فعل العرب إزاء هذا كله؟


نستطيع أن نتخير ثلاثة مواقف عربية، أولها جماعي، وهو موقف قمة الدوحة التي انعقدت في نهاية مارس/آذار الماضي؛ والثاني شبه جماعي، وقيل فيه إن العرب "المعتدلين" كلفوا العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بعرض وجهة النظر العربية على الرئيس الأمريكي أوباما أثناء لقائهما في 21 أبريل/نيسان الجاري (2009)؛ والثالث فردي، ويتمثل في الاتصال المصري بإسرائيل عن طريق مدير المخابرات المصرية، وهو اتصال أسفر عن توجيه الدعوة لنتنياهو لزيارة مصر.


أما موقف قمة الدوحة من الصراع العربي-الإسرائيلي، فيبدأ بالتحدي الذي يواجه النظام العربي الرسمي بسبب عجزه عن تفعيل نهج التسوية السلمية الذي اختاره، فقد طرح هذا النظام صيغة فاس في 1982 لتسوية الصراع مع إسرائيل، وبعد عشرين سنة كاملة، لم ينفذ فيها حرف واحد من هذه الصيغة، وافقت قمة بيروت 2002 على ما سمي بالمبادرة العربية، والتي انخفض سقفها عن سقف فاس؛ فلم تعد تشمل تفكيك المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وزاد العرب من مكافأتهم إسرائيل عند الوفاء بالمطلوب منها، ووعدوها بالتطبيع الشامل معها وفقاً للمبادرة العربية في قمة بيروت بدلاً من ضمانات للسلام بينها وبينهم يضعها مجلس الأمن وفقاً لصيغة فاس. ومع ذلك فإن هذا كله لم يُجد، ولم يطبق حرف من المبادرة العربية حتى الآن.


وإزاء هذا العجز تعرض النظام العربي الرسمي لضغوط حتى يسقط هذه المبادرة، وفي هذا الإطار بدأت القمم العربية تطور مواقف خجولة تعلن عدم الرضا عما آل إليه حال المبادرة، فكلفت قمة الرياض2007 مجلس الجامعة على المستوى الوزاري بمتابعة تقييم الوضع بالنسبة لجهود السلام ومدى فعاليتها وإقرار الخطوات "القادمة" للتحرك في ضوء هذا التقييم، وكررت قمة دمشق 2008 الموقف نفسه تقريباً بتكليفها اللجنة الوزارية الخاصة بمبادرة السلام العربية بإجراء تقييم للاستراتيجية العربية ومراجعتها، ووضع خطة التحرك إزاء مسار جهود إحياء عملية السلام. وزادت على ذلك قمة دمشق تأكيدها أن استمرار الجانب العربي في طرح المبادرة مرتبط ببدء تنفيذ إسرائيل التزاماتها في إطار المرجعيات الأساسية لتحقيق السلام في المنطقة.


أما قمة الدوحة فقد استخدمت التعبير المفضل في هذه الآونة وهو أن المبادرة "لن تبقى على الطاولة طويلا"، وهو تعبير غير محدد زمنياً كما هو واضح، وكررت القمة معنى أن استمرار الجانب العربي في طرح المبادرة مرتبط بقبول إسرائيل لها، وأن تفعيلها مرتبط ببدء تنفيذ إسرائيل التزاماتها في إطار المرجعيات الأساسية لتحقيق السلام العادل والشامل، ولما كانت سنة كاملة قد مرت منذ تبنت قمة دمشق الموقف نفسه؛ فإن أحداً لا يدري متى يؤدي عدم الالتزام الإسرائيلي بالمبادرة إلى توقف الجانب العربي عن طرحها. غير أن الطريف أن قرارات قمة الدوحة أكدت تكليفها اللجنة الوزارية الخاصة بمبادرة السلام بإجراء تقييم شامل ومراجعة التحرك العربي إزاء جهود إحياء عملية السلام في ضوء المستجدات والتطورات الإقليمية والدولية والتحديات التي تواجهها المنطقة، ولاسيما في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة. ويلاحظ أن قرارات القمة لم تتحدث عن خطوات "قادمة" كقمة الرياض أو "مقبلة" كقمة دمشق، إذ اكتفت بطلب التقييم. أي إنه كلما تعاظمت التحديات تواضع الهدف.


وأما عرض الملك عبد الله الثاني وجهة النظر العربية على الرئيس الأمريكي؛ فلم تظهر من التقارير التي خرجت عن هذا اللقاء فكرة عربية جديدة، ويفهم من هذه التقارير أن العاهل الأردني أفاد باتفاق وجهات النظر مع الرئيس الأمريكي، وأنه أعاد تأكيد المبادرة العربية، فيما ركزت معظم التقارير على رؤية أوباما لكيفية التحرك على طريق الحل، وفي كل الأحوال لا يمكن الادعاء بأن العرب قد مارسوا من خلال شخص ملك الأردن تأثيراً نوعياً على السياسة الأمريكية في هذا الصدد.


وأما الاتصال المصري-الإسرائيلي، سواء ما تم بالفعل من لقاء بين مدير المخابرات المصرية وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو ما سوف يتم بتلبية نتنياهو دعوة القاهرة لزيارة مصر؛ فإن التقارير أشارت إلى رسالة محددة نقلها المسؤول المصري إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومؤداها، نقلاً عن مصادر فلسطينية، أنه أبلغ المسؤولين الإسرائيليين بأن حملتهم الأخيرة على غزة لم تجلب لهم التهدئة، وأن الهدوء الحالي في غزة هو نتاج توافق وتفاهم مصري مع القوى والفصائل، لكن مصر لا يمكن أن تضمن استمرار الهدوء إلى ما لا نهاية في ظل استمرار الحصار وإغلاق المعابر وعدم إنجاز أيّ قدر من الإعمار في غزة، ولو كان ضئيلاً، وهو منطق سليم دون شك، لكن فهمه والعمل بموجبه يبقى بيد الإسرائيليين وحدهم.


يعني ما سبق أنه يمكن الافتراض بدرجة ثقة عالية بأن العرب سواء على المستوى الجماعي أو الفردي ما زالوا غير قادرين على ضمان أن يكون لمواقفهم تأثير نوعي على مسار الصراع، وهو وضع أظنه سيبقى طالما بقي الانقسام الفلسطيني من ناحية والانقسام العربي من ناحية أخرى.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024