إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

يهودية إسرائيل وطوائفية لبنان

حسن خليل-الاخبار

نسخة للطباعة 2009-07-20

حاولت فرنسا سنة 1943 تجربة الاستنساخ، ولكن «المولود المُرتقب» لم يكن النعجة «دوللي»، بل خرج مشوّهاً، معاقاً له عدة رؤوس وأطراف، تركيبته الجينية (DNA) ذات رموز معقّدة جعلت نمو المولود غير طبيعي، وأدخلته العناية الفائقة مرات عدة كاد أن يموت فيها. وما زال هذا المولود مهددة حياته في أية لحظة يتعكّر فيه الجوّ في محيطه أو داخله. سمّوه لبنان ـــــ الوطن النهائي، ولكن حتى الآن هو ليس إلا كياناً جغرافياً! لم يتفق أهله على صيغته النهائية لعدم توافقهم على «القاسم المشترك» لتربية هذا المولود.

لماذا هذا الكلام الآن؟

تعالت الاحتجاجات العربية واللبنانية خاصة ضد الكيان العنصري، إسرائيل، بسبب مطالبتها العالم بالاعتراف بها دولة يهودية. طبيعي لو صدر التنديد من العالم الغربي العلماني (وهو صامت حتى الآن ما عدا الولايات المتحدة التي قدّمت الاعتراف)، ولكن التناقض أن يأتي الاحتجاج والتنديد من العالم العربي، وخاصةً لبنان، المنغمس في طائفية دينية ومذهبية لا مثيل لها إلا في مجتمعات العصور الوسطى.

هل مَن ينكر أن إسرائيل كيان عنصري، غير إنساني زُرع في المنطقة العربية بغير حق. وهل هناك مَن يمكن أن يقبل بيهودية إسرائيل التي حكماً ستسقط حق المواطنية عن أصحاب الأرض الأصليين، وأن مطلب يهودية إسرائيل هو قمّة انتهاك حقوق الإنسان؟ والغريب أن العالم الغربي الذي قام على فصل الدين عن الدولة ومساواة المواطنين في الحقوق والواجبات هو الصامت والمُغطّي الأول للإسرائيليين في مطالبتهم بيهودية الدولة؟

ولكن لنتوقف ونسأل بعض اللبنانيين عن واقع «الكيان الجغرافي المسمّى لبنان»:

1 ـ ألم ينشأ لبنان على ثنائية طائفية أدت إلى الحرب الأهلية السيئة الذكر؟

2 ـ أليس في لبنان 18 طائفة معترفاًَ بها رسمياً، ليس فقط على أساس الخصوصيات المعهودة في الأحوال الشخصية، ولكن أيضاً في الحقوق والمغانم المدنية؟

3 ـ ألا تمارس الطوائف في لبنان، وخاصة الكبرى منها، عنصرية معيّنة عندما تدّعي كلّ منها أنها تريد الحفاظ ضمن «الكيان الجغرافي» على خصوصيتها، وهذا لا يكون إلا عن طريق الحفاظ على المكاسب والنفوذ في الدولة؟

4 ـ ما معنى تقسيم المراكز الرئيسية في الدولة ووظائف الفئة الأولى ضمن الطوائف؟

5 ـ كيف يمكن تفسير تقاسم عدد النواب والوزراء بين الطوائف والمذاهب؟ (مع أن هذا لم يمنع وصول حوالى 35% من النواب من غير تصويت طوائفهم).

6 ـ ألم يُحجَّم أهم إنجاز في تاريخ العالم العربي الحديث، ألا وهو المقاومة في لبنان، ليصبح في زاوية الانتماء المذهبي، وأصبح المطلوب إنهاء المقاومة فقط لأنها ذات لون مذهبي مرفوض؟

7 ـ هل من كارثة يمكن أن تصيب المواطنين أكثر من أن ترتفع أصوات خلال حوادث 7 أيار 2008 وبعدها، ليس للتنديد بأعمال العنف التي وقعت بل لتثبيت مذهبية العاصمة، التي في مواثيق جميع الدول هي التي تكون الجامعة والحاضنة لمختلف الشرائح؟

8 ـ ألم تصدر شعارات بإعلان المدينة الثانية في لبنان عاصمة لمذهب معيّن، وبأن الجبل معقل لطوائف أخرى، وبأن الجنوب والبقاع هما رمز لتثبيت واقع مذهب آخر وصموده؟

9 ـ ألم يضطرّ زعيم وطني بعد هجرته القسرية الطويلة، والذي كثيراً ما نادى بالمساواة في المواطنية، إلى أن يرضخ ليطرح نفسه زعيماً مسيحياً، وإلّا لكان قد تحجّم في زعامته وطموحه؟

10 ـ ألا تتصرف الطوائف الكبرى في لبنان كأنها كيانات مُنفصلة، كل كيان يعتبر نفسه الوطن كله (كما قال جبران خليل جبران) وإلّا فليذهب الوطن إلى الجحيم؟

والسؤالات لا تنتهي...

طبعاً، سيعترض البعض على مجرد طرح المقارنة بين يهودية إسرائيل وطوائفية لبنان، بحجة أن اعتماد يهودية إسرائيل ما هو إلا تثبيت لعنصرية الكيان الدخيل، بينما لبنان يمثّل نظام تعايش بين 18 طائفة وحضارات مختلفة مما حدا بالبابا يوحنا بولس الثاني إلى اعتبار لبنان «رسالة». أية «رسالة» وتعايش هما هذا «الكيان الجغرافي»/، الذي لم يهدأ له بال ولم ينعم بسلام حقيقيّ داخلي أو خارجي منذ إنشائه. يمكن الجزم بأن لبنان منذ 1943 لم يهنأ بعشر سنوات متواصلة بدون حدث ما يهدد كيانه. الطوائف الأربع الرئيسية لا تثق بعضها ببعض وبالتالي تنطوي أكثر إلى داخلها بدل الاتفاق على المواطنية قاسماً مشتركاً. فلا الزعامات السياسية ولا الهيئات الروحية تريد فعلاً تقليص نفوذها الذي يتأثر بإلغاء الطائفية والمذهبية، وأنصارهم يتبعونهم تحت وهم الخوف من الآخرين. بالنتيجة غدت كل طائفة تتصرف بأسلوب العنصرية تجاه الآخرين كما يدّعي الإسرائيليون بيهودية الدولة، ولكن تحت ستار مبدأ التعايش والمشاركة. هل هناك أسخف من المنطق الذي يقول بأن لبنان ذو حضارات متعددة تلتقي فيه وتتفاعل؟ هل هناك حضارة لبيروت أو الجبل أو الشمال أو البقاع أو الجنوب تختلف بعضها عن بعض سوى النزعة العشائرية القبلية أو المكابرة حتى ظهر مَن يقول بأن هناك حضارة «حب الحياة» وحضارة «التشجيع على الجهاد والموت وقطع الأيدي والأرجل».




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024