شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1946-05-26
 

إلى غسّان تويني رسالة 4 ج 3

أنطون سعادة

الحزب السوري القومي الاجتماعي نشأ حزب عقيدة جديدة في سورية فكانت غايته الآولى اعلان هذه العقيدة وشرحها وغرسها في النفوس. وهذه الغاية الأولى المباشرة اقتضت عملاً يجب درس تفاصيله والتأمل ملياً في مشقاته، وفي المدة التي يقتضيها نجاحه في دائرة واسعة من الشعب تكفل حصول الملاك المؤهل لتشكيل جبهة عامة في جميع مناطق سورية وحمل رسالة العقيدة التي تتجسد فيها شخصية الأمة الاجتماعية وبالتالي شخصيتها الحقوقية التي تعين ليس فقط ما هيتها، بل حقوقها ومصالحها الرئيسية والحيوية التي تريد الاحتفاظ بها والدفاع عنها واسترجاع ما سلب منها وتنميتها وتوسيعها وضمانة رفاهية الشعب بواسطة تأمينها. وبتعبير تكني، ان تعيين شخصية الأمة الاجتماعية والحقوقية وحقوقها ومصالحها هو ما يعطي الأمة أساس عملها السياسي او هو الشرط الجوهري السابق لنشوء سياسة قومية بالمعنى الصحيح. ولما كانت العقيدة جوهر النهضة السورية القومية الاجتماعية التي أسسها الحزب السوري القومي الاجتماعي وكانت دعوته اليها، فمن البدبهي ان يكون كل عمله الأول فيها وأن يكون تحقيقها غاية أعماله وقد اقتضى بث العقيدة واكتساب العناصر الصالحة على أساسها للعمل لها بايمان بها عملاً شاقاً طويلاً لأسباب عديدة، منها حداثة الشعب بمثل هذه العقائد والمواضيع وضعف الثقافة العمومية وتأصل النعرات الدينية والعرقية والحزبيات المذهبية والشخصية ولوجود سياسات أجنبية في البلاد تعمل على منع نشوء الشعور بالشخصية القومية والوعي القومي للحقوق والمصالح الرئيسية.

فقد بدأت بث أفكاري ودعوتي في سنة 1930 ولم أتوفق الى تكوين نواة للعمل العقائدي – السياسي إلا في أواخر سنة 1932. وبعد تكوين هذه النواة بأيام او أسابيع قليلة اضطررت للتظاهر بحلها لاقصاء عضوين فاسدين دخلا في صلبها ولإعادة تكزينها وظلت نبتة ضعيفة جداً سريعة العطب طوال سنة 1933 ولم يتجاوز اعضائها الخمسة عشر وفي سنة 1934 تمكنا، الى حزيران من هذه السنة، من مضاعفة عددنا فصرنا ثلاثين عضواً وكان الأمين الجزيل الاحترام نعمة ثابت تكملة العدد 30. وفي صيف السنة المذكورة امتدت الدعوة الى طرابلس والكورة بمناسبة العطلة الصيفية واكتسبت عدداً من الشباب الذين قبلوا الفكرة قبولاً مبدئياً وكان الواجب صهرهم في العقيدة، وفي شتاء 1934 – 1935، امتدت الحركة خارج نطاق طلبة الجامعة والمدارس الأخرى ال أحياء بيروت وقرى الجبل ودمشق وجميع هؤلاء المقبلين كانوا بحاجة الى فهم العقيدة وارساخها في نفوسهم، ولما تكن قد نشأت اذاعة ولا كتب ولا نشرات ولا أبحاث لنقل الأفكار بسرعة فكان العمل بطبيعته بطيئاً ومحفوفاً بالمخاطر بسبب قوانين "قمع الجرائم" وغيرها. ثم لما استشعرت اوساط الطلبة والأساتذة في الجامعة الاميركانية بنشوء فكرة جديدة ابتدأت مقاومة "العروبيين" لها وفي مقدمتهم الاستاذ قسطنطين ، فكان علينا الدفاع عن العقيدة قبل كل شيء. ولما قبض على الزعيم وأعضاء مجلس العمد الأول وابتدأ الرأي العام يعرف من منشورات الصحف أصول عقيدة الحزب ابتدأت حملة رباعية على عقيدته – من "العروبيين" ومن "اللبنانيين" ومن الاكليروس المسيحي وخصوصاً الماروني – الكاثوليكي، ومن رجال الدين المحمدي كنت في السجن ولم يكن بين أيدي القوميين الاجتماعيين غير المبادىء والدستور الأولي وخطاب الزعيم في أول يونيو 1935 ونص كتاب خصوصي موجه مني الى سائل عن رأيي في العالم العربي. فدافع الأعضاء بهذه الوسائل بهذه الوسائل وبما اكتسبوه من المحادثات مع الزعيم زما نقل عنه. وبديهي ان هذه الوسائل كانت ناقصة لا تفي بحاجة عقيدة خطيرة كعقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولكن الدعوى القضائية والمحاكمة في المحكمة المحتلطة أنقذتا الموقف وأحدث دفاع الزعيم في المحكمة ذلك التيار من القوة المعنوية الذي رفع منزلة الحزب في أعين الشعب وأعين الفرنسيين "المنتدبين". وبعد المحاكمة تمكنت من انجاز كتابي "نشوء الأمم" في السجن ولكنه لم يطبع الا في سنة 1938.

وما خرجت من السجن في مايو 1936 ختى عدت إليه في يونيو سنة 1936 وفي هذا السجن وضعت "شرح المبادىء" الذي بلور العقيدة وصفاها من التآويل غير المسؤولة ومن المخالطات الغريبة. وبعد خروجي من السجن الثاني ببضعة أشهر جرت اصطدامات بكفيا المشهورة وحصل السجن الثالث. فيكون الزعيم غياب الزعيم، موجه العقيدة وصاحب الدعوة، عن الحزب وعمله الاداري السياسي مدة نحو سنتين تتخللها فترتان قصيرتان جداً. وكانت الحرب على العقيدة تشتد وكان يجب ارساخ العقيدة في الحزب وصيانته من الميعان المبادئي والأخلاقي المتفشي في شعبنا واكسابه الصلابة والمناعة التين هما، مع رسوخ العقيدة، كل رسماله المعنوي الذي يكسبه هذه المنزلة الممتازة في الأمة لبدء المرحلة الجديدة – مرحلة دخول ميدان السياسة العملية. والحقيقة هذه المرحلة كانت قد ابتدأت في زمن السجن الثالث حين شعرت الحكومة اللبنانية بمناعة الحزب وصلابته وحاجتها الى التفاهم معه فابتدأت من جانبها بمفاوضة الزعم في السجن فقبل الزعيم المفاوضة وتمكن من الفوز بذلك "التفاهم" مع الحكومة اللبنانية المؤلفة من حزب اميل اده – خير الدين الاحدب وكان من وراء ذلك الافراج عن المعتقلين وعدم التعرض لحركات الحزب والسماخ للصحف بنشر أخباره واكتساب الرخصة باصدار "النهضة" واذدارها أشهراً عديدة وطبع مبادىء الحزب مشروحة بقلم الزعيم وكتاب "نشوء الأمم"، وفي شرح المبادىء وغاية الحزب وفي تصريح الزعيم لجريدة "النهضة" في صدد "الكيان اللبناني" وفي سياسة الحزب مع الحكومة اللبنانية في زمن اده – الاحدب ومباشرة تدخله الفعلي في السياسة اللبنانية وسياسته مع الحكومة الشامية والمساعي التي بذلها للتفاهم مع "الكتلة الوطنية" ثم مع الدكتور شهبندر المرحوم بطلب منه وحصول مقابلة سرية بين الزعيم والشهبندر عقبتها مقابلة ثانية بين وفدي حزبي واشهبندر بعد مغادرة الزعيم الوطن وعدم كفاءة الوفد لاكتساب الوجه السياسي من المقابلة، ودخول الحزب في السياسة الشامية العملية حيثما تمكن من ذلك. كما في تدخله الفعلي في انتخابات محافظة اللاذقية وفوزه في تلك الانتخابات في بعض المناطق وحسارته بعضها بسبب عدم ثبات بعض المتحالفين معه – في جميع هذه الظواهر المحسوسة نجد مبادىء السياسة العملية وقواعد مرونة الحزب الصحيحة مع صلابة عقيدته ورسوخ ايمانه اللذين انقذاه من ورطات المبعان العقائدي والاخلاقي الذي حاول جره اليها صلاح لبكي واميل الخوري وغيرهما. وبفضل "التحجر الاكاديمي" وتغير الظروف السياسية يتقدم الحزب السوري القومي الاجتماعي اليوم لاحتلال مكانه السياسي الممتاز في جميع المناطق السورية ودولها ومكانه الثقافي الممتاز في "تفجر النشاط الثقافي في البلاد، سواء في صفوف الحزب ام خارجها" الذي دعت اليه، بالاكثر، عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي والتي وضعت على بساط البحث قضايا الأمة الحقوقبة والسياسية والاقتصادية والأدبية والفنية والفلسفية وتناولت ما هو أوسع من نطاق الأمة والتي هزت الأفكار وحركت العقول وحرضت الافهام. فلا ننسى كم حل "الجدل العقائدي" الذي أثاره الحزب، للعقول من عقد، وكم دعاها الى تفكير هادىء او صاخب. فإن عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي ونظرياته قد حركت العقول ونشطت الأفكار، ليس فقط في الذين دخلوا في صفوفه، بل في جميع المشتغلين بالسياسة والاقتصاد والثقافة والأدب. ولست أريد أن أقول ان كل نشاط فكري مصدره الحزب بل أريد اظهار ما كان لعقيدة الحزب ونظرياته من شأن دفع قوى الأمة نحو هذا "النشاط الثقافي المتفجر" وهو شأن اعترف به رجال ومؤسسات لها مكانتها. فاعترف به السياسي الكتلوي المعروف الاستاذ فارس الخوري في عدة مناسبات منها أمام عدد من نواب المجلس الشامي في غرفة رئاسة المجلس بحضور الزعيم ومنفذ دمشق العام آنئذ الزفيق فريد مبارك وشهد به مؤلف كتاب Nationalité Syrienne devenue arabe من الكتلويين واعترف به الدكتور شارل مالك قبل تعرفه بالزعيم في "نادي الفلسفة في الجامعة الاميركانية" واعترف به جميل مردم نفسه في مقابلة بينه وبين الزعيم في فندق البحار في صوفر بحضور عدد من القوميين الاجتماعيين و"الكتلويين"، وأقر به رجال المفوضية الفرنسية أنفسهم والأب شنتور في الجامعة اليسوعية والمرحوم الدكتور عبد الرحمن شهبندر وظهر أثر شأنه في محاولة "الكتلة الوطنية" اقتباس شكل ميادئه في "ميثاقها" الذي وضعته بعد أربعين هنانو وبعد ظهور الحزب السوري القومي الاجتماعي ومحاكمته، وفي تقليده وتقليد قسمه بتشكيل "القمصان الحديدة" وفي تنظيم "شباب الوفد" المصري سنة 1936، وفي اقبال عدد من طلبة الجامعة الاميركانية العراقيين على درس مبادئه واشكال تنظيمه وطلب وفد منهم مبادئه ونظام تشكيلاته ليحملوها معهم الى العراق ليسيروا هناك على غرارها، وفي تصريحات مكتومة للمير شكيب أرسلان وخطب السياسيين وحوادث البلاد بوجه الاجمال ونشوء طائفة من الاحزاب الببغائية فيها، تقلد حزبنا.

...

يتبع

صدر عن مكتب الزعيم، في 26 مايو 1946 ولتحي سورية

خاتم وامضاء الزعيم



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه