شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2010-03-25
 

أنيـس صايـغ : " اسـرائيل " دائمـاً بيـن قوسـين

الياس خليل زين


" الرجل الكبير لا ينتهي بمأتم ". القول لفقيد الأدب الرفيق سعيد تقي الدين، والفعل لكثيرين من المفكرين والأدباء والمناضلين الذين، وإن رحلوا، يبقون في ذاكرة أمتهم وفي تاريخها.

من هذا البعض، الدكتور أنيس صايغ الذي عرف الحزب، كما اشقاءه، منذ اربعينات القرن الماضي.

عنه كتب كثيرون، وسيكتب غيرهم، وسيبقى مادة غنية لكل حديث عن فلسطين، وعمّن تميز فيها من رجالات في الفكر والسياسة والأدب والالتزام القومي.

أحد عارفي الدكتور أنيس صايغ، الياس خليل زين كتب عنه، نورد أهم ما جاء في مقالة له بتاريخ 19/02/2010.


أحَبَ بيروت أولاً، توفي في العاصمة الأردنية عمان في يوم عيد الميلاد في 25 كانون الاول 2009. ولد في طبريا بفلسطين في العام 1930. ماذا تعني له طبريا، مسقط رأسه؟ وماذا تعني له بيروت؟ يقول " أما طبريا، فتبقى سيدة المدائن وعميدة الامصار، فيها كانت الولادة والنشأة وأيام الطفولة والصبا.. لم أتخلّ عنها طوعاً، ولم أستبدل بها إلا مرغماً. وبيروت هي المحطة النهائية لي قبل العودة الى طبريا، سواء تحققت فعلاً او بقيت حلماً في الخيال "، وعلى الرغم من انه استقر في بيروت منذ العام 1948، إلا ان د. أنيس صايغ كتب يقول " ومع هذا فأنا طبراني لا غش فيه ".

هذا ما كتبه في سيرة حياته بعنوان: " أنيس صايغ يكتب عن أنيس صايغ " التي صدرت في كتاب عن " دار رياض الريس للكتب والنشر "، في الطبعة الاولى، ايار 2006، وفي بيروت (534 صفحة). وكاتب هذه السطور يعرف د. صايغ منذ العام 1970، اي منذ كان مديراً لمركز " الابحاث " في بيروت. وهو الذي شجعه ليكون باحثاً وكاتباً ملتزماً بقضايا وطنه وشعبه.


لم يعترف ب " اسرائيل "

كان د. انيس صايغ، الذي كان مديراً لمركز " الابحاث الفلسطيني " في بيروت، لا يذكر اسم " اسرائيل " الا ضمن قوسين. وفي هذا السياق، يقول بالحرف: " أنا اعرف، مثلاً كيف يسخر كثيرون مني، ومن كتابتي، حينما اصرّ على وضع كلمة "اسرائيل" بين قوسين. فأنا بالنسبة اليهم، اعيش خارج العصر، ولا ادرك التطور، ولا افهم المعادلات الجديدة الدولية والعربية. وأنا أحبس نفسي في كهف واتحجر فيه ".

ويبرر د. صايغ موقفه من "اسرائيل" بالقول: " ان المعترضين يفترضون ان القوسين جهل وتجاهل لوجود "اسرائيل".

ابداً، ان بصري مهما ضعف يظل يرى "اسرائيل" افضل مما تراها العيون السليمة المعافاة. ولأني ارى "اسرائيل" هكذا، اعتبر وجودها حالة غير طبيعية، وغير اصلية وغير صحيحة. القوسان ليسا عجزاً عن رؤيتها، بل هما رفض قاطع لوجودها. انهما اعلان لموقف مبدئي معين، ثابت وحاسم، أنا، باختصار، لا انكر وجود "اسرائيل" بهذين القوسين، بل انكر "حقها" في الوجود، ولأني أنكر حقها، في الوجود، أدعو الى ازالتها ".


رسالة تنفجر في وجهه

وقبيل الحديث عن " رسالة التفجير " لا بد من توضيح ما ذكره د. صايغ بأن بصره "ضعيف" و"عيناه منطفئتان". لماذا؟ يعود ذلك لأنه تعرض الى ارهاب منظم كاد يقضي عليه. فخلال عمله كمدير لمركز "الابحاث" في " منظمة التحرير الفلسطينية"، في بيروت، تعرض المركز وهو شخصياً لإعتدائين ارهابيين مقصودين، جاء الاعتداء الاول في اواسط عام 1971. وكان الاعتداء بسيطاً، بشكل رسالة تحذير وانذار. وضعت على مدخل مبنى المركز في شارع كولومباني، المتفرع من شارع السادات، في رأس بيروت، رزمة من اصابع الديناميت، فجرت في الساعات الاولى من الصباح. وادى لانفجار الى تحطيم زجاج النوافذ وخلع الابواب.

وأما الرسالة الثانية، فلم تكن انذاراً، بل كانت تحمل كل الرغبة في انهاء "المركز" عن طريق قتل مديره (انيس صايغ)، وارهاب العاملين فيه. ففي صباح 19 تموز 1972، جاء د. صايغ الى مكتبته، وراح، كالمعتاد يفض رسائله بنفسه، وبدأ بفض الرسالة، واذا بها تنفجر في وجهه.


تسع ساعات معالجة وفقدان البصر

ماذا كانت نتيجة انفجار الرسالة الملغومة؟ ادى الانفجار الى فقدان البصر للحال، بحيث لم يعد د. صايغ يرى شيئاً. وقبل الوصول الى مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت، غاب عن الوعي تماماً، وتولى ثلاثة اطباء اختصاصيين معروفين معالجته لمدة تسع ساعات متواصلة.

وبعد عشرين دقيقة، من وقوع الحادث بثت نشرة الاخبار في الاذاعة "الاسرائيلية" باللغة العربية خبراً عن مقتل انيس صايغ، الذي " يتولى تدريب الارهابيين الفلسطينيين في اوروبا على القتال " في فلسطين، على حد زعمها.


انذار قبل الانفجار

وقبل ايام قليلة من الانفجار، نقل ابراهيم العابد، مساعد د. صايغ في مركز "الابحاث" عن وزير اعلام دولة عربية، قوله، أن الموساد "الاسرائيلي" سوف يستهدف د. انيس صايغ شخصياً هذه المرة.

ولقد جاء هذا التفجير، بعد ايام قليلة من اغتيال الكاتب والروائي الفلسطيني غسان كنفاني، وابنة اخته، في انفجار سيارته في منطقة الحازمية في بيروت في 09/07/1972.


عرب مسيحيون وليسوا مسيحيين عرباً

الجدير بالذكر ان د. انيس صايغ ينتمي الى قافلة طويلة من مناضلي الفكر والرأي ورموز العطاء الثقافي والاجتماعي والاعلامي والاقتصادي والحضاري. وهؤلاء، يتباهون انهم عرب مسيحيون وليسوا مسيحيون عرباً.

ويذكر د. صايغ بعض اسماء الراحلين، الذي انضم اليهم، والذين يتباهون انهم عرب مسيحيين وليسوا مسيحيين عرباً. وهؤلاء هم: اميل حبيبي، الفارس بولس، اميل اغابي، ايليا خوري، بولس شحادة، توفيق صايغ (اخ أنيس)، توفيق كنعان، تيوفيل بولس، حنا ميخائيل، خليل طوطح، سامي هداوي، شبلي الجمل، عزت طنوس، فايز صايغ (اخ انيس) فؤاد بهنان، فؤاد سابا، كريم خوري، كمال ناصر، متيلدا، مغنم مغنم، موسى ناصر، نبيل خوري، نبيه ناصر ويوسف صايغ (اخ انيس).


العربي المسيحي منارة في الوطن

ويرى د. صايغ وهو ابن قسيس انجيلي، ان العربي الانجيلي، الذي يصر على تسمية كنيسته، بالكنيسة الوطنية، "حريص على ان يظل منارة في عالمه العربي، يؤدي واجباته الوطنية والقومية والثقافية بصمت وصلابة. وهو لا ينسى ان عرب المشرق، في القرن التاسع عشر اطلقوا كلمة "برتستانتية"، "وصفاً للكلمة الصادقة والوعد الموثوق".

ويضيف د. صايغ موضحاً طبيعة الكنائس الانجيلية بالقول: " لا ننسى، اخيراً، ان طبيعة الكنائس الانجيلية بالقول: " لا ننسى، اخيراً، ان طبيعة الكنائس الانجيلية ونظامها وتركيبها وعلاقاتها، تعطي كل شعب او منطقة، استقلالاً فكرياً وادارياً ونظامياً، كاملاً. وتكون لها مرجعيتها الذاتية الخاصة بها، وغير الملزمة على الكنائس الاخرى. الامر الذي يعني، ان ليس لانجيليي اميركا، مثلاً، اية وصاية على الكنائس الانجيلية العربية.


مدّعو الانجيلية الاميركيون لا يمثلون المسيحية

وعلى ذكر العربي المسيحي الانجيلي المتعلق بعروبته ووطنه اولاً، يميز د. صايغ ما بين المسيحيين الجدد في الولايات المتحدة الاميركية، وبين العرب الانجيليين ويقول: " لعل ما حصل في العقود الاخيرة، من قيام جماعات المهووسين والمنحرفين والجهلة والعنصريين الذين القاهم غباؤهم وتعصبهعم في فخ التآمر على العالم عموماً وعلى العرب والمسلمين خصوصاً، ممن يسمون بالبروتستانت، او المسيحيين الجدد (وهي ظاهرة للفساد الاميركي، في السياسة والخلق والفهم والتربية والكنيسة)، اعمى بصيرة عرب كثيرين وظنوا، خطأ، ان المذهب الانجيلي، الذي يؤمن به العرب الانجيليون هو نفسه ذلك المذهب، الذي ينطلق منه مجانين اميركا المحدثون. وهذا للحقيقة والواقع.

ان اتباع ذلك المذهب، الاميركي المسيحي/ الصهيوني، لا يمثلون المسيحية وجوهرها وفهمها للعدالة والمساواة والحرية والحقوق. انهم دعاة مذهب جديد منحرف وغريب ومشوه من اساسه. غير ان من يتحدث باسم الانجيلية من الفلسطينيين مثلاً، هم العشرات – كما سبق القول – من اولئك الذين بذلوا جهوهم واموالهم، وبعضهم بذل حياته ودمه، من اجل عروبة فلسطين ".

بين ابرز مئة مثقف عربي

ويعتبر د. انيس صايغ من ابرز المثقفين العرب في القرن العشرين، المنصرم، بسبب نشاطه الفكري والموسوعي، الذي ركّز فيه على التعريف بالقضية الفلسطينية والتراث الفلسطيني الديني والحضاري. وجاء ذلك في اصدار اكثر من عشرين كتاباً قيماً ما بين 1955 و 2006.

وعليه فقد اصطفى الاتحاد العام للكتاب والادباء العرب د. انيس عبد الله صايغ، الفلسطيني الوحيد من عشرين كاتباً عربياً قد اثروا الثقافة العربية في الخمسين سنة الماضية، وذلك في العيد الخمسين لتأسيس الاتحاد في عام 1945، وجاء ذلك برعاية الرئيسين السوري بشار الاسد واللبناني اميل لحود.

وكانت صحيفة خليجية قد كرّمته باختياره واحداً من مئة مثقف عربي في القرن العشرين، في آخر العام 1999.


رفض التكريم بسبب احتلال فلسطين

وكان د. صايغ يقول لي عندما ازوره في منزله في بيروت ان دعوات التكريم تنهال عليه من كل حدب وصوب، الا انه يرفض ان يُكَرَّم. لماذا؟ يقول انه كان، في كل مرة تحاول جهة ان تكرمه، يقطعها بصدق وتصميم، ان ما من فلسطيني او حتى عربي، يستحق ان يكرم وفلسطين ما زالت ترزح تحت الاحتلال.


والدته لبنانية من البترون

وكان د. انيس صايغ يفتخر بأمه اللبنانية، وهي عفيفة البتروني التي ولدت في قرية البصة، في الشمال من مدينة عكا في العام 1893. وكان والدها، جرجس البتروني، تاجراً، اعتاد ان يجمع قطعاً اثرية وتماثيل وادوات وتحفاً، وينتقل من بلدته، البترون، في شمال لبنان، الى مدن فلسطينية يرتادها السياح والحجاج الاجانب فيبيعها لهم، وكانت القدس افضل مكان لعرض بضاعته.

وقد تزوج جرجس البتروني من مريم حنا الخوري، الفلسطينية واستقر في قرية البصة، حيث اشترى ارضاً وبنى بيتاً من ثلاث طبقات، وكان الاكبر في البلدة الصغيرة.

وكانت ابنته، عفيفة، أولى ثمرات هذا الزواج، برزت عفيفة في المدرسة، وكانت الاولى في صفها. وكما والدة د. صايغ، كذلك والده عبد الله زخور الكباش، من مدينة حمص بسوريا، كان الاول في صفه، وبقى اسمه على لائحة الشرف في المدرسة في السنوات الاربع التي قضاها فيها.

التقى عبد الله زخور الكباش، الذي اصبح (صايغ) لاحقاً بالفتاة عفيفة في قرية خربا، السورية، في نهاية العام 1914، وجرى اكليل الزواج في كنيسة خرب، بعد اشهر قليلة في النصف الاول من عام 1915.

واثمر هذا الزواج ثمانية بنين وهم: يوسف (1916)، فؤاد (مات طفلاً)، فؤاد (1919)، فايز (1922)، وتوفيق (1923)، ماري (1927)، منير (1929)، وانيس (1931)



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه