إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

القومي السوري: المستفيد الصامت

غسان سعود - الاخبار

نسخة للطباعة 2010-05-19

إقرأ ايضاً


تفرّد الحزب السوري القومي الاجتماعي بعرض النتائج التي حققها مرشحوه في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات البلدية، مثبتاً أن حالته بعد الانسحاب السوري من لبنان أفضل مما كانت عليه قبله في دورتي الانتخابات البلدية السابقتين، عامي 1998 و2004، حجز الحزب السوري القومي الاجتماعي لنفسه على لوائح النفوذ السوري مقاعد في عدد كبير من المجالس البلدية، حتى بدا يومها أن الوصيّ الذي يعطي القومي بالمفرق في السياسة، يكرمه بالجملة في البلديات.

في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات البلدية الحاليّة، قدم الحزب القومي ـــــ مقارنةً بالقوى السياسية الأخرى ـــــ نموذجاً لافتاً عن الإدارة الحزبيّة الذكية لهذه الانتخابات، نائياً بنفسه عن عاصفة الخلافات الداخلية التي تزعزع القوى السياسية، الأزمات مع الحلفاء، المشاكل مع العائلات والهزائم غير الضرورية. فقد التزمت قيادة الحزب استراتيجية واضحة، تغسل بموجبها يديها من كل التفاصيل الانتخابية، معطية الحرية للوحدات الحزبية في القرى والبلدات والمدن لتقرر هي ما تريده، شرط وجود إجماع قومي. وكلفت القيادة الحزبيّة لجنة إشراف على الانتخابات تضم نائب رئيس الحزب وعمداء الاقتصاد والداخلية والدفاع والمالية والإذاعة فيه. وهكذا، لم يكن رئيس الحزب، النائب أسعد حردان، مضطراً إلى التنقل من بلدة إلى أخرى في جبل لبنان والبقاع للتدخل في التفاصيل، كما يحصل مع مسؤولي أحزاب أخرى لم يعرفوا النوم منذ أسابيع لانشغالهم بخلاف بين مختارين. فحصلت في معظم بلدات النفوذ القومي اجتماعات حزبية بقيت مغلقة حتى حسم القوميون نيتهم في شأن البلدة، وأبلغوا لجنة الانتخابات بموقفهم وذهب ممثلون عنهم لمفاوضة القوى الأخرى في البلدة. ويؤكد عضو لجنة البلديات قيصر عبيد في هذا السياق أن القوميين ذهبوا في معظم البلدات موحَّدين إلى انتخابات البقاع وجبل لبنان، ولم تسجل أية حادثة لترشح قوميين على لائحتين متنافستين.

النتائج التي تحققت في جبل لبنان والبقاع تريح قيادة الحزب، التي تؤكد أن نحو 200 قومي دخلوا إلى المجالس البلدية في جبل لبنان سيكونون إلى جانب نحو 25 مختاراً أذرعة للحزب في البلديات تسهّل عمل القوميين.

لكن الصورة الجميلة من بعيد، لا تبدو في السحر نفسه عن قريب. ففي المتن الشمالي، الذي يُعَدّ أحد المعاقل الأساسية للحزب القومي في جبل لبنان، يمكن رصد ملاحظتين أساسيتين:

الأولى، عجز الحزب عن إقامة تحالف متين مع أي من القوى السياسية في المتن. فالجدران السميكة بقيت على حالها بين القومي والكتائب، رغم مدّ النائب سامي الجميل نسبياً يده للقوميين في بلدة بيت شباب. أما النائب ميشال المر، فمضى في سياسة عزله القوميين من دون أن يسمع تلميحاً أقله إلى رابط بين تحسين علاقته مع قوميي المتن وتحسين علاقته بالنظام السوري. ولم يظهر أن للقومي مكاناً على لائحة الأولويات عند حزب الطاشناق. أما مع التيار الوطني الحر، فكان لافتاً أن العلاقة كانت جيّدة، حيث يفترض أن يأخذ العونيون من القوميين، وسيّئة حيث يفترض أن يعطي العونيون للقوميين، وبدا في بلدتي ضبية وبسكنتا خصوصاً أن التجانس المطلوب بين الطرفين غير موجود. الثانية، اهتزاز صورة الحزب في معاقله الأساسية. ففي بلدة ضهور الشوير لم يحسم الحزب موقفه تجاه اللائحتين اللتين ترأس إحداهما الياس أبو صعب (زوج الفنانة جوليا بطرس) القريب من الحزب القومي، وترأس الأخرى نعيم صوايا القريب سياسياً من القومي وعائلياً من حردان. وفي بسكنتا توترت العلاقة كثيراً بين العونيين والقوميين أثناء تأليف لائحتهما المشتركة، فذهبا إلى الانتخابات ملتزمين شيئاً واحداً هو تشطيب أحدهما الآخر، فخرج الاثنان في النتيجة خاسرين. أما في ضبية، فأثبت العونيون الذين خرقوا لائحة القومي أنهم يستحقون ما كانوا يطالبون القومي به عبثاً. وقد أدى الخلل في إدارة العملية الانتخابية في معاقل القومي الأساسية إلى تمييع إثباته لحضوره في عدد كبير من بلدات المتن.

عجز الحزب عن إقامة تحالف متين مع أيّ من القوى السياسيّة الفاعلة في المتن وإذ يسجل الغياب القومي في كسروان وجبيل (ما عدا 4 بلدات)، يلاحظ نجاح القومي في حجز كراسيّ لمحازبيه على لوائح فائزة في بعبدا، عاليه والشوف. وهنا، يبرز أمام القومي تحدٍّ كبير على صعيد استعادة نفوذه في هذه المناطق التي تراجع كثيراً النشاط القومي فيها مقارنة بمراحل سابقة، في ظل استعانة الوزير السابق وئام وهاب والنائب طلال أرسلان بالقوميين ليبنيا بفضل خبرتهم في العمل الحزبي حيثية لأنفسهما.

ومن الجبل إلى البقاع، مروراً ببيروت التي بدت غير موجودة بالنسبة إلى القومي، أقله على صعيد المخاتير، خاض القومي في البقاع معارك إلى جانب العوني في بلدات، وضده في بلدات أخرى. ومع الحزب التقدمي الاشتراكي في قرية وضده في قرية أخرى. ومع القوات وضدها أيضاً (اللافت أن القواتيين لا يتنكّرون لتحالفهم مع القومي في بعض البلدات، أما القوميون فيفعلون ذلك). كذلك حجز القوميون مقاعد لأنفسهم على معظم لوائح حزب الله في منطقتي بعلبك والهرمل.

يؤكد هذا أن الحزب القومي قادر على أن يقف على قدميه، من دون العُكّازة الإقليمية، وأن يشعب الاتصالات السياسية بمختلف الأفرقاء ليضمن حق محازبيه في الوصول إلى السلطة. الأمر يكاد يتوقف على إشعار الحزبيين بأنهم معنيون بحزبهم أولاً، وعلى تجاوز الخطوط الحمراء التي يقيد بعض القوميين أنفسهم بها ثانياً. وبقي أن المرحلة الرابعة من الانتخابات، وخصوصاً في الكورة وعكار، ستسمح بتقويم جدي لأداء الحزب القومي في هذه الانتخابات.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024