شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2010-05-20
 

بـدوي بـركـات القومي الاجتماعي، رفيقـاً، أديبـاً، وشهيـداً

عمدة شؤون عبر الحدود

من الرفقاء الذين كان لهم تميّزهم بالحضور، الحزبي والأدبي، في زغرتا، ومشاركتهم في بناء العمل القومي الاجتماعي فيها، يحتل الرفيق بدوي بركات مكانه اللائق في الصف الأول، وهذا ما يعرفه عنه الرفقاء الذين عرفوا الحزب بواسطته، عقيدة وقدوة، أو رافقوا تجلّيه في ممارسة العضوية القومية الاجتماعية بما تُمثل من خلق رفيع وايمان واع وصدق وتفان.

ما كتبه عنه عارفوه غداة استشهاده، فنشروا شهاداتهم في كتيب حمل اسمه ورسمه، بعد مضي 32عاماً على رحيله، يضيء بوضوح على ما كان عليه الرفيق بدوي بركات، مواطناً وقومياً اجتماعياً.

من تلك الشهادات الغنية نقتطع ما يلي: 

لا تخسر الصفات إذا اضيفت الى اسمه... بل تغتني به.

كان بدوي شهادة في زمنه، تحمل معنى الضد، على ثراء في العطاء، وتواضع في الكِبَر.

مثقفاً كان، يوم كان الالتزام الثقافي نذراً يعاش، لا هذراً من الكلام، ويوم كان الموقف طليعة صعبة، في مواجهة الجهل والحقد والفقر.

صامتاً كان، فالضجيج من علامات الضحالة، ومن سمات السخف، ومن عادات التكرار... صمته المشع كان أوسع مدى من مساحات الثرثرة الداشرة.

وكان يحب. وهل هناك أعظم قيمة من الحب؟.

ومن أحب رسم لنفسه طريقاً بلا وصولية، ولكنها توصل بين المعاناة والتجربة من جهة، وبين الهدف والغاية من جهة اخرى.

وكان.. ولكنه لم يزل. لأن أمثاله لا يموتون بسرعة. يزهرون ببطء ويثمرون عندما تنضج الحياة في المجتمع.

قتلوه، لأن الزمن آنذاك، كان على هداية الجهل يفتدي بشعارات الثأر العائلي. ولكنهم عجزوا أن يقتلوه بعد موته. فيما كان بدوي، حارته بلدته، والدعي الذي كان متقدماً عنده، وسابقاً لسواه، تحوَّل رويداً رويداً، الى حالة اجتماعية، ازدهرت فيها أفكار، لا تقيم للثأر وزناً، وتحاول ان تتخطى أسوار العائلات.

كان شهادة ضد الاقتتال العائلي... وجسده تقدم قرباناً... والكل يتناول اليوم من وليمة النضج التي رسمها بعمق ووعي، الشهيد بدوي.

ولأن الزمان ضد الذاكرة، أردنا هذا الكتاب، حروفاً من يده وكلمات من وجدانه، وأفكاراً من عقله... فلقد كان بدوي مرهفاً على احساس شفّاف بالشعر وقضاياه، يصبغه بمعاناته ومعاناة شعبه.

لم تكتب له الحياة كي يضع لمساته على هذه الباكورة من الكتابات الشعرية والنثرية، وتقديراً له، جمعت الى جانب شهادات بعض رفاقه وأهله إضافة الى رسوم للفنان سايد ابو محرز والتي رسمها خصيصاً من وحي القصائد.

ما نوده من هذه الباكورة، ان يبقى بدوي اسماً برسم المستقبل، فلا يقال عنه كان... بل هو كائن وسيكون، بما أنتجه، وبما حملته لنا شهادته، يوم كان العقاب الجسدي المجاني، نشيداً ينتشي به القتلة.

بدوي بركات ليس وحيداً اليوم. وإن كان وحده انتحل الغياب وسافر بعيداً عنا.

بدوي عائلة كبيرة من الوعي والكلمة والشجاعة والمسؤولية والتواضع.. والمحبة. وفي هذه الباكورة بعضٌ من غنائه الجميل.

 

أصدقاء بدوي بركات

زغرتا 1 آذار 1998

 

**

ودائماً بدوي بركات

بقلم المخرج المسرحي يعقوب الشدراوي 

كنت على خشبة المسرح في موسكو، أتحدث الى ممثلين في أثناء التمارين، عندما هتف المناوب: "برقية لرفيقنا اللبناني". كلمة رفيق، كانت لقب الفرد في المجتمع الشيوعي، وجمعها رفاق تمييزاً لها عن رفقاء. تقول البرقية: " احضر الى مركز الهاتف "مخابرة من اوديسا". واوديسا هذه مدينة اوكرانية ومرفأ سوفياتي على البحر الاسود. ما لي ولك يا اوديسا، وفي طريقي الى مركز الهاتف شعرت وكأن ما كان يسيل في أنفي يتكسّر، وله صوت الزجاج، فتأكدت من أن النفس يتجمد من شدة البرد. السماء مكفهرّة، والمناخ حامل بالشيوعية المستقيمة الرأي! دخلت. انتظرت. رنّ الهاتف، احكِ مع أوديسا.

- ألو مين؟.

- سليم شحاده.

- سليم ايها البحار الجميل! أي صوت قد جرّ سفينتك الى هذه الدنيا؟

- كيف حالك وحال البحار والحيتان العظام؟

- كيف حال نجيب ويوسف وطنوس وبدوي؟

- بدوي مات قتلاً !... 

نحن الذين لم نعد نرى وجهك، نظنك دخلت الظل والنور. مثلك مثل الكواكب، نصفها ظاهر ونصفها مستتر. ولكنك لم تتركنا في الرماد... كنا نمشي ونمشي، ولم نكن من المسّائين. ذات يوم استرحنا في مرج، قبل أن نصل الى "الزريقة"، وأنت تقتلع بأصابعك بعض الأعشاب. قلت: من يستطيع أن ينظر الى البعيد، ويسأل الأيام الآتية عن مجرى الأمور؟ من يسابق الزمن ويمدّ يده ليكفكف الدموع؟ لتعانق المحبة الأسى؟ ألا أيها الموت ارقص، واضرب الأرض بقدميك! ثم ضحكنا حتى الوجع. أكنا نمشي حباً بالطبيعة؟ لست أدري! أحببنا الدلب كشجر عظيم، مع انه لا يزهر ولا يثمر... أذكر عندما اقتربت من تلك الشجرة العتيقة، القابعة على الحجارة بجذورها العارية، ورببت بيدك عليها قليلاً قليلاً، لا لتنام، بل لتذكرها بان أصولها مشتبكة بعظام الأرض، أمنا، وأن مسرّتها ليست بسحن الأعظم، بل ببذرة تدفن وتموت، لتنبت شجرة أعظم منها! عرفت الطبيعة من بواكيرها، دون أن تمهل غاية الوقت في الموت، من حياتنا القصيرة.

أكتب فيك شهادتي، وأنا بأمس الحاجة الى من يشهد لي! شهاباً كنت، والآن اراك نجماً مضيئاً، ينفر من سماء، ويعكس عليّ مقداراً من الضوء، اكثر مما ينبغي، فأتوحد فيك. هكذا النجوم تهمس، عندما تنزلق بتهور.

وتعنّ صرخة من الصحراء، لتصطدم بهمهمات الشمس المنحدرة الى المغيب. الفضاء والبحر لا ينفصلان. وفي الأعلى لحن يسيّر الكون، ودائماً بدوي بركات.

**

حلـم بتغيير العالـم

بقلم الامين نجيب اسكندر 

من يتذكر الظروف الصعبة والمأساوية، التي كانت تعيشها زغرتا، خصوصاً في الخمسينات ومطلع الستينات يتذكر، ولا شك، مجموعة من الشباب، الذين رفضوا الصراعات العائلية، ونتائجها المدمّرة، وانعكاساتها على مجرى حياة الناس، ويدرك مدى المعاناة والاضطهاد والضغوط، التي عاناها كل من رفض ذلك الأمر الواقع، واقع التذابح والفقر والتعصب والحقد، الذي كان يمارس من خلال الصراع المرير، الذي ذهب ضحيته عدد كبير من الشبان الأبرياء، وانعكس على البلدة، فشلّ فيها اي عمران أو تقدم، ودفع قسماً كبيراً من شبابها المتعلمين، الى الهجرة أو الهرب.

في تلك الأيام السوداء، كانت هناك عادة أن تسير النسوة، قريبات القتيل، وراء نعشه يرقصن الماً، ويحملن قطعة سلاح كانت له، أو قطعة لباس من ألبسته. في صيف 1966، مشيت وراء نعش بدوي بركات، رأيت أمه تحمل كتاباً، وأخته قلماً وأوراقاً، ورفعت أخته الثانية دفتراً حوى بواكير أشعاره، وهنّ ينتحبن..!.

كان بدوي رفيقي، والى ذلك كان صديقاً لي، وفوق كل ذلك، كان صديقاً للكلمة، عاشقاً للحوار، اليفاً للقلم، مدمناً الكتاب.. وكان معجباً ببولس الرسول... فيردد دائماً أمامي: لا يوجد مثيل لبولس الرسول في التاريخ، فهو كان ضالاً فاهتدى، وخريطة تجواله في سبيل المسيحية، ونشر الكلمة، تربكنا نحن وكل صاحب عقيدة، في هذا العالم. كانت حيوية بدوي بركات ملفتة، وبمقدار ما كان يحلم بتغيير محيطه وأمته وعالمه، كان يكره الجهل والتعصب والحقد. وكان يردد: " هذا وضع غير محتمل، يجب أن نحرّك الناس، ونحرّضهم على رفع سباباتهم، رفضاً واتهاماً". آمن هذا الشاب، بعقيدة تحمل حلولاً، لمشاكل أبعد وأوسع وأكثر تعقيداً، من مشاكل بيئته وبلدته. فتحرك كل زمانه القصير، بفرح المؤمن بأنه يملك حلاً جذرياً، لمشكلة بلدته المتفجرة، فكان يورد الطرح بعد الطرح، مشدداً على وجوب خلق تيار محايد، عن طريق الحوار. لذلك، كان يملأ الشارع الرئيسي في البلدة، بمناقشاته ولقاءاته مع كل أصناف الناس واتجاهاتهم. وخلق جواً للنقاش والشك، حتى في المسلّمات العائلية، التي كانت المحرك الأساسي في الصراع، طارحاً البديل. وانكب على تعليم الأميين، تجوالاً بين البلدات والقرى، حيث كان يتحدث الى الناس، عن الحرية والتقدم ونبذ التعصب والتحرر من ربقة الإقطاع السياسي، وتوحيد الولاء للمجتمع والأمة...

مرّة، لفتتني ورقة زرقاء كانت في جيب قميصه.. سألته عنها.. قال اقرأها. كانت رسالة من فتاة لم اكن أعرفها، والذي ما زلت أتذكره من نص الرسالة، هو ما معناه: لا تحلم بتغيير العالم، وأنت تعيش في أرض الشوك والدم، خطابك أمس اثارهم، اهدأ. انت لست سبارتكوس. العالم لن يتغير. دع عنك همّ الاخرين، وتعال معي نهرب من هذا الجو الموبوء. فأنا أخاف ان يجرفك التيار، مع من سيجرف...

أذكر انه كان يراقبني، وأنا أقرأ الرسالة، وعندما انتهيت، قال: هذه فتاة خائفة، شأن كل الناس هنا. والمؤسف ان الحق الى جانبها! فالناس هنا يعيشون كالخراف تنتظر الذبح، مع فارق أن الخراف لا تعرف ذلك.

وبدلاً من الهرب والجمود، تابع بدوي بركات تنفيذ تقنية الحوار، الذي دعا اليه. فكان يخترق كل الصفوف، حتى المقاتلين، ويتحدث اليهم عن نتائج أعمالهم، و"يتحرش" بالطلاب والمزارعين والناس العاديين، وأصحاب المحلات ومسّاحي البويا، ويناقشهم بمحبة وانفتاح. وكان له مجلس في كل حي. يطرح المصير في المنازل والمدارس. يسلّط الضوء على المآسي. ويتحدث عن المستقبل. ويدعو الى التغيير ووقف النزف، والالتفات الى البناء وإصلاح الأرض، والاهتمام بالعمل لتأمين لقمة العيش... 

رحمة الله عليك ايها الشهيد ! فيك مات الجسد، أما روحك.. ففرضت حقيقتها على هذا الوجود !.

**

من قصائده

" تشجعوا يا أهل فلسطين وكونوا رجالاً،

كي لا تُستعبدوا للعبرانيين...

كونوا رجالاً وقاتلوا ".

التوراة: سفر الملوك الأول 9:4

يا أحبائي انظروا اليّ !

إن أبناء صهيون أحرقوا وجهي

ووحوش البادية نهشت عظامي

فمنذ أجيال والغرب يسخر مني

وأعدائي ينصبون لي الفخاخ

" إرحموني يا أحبائي

فإن يد الله مسّتني"

وأشعلت نار الحب في أحشائي

من أجل فلسطين بلادي.

***

من أنا؟

قالت غبية صهيون

ليست فلسطين

فالفلسطينيون من هم؟

يا أحبائي !

ليخرس كل من كذب على الحق

أنا ابن فلسطين البار

يشهد لي الوحي والتاريخ

فالله أوجدني قبل ابراهيم والأنبياء

واليوم أصبحت إنساناً جديداً

أتيت اليكم ونور الحق يضيء سبيلي

ولهيب الثورة يتأجّج في داخلي

أتيت إليكم لأسخّر أقوالي وأعمالي

وكياني كله

من أجل الخير والحق والحرية

ولا شغل بعد الآن يشغلني

غير فلسطين بلادي.

***

من أنا؟

أنا ابن سوريا ولبنان والأردن

أنا شعلة الحرية

أنا طالب الحق قبل الخبز والماء

لأشدو به نهاراً وليلاً

" إنه ما دام نفَسي فيّ

وروح الله في أنفي

لا تنطق بالسوء شفتاي

ولا يهذُ لساني بالبهتان "

اتركوني يا أحبائي

ففي أحشائي نزعة أقوى من السيول

لتجتاح الخيام

وتستقر على شواطىء بلادي.

***

انا الضمير الحيّ

أنا الفدائي المستميت

أنا النسر الذي يحلّق في السماء

ويقلق العظام اليابسة في مضاجعها

وعلى الأرض أصبح اسداً زائراً

بفمي أنهش ثعالب صهيون

ووحوش البادية أبددهم بذيلي

تعالوا يا أحبائي

لنضرب العدو على رأسه ونشلّه

ونحيي فلسطين بلادي.

***

أنا الكرامة

أنا بطل إربد وعمّان والزرقاء

أنا الذي أيقظ العالم من سباته

يا أحبائي استيقظوا

واستفيقوا من سبات الأجيال

قسّوا قلوبكم الليّنة

وأشعلوها من جمرة السنديان

لأن لا راحة لكم الا في القتال.

***

بدوي بركات في سطور

 

·      ولد في زغرتا سنة 1938.

·      تلقى دروسه في مدرسة زغرتا الرسمية، حتى الشهادة المتوسطة.

·      انتمى الى الحزب السوري القومي الاجتماعي في تشرين الثاني سنة 1956.

·      شارك في احداث العام 1958، في منطقة الكورة وزغرتا.

·      تسلّم مسؤوليات عدة في الحزب: فكان مذيعاً ومديراً وناظراً للاذاعة.

·      اعتقل في أثناء المحاولة الانقلابية سنة 1961-1962، لمدة شهرين.

·      استشهد في 2 ايلول سنة 1966 على يد الأجهزة والتعصب العائلي.

·      مثّل المناضل المتفائل أبداً، المستعد ابداً، المتواضع والأنوف، على رغم كل ما عاناه من الفقر.

 


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه