شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2010-10-11
 

وزارة المال السائب

محمد وهبة - الأخبار

ملفّ ديوان المحاسبة: ضبط التلاعب في وزارة المال بالجرم المشهود

هناك ملفّ دسم لدى ديوان المحاسبة، يتضمّن تقارير ومراسلات داخل وزارة المال وبين المعنيين في الوزارة والمعنيين في الديوان، وهي تؤكّد وجود عمليات تزوير وتلاعب في الحسابات المالية للدولة، كما تؤكّد أن إعفاء مديرة المحاسبة العامّة بالتكليف، رجاء الشريف، من منصبها لم يكن إلا إجراءً عقابياً، لأنها أسهمت في تكوين هذا الملف، قصداً أو عفواً لم تنجز مديريّة الخزينة في وزارة المال حسابات المهمّة منذ فترة طويلة جدّاً. وبحسب الملف الذي اطّلعت عليه «الأخبار»، يتبيّن أن «عدم الإنجاز» كان «إنجازاً» حققه وزراء المال المتعاقبون عن سابق تصوّر وتصميم، بالتواطؤ مع المسؤولين في هذه المديرية وغيرها من المديريات المعنية، وذلك بغرض إخفاء الحسابات المالية الحقيقية للدولة، ولا سيما لجهة الإنفاق من خارج الموازنة، الذي تنامى كثيراً ليصبح بمثابة «الإنفاق الأهم والأشهى».

فحسابات المهمة، أي دفاتر مسك الحسابات المالية التفصيلية، تعدّ العنصر الأساس لمطابقة نتائج قطع الحسابات، إذ من دونها لا يمكن التدقيق في قطع الحساب ولا يمكن بالتالي الكشف عن أي تلاعب بالجرم المشهود... وبغية إخفاء الأدلّة الجرميّة، جُنّد المسؤولون في مركز المعلوماتية الآلي والسيطرة على نظام المعلوماتية فيه، وهو نظام صمّمه وأداره المدعو نبيل يموت، الذي شغل منصب مستشار وزير المال لشؤون المعلوماتية في عهود فؤاد السنيورة وجهاد أزعور ومحمد شطح وريّا الحسن... حتى بات يُطلق عليه لقب «وزير المال الفعلي»، نظراً إلى السطوة التي يمارسها في وزارة المال، خلافاً للقوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء.

تحرّك ديوان المحاسبة

نظراً إلى أهمية مركز المعلوماتية في مسألة الحسابات المالية للدولة، فقد اكتشف ديوان المحاسبة منذ سنوات ثغراً جمّة تسمح بالتلاعب بهذه الحسابات، فأرسلت النيابة العامة لدى الديوان مذكرة الى وزارة المال في 20 كانون الأول 2008، تطلب فيها إجراء المعالجات اللازمة لبرنامج المعلوماتية، لكونه مخالفاً لقواعد المحاسبة ويتيح إلغاء وإضافة قيود وإخفاء انحرافات ومخالفات.

وجاء تحرّك النيابة العامة بعدما أجرت تحقيقاً في شأن فروق ظهرت بين رصيد حساب الصندوق الداخلي للتعليم المهني والتقني في دفاتر الإدارة، ورصيد الحساب نفسه لدى مديرية الخزينة والدين العام، وقد تبيّن أن «البرنامج المعدّ في المركز الآلي، والمعتمد من مديرية الخزينة، لإثبات ومعالجة عمليات القبض والدفع والتحويلات بين الحسابات المختلفة التي تقوم بها الخزينة العامّة، يسمح بإضافة أو إلغاء قيود سبق تدوينها، وذلك خلافاً لأبسط قواعد الضبط والأصول المحاسبية المقرّرة في التصميم المحاسبي العام والنصوص القانونية، ما يتيح إخفاء انحرافات أو أخطاء أو مخالفات يمكن أن تستدعي الملاحقة».

ورأى الديوان أنه «لا يجوز الاستمرار باعتماد هذا البرنامج»، وطلب إبلاغ المركز الآلي بوجود هذا العيب الجوهري، موضحاً أنه «أبلغ مديرة الخزينة شفهياً بهذا العيب»، لأخذ العلم وإجراء المعالجات اللازمة ووضع الضوابط لهذا البرنامج كما لغيره من البرامج التي يمكن أن يكون وضعها المركز الآلي في خدمة مختلف مديريات وزارة المال، داعياً الى إعادة النظر فيها على ضوء النصوص القانونية والمعايير المهنية والرقابية ذات العلاقة، بغية توفير الحماية للمال العام من الأخطاء والانحرافات الممكن وقوعها أو ارتكابها مهما كان نوعها ومصدرها وخلفياتها.

العثّ في وزارة المال

التذكير بأن وزير الدولة للشؤون الماليّة فؤاد السنيورة هو أبو نظام المعلوماتية، قد لا يثير الاستغراب. فالسنيورة بدأ العمل على خلق نظام المعلوماتيّة الحالي منذ عام 1993، وكلّف مستشاره آنذاك نبيل يموت بالإشراف على تصميم النظام المذكور. وقد لا يثير الاستغراب أيضاً أن يموت نفسه بقي ممسكاً بهذا النظام منذ وجوده، وهو تغلغل في إدارات وزارة المال انطلاقاً من موقعه الحسّاس، بمعيّة وزراء المال الحريريين، الذين باتوا يكلّفونه بكل الأعمال «السوداء»، حتى في مجال تهديد الموظفين الشرفاء وغير الفاسدين.

أحدث هذا النظام «فوضى منظّمة» أو «اعتداءً منظّماً» على المالية العامة، وأتاح للقابضين عليه بصورة متواصلة، إخفاء حسابات وتعديلها باستمرار، فتحوّل الأمر إلى عرف يومي يمارسه الموظفون بإشراف يموت... إلى أن كشفت اعتراضات رجاء الشريف أخيراً حجم هذا التلاعب ومستواه وتداعياته على عمل مديريات الوزارة، وهي عناصر دفعت بالمدير العام لوزارة المال، ألان بيفاني، الى إصدار قرارات عقابية بحق مديرة الخزينة موني خوري ومدير مركز المعلوماتية الآلي جورج ضاهر، بحسم راتبيهما، محيلاً الملف على النيابة العامة لديوان المحاسبة... إلا أن الفضيحة كانت في إقدام وزيرة المال ريّا الحسن على إلغاء العقوبات بعد أقل من 12 ساعة على صدورها، بحسب ما تكشفه أوراق الملف لدى الديوان.

هذا الملف يكشف أيضاً عن عشرات المراسلات بين حزيران وأيلول من عام 2010، جرت بين مديرة المحاسبة العامة بالتكليف رجاء الشريف وبيفاني، وبينهما وبين كل من مديرة الصرفيات في الوزارة عليا عباس، ومديرة الخزينة موني خوري... وتكشف هذه المراسلات عن العث الذي يلفّ وزارة المال منذ عام 1993 إلى اليوم، وتشير بوضوح إلى الأهداف التي تكمن وراء إخفاء إنفاق مبالغ من المال العام من دون أي سند قانوني، ولا سيما منذ عام 2005 إلى اليوم. وقد انتهت هذه المراسلات بإحالة الملف على النيابة العامة لديوان المحاسبة بعد اعتراض خوري على العقوبة، وذلك على الرغم من أن ما أثارته الشريف يؤكد ويوثّق حصول تجاوزات لنظام المحاسبة العامة، مثل إعادة تكوين قيود محاسبية، وتعديل بعض الحسابات المالية، وإبقاء الحسابات مفتوحة لفترة تزيد على 5 سنوات... أي كل عناصر التلاعب بالحسابات المالية للدولة!

وقد أشار بيفاني، في إحدى مراسلاته مع مديرة الخزينة الموثّقة في ملف ديوان المحاسبة، إلى خطورة هذا التلاعب وتأثيره على الحسابات المالية، إذ ردّ بيفاني على كتاب اعتراض خوري على العقوبة، ما حرفيّته: «يتبيّن من إحالتكم أنكم ما زلتم تعتبرون أن تعديل القيود العائدة لسنوات أقفلت حساباتها هو شيء طبيعي، مع العلم بأنه يتعارض مع أبسط الأصول المحاسبية. أما إذا كنتم تعتبرون أن مهلة الإقفال مفتوحة إلى حين إرسالكم الحسابات رغم تأخرها، فهذا شيء أكثر خطورة عما سبق. ويفهم أيضاً أن النظام الموجود يسمح بإجراء هذه التعديلات وهذا خطير جداً، ويتنافى مع أبسط قواعد أنظمة المحاسبة».

وقائع موثّقة لدى الديوان

لا تنحصر عناصر ملف ديوان المحاسبة التي اطّلعت عليها «الأخبار» في هذه الجوانب فقط ، بل تشمل جوانب أخرى أكثر إثارة، فالملف يشير إلى تدقيق داخلي حصل في وزارة المال، وطال 85 ألف معاملة من حوالات الدفع، وقد تبيّن أن 35 ألفاً، أي 41.2% منها، تعتريها شوائب، وجميعها مخالف للأصول المحاسبية ولأبسط القواعد والمعايير الدولية للمحاسبة، كما أنها كلّها جرت في ظل النظام المعلوماتي الذي أرساه السنيورة منذ مطلع التسعينيات ولا يزال عاملاً إلى اليوم بالصيغة نفسها... وتكفي الإشارة إلى أن ملف الديوان يحتوي على كتاب من رئيس فريق المحاسبة الخاص في وزارة المال، عبد الناصر المعلّم، يطالب بإجراء ربط نظم المعلوماتية في الوزارة لنحو 50 جهة، بين مديرية ومكتب وقسم ومصلحة كانت ولا تزال تعمل على نحو منفصل معلوماتياً، أي إن المعلومات مشتّتة لدى كل من هذه الجهات على حدة، وهو أمر وحده يسمح بحصول هدر وفساد، فكيف إذا كان النظام مصمماً ليكون كذلك؟

وما يعزز الشك في حصول عمليات التلاعب عبر هذا النظام، مراسلات كثيرة يحتويها ملف الديوان، تكشف عن الوقائع الآتية:

ـــــ تشير الشريف في إحدى مراسلاتها إلى وجود «حساب مؤقت للواردات» وقد أدرِجت فيه قيود بمبالغ تقدّر بنحو 20 مليار ليرة، لكنها من دون أي مستندات ثبوتية ومن دون أي تفاصيل تشير إلى كيفية إنفاقها، فكتبت تقول «إن التفاصيل يجب أن تكون في مديرية الخزينة التي يجب أن توضحها، فضلاً عن وجود فروقات في النصوص وتطبيقاتها»، هذا الواقع يدفع إلى التساؤل عمّا إذا كانت مديرية الخزينة تنشئ حسابات وفقاً للأصول النظامية، «فلماذا هناك قيود من نوع حسابات مؤقتة للواردات والنفقات، ولماذا لا تعدّ الحسابات في وقتها؟ ولماذا تكون الحسابات غير دقيقة دائماً؟».

ـــــ يقول رئيس فريق المحاسبة الخاص، في كتاب مؤرّخ في 16 حزيران الماضي، رداً على استفسارات الشريف عن حسابات المطابقة لعام 2006، إنه «تبيّن وجود أوامر دفع غير مدخلة على نظام الصناديق، علماً بأنها مسددة بموجب شيكات، وقيمة هذه الشيكات مصروفة من حسابات الخزينة في مصرف لبنان، وهناك أخطاء في تسجيل أرقام الشيكات».

ـــــ تقول الشريف في كتاب لها في 30 حزيران، إن هناك تعديلاً في حسابات عام 2007 (هي من السنوات المشبوهة، التي حصل فيها الإنفاق من دون أن تكون هناك موازنة، وعلى ذمة تنفيذ مشروع موازنة، وهو أمر يستغرب كيف أن ديوان المحاسبة قبله طيلة 5 سنوات منذ عام 2006 إلى اليوم)، فقد تبيّن وجود فروقات بين الحساب الإداري للنفقات والبيانات الواردة من مديرية الصرفيات والمتعلقة بقطع حسابات 2007ـــــ 2008.

ـــــ وتشير الشريف، في كتاب سابق بتاريخ 29 حزيران 2010، إلى تعديلات على نفقات 2007، جرت في مديرية الصرفيات، وقد تبيّن أن الفرق يبلغ 74 مليون ليرة!

ـــــ يبيّن كتاب آخر أعدّته الشريف أن هناك 45 معاملة جديدة في قسم الموازنة غير مقيّدة في السابق، وهناك 28 معاملة في قسم المحاسبة، ومعاملة في قسم الصندوق الرئيسي، ومعاملة في قسم مصرف لبنان.

ويقول أحد المعنيّين في ديوان المحاسبة إن هذا الأمر يعني أن المعاملات تظهر إما لتغطية إنفاق سابق غير قانوني، وإما لتغطية عمليات فساد، وإما لتغطية تقصير يجب أن يُحاسب المسؤولون عنه.

القدرة على التلاعب

ويتبيّن من الملف لدى ديوان المحاسبة أن كتاباً من وزارة المال أحيل على النيابة العامة في مطلع عام 2009، عن «تلاعب بجداول التكليف الضريبي»، بعدما قام «مجهول بتعديل ضريبة الدخل المتوجّبة على نظام التحصيل المعتمد في الوزارة»، وهي الجداول الخاصة بالمدعو أ. ع. ض، وذلك على الرغم من أن المراقبين الرئيسيين حنا جعجع ورواد غضبان وضعاها، لكن المركز الآلي يُظهر سداد هذه الأموال...

أما العلّة الكبرى، كما تكشفها المراسلات، فقد تمثّلت في ترك الحسابات في مديريات الوزارة مفتوحة لفترة تزيد على 5 سنوات، وذلك خلافاً للتصميم المحاسبي العام، وقواعد المحاسبة الدولية، ما يفتح المجال أمام التشكيك في دقّة المعلومات الصادرة عن المركز الآلي، وعن الهدف الذي من أجله تركت هذه الحسابات مفتوحة، إذ بات يمكن تعديل هذه الحسابات وإدخال أي إنفاق فيها بطريقة غير قانونية. فالقوانين المحاسبية تطلب إقفال كل سنة مالية بسنتها، وعدم ترك أي فراغ حتى لا يستعمل لزيادة قيود (إنفاق أو صرف) جديدة، على ألا تدرج أي عملية جديدة بتاريخ قديم، وألا يكون هناك إمكان لإلغاء أي معاملة أو قيد محاسبي، أو «حشر» قيد جديد... وبالتالي كان على أي نظام يدوي أو معلوماتي أن يحترم الضوابط المحاسبية التي تمنع حصول الفساد والهدر والأخطاء المقصودة وغير المقصودة أو يكشفها، وهو ما لم يحصل في حالة المركز الآلي.

نتيجة هذا الواقع، يقول أحد المعنيين في ديوان المحاسبة، إن حسابات المهمة لما بعد أعوام 2003 لا يمكن أن تكون دقيقة، إلا إذا دُقّق في كل المعاملات الجارية في مديريات وزارة المال للتثبت من صدقيّتها ودقّتها القانونية، إذ إن مثل هذا الخرق هو إشارة إلى احتمال وجود فروقات إضافية، لأن عدد المعاملات التي تجريها وزارة المال يومياً هائل، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بسنوات عديدة؟ لكن هذا الوضع، على أي حال، لا يجب أن يكون مبهماً لدى مديرية الصرفيات، حيث تصل حوالات الدفع وحوالات الصرف، فهما المستندان القانونيان اللذين يجب أن يرتكز عليهما لدفع الأموال، ولهذا أوجبت المادة 82 من قانون المحاسبة العمومية أنّ على مدير الصرفيات أن يتحقق من قانونية الصرف، إذ «لا يجوز إصدار الحوالة إلا بعد التثبت من انطباق معاملة التصفية على القوانين والأنظمة المالية فقط»، لكنّ مديرة الصرفيات عليا عباس ردّت «باختصار» على المراسلات، ثم حلّت ضيفة في النيابة العامة لديوان المحاسبة منذ يومين «لترتيب أوضاعها»، ولا سيما أنها تسعى إلى الفوز برضى الرئيس نبيه بري لتعيينها مديرة عامّة، إذا تسنّى صدور التعيينات الإدارية!

***************************************************************************

السنيورة أيضاً وأيضاً

كيفيّة نشأة النظام المعلوماتي في وزارة المال، هي قصّة أخرى تبدأ بتولّي الرئيس فؤاد السنيورة وزارة المال، إذ أدرج حينها «موضة» إصدار مذكرات وتعاميم تلغي المراسيم. ففي إحدى المرات أبلغ موظفي الوزارة الآتي: «إلى أن يعالج المشترع... يجري الحل كما يلي»، أي إنه كان يحلّ بمذكرة ما يحتاج إليه مرسوم، وقد دفع هذا الأمر بأحد الظرفاء إلى القول: «يكفي أن يكون لك مكان على درج وزارة المال حتى تصبح مشترعاً!».

وقد تراكمت موروثات «السنيورة» في وزارة المال منذ عام 1993 حين دُمّر جزء من الأوراق الخاصة بإنفاق الدولة ومصاريفها وكل السجلات المحاسبية عن الفترة ما بين 1979 و1993 وتبعثرت المستندات ودمّرت التجهيزات التي تساعد على تقديم المعلومات وتحليلها، فأقرّ إعفاء وزارة المال من موجب إنجاز قطع الحساب عن تلك السنوات... لكن ما بقي في الحسابات المالية لم يكن معروفاً ما إذا كان وفراً أو عجزاً، وهو لا يزال مجهولاً إلى اليوم. فاستند السنيورة إلى هذا الواقع لينشئ أنظمة جديدة لقاعدة المعلومات، وكلّف فريق عمل لتحقيق الهدف المخفي، وعلى رأسه كل من نبيل يمّوت، جورج ضاهر، وعامر مملوك.

وكان يفترض أن توضع برامج معلوماتية لتطبيق النصوص القانونية والمحاسبية التي ترعى عمل مديريات وزارة المال مثل: نظم التحصيل، نظم الدفع، نظم الرواتب، ونظم إعداد حساب المهمة... ويروي متابعون لهذا الملف، أن الفريق المذكور تخطى صلاحياته ليجمع في عمله بين الدور التقني الذي يخدم عمل الوزارة، والدور الإداري الذي كان مطلوباً من موظفي الوزارة، فيما كانت شبكة التحصيل في وزارة المال تتسع لتشمل إلى جانب صناديق الوزارة في المناطق وحساباتها في مصرف لبنان، حسابات جديدة في المصارف الخاصة وتحصيلات تجبى عبر «ليبان بوست»، فأحدث الأمر هوّة بين الوضع السابق والوضع الحالي، ما اضطرّ السنيورة إلى خلق «فريق المحاسبة الخاص» وهو غير موجود في الهيكلية التنظيمية، ليكون الذراع التنفيذية للوزير وللفريق التقني.

هكذا كانت البداية لإنشاء مغارة وزارة المال.

*******************************************************************

لا يحق للحسن إعفاء الشريف من منصبها

أعلن رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان إرجاء جلسة اللجنة، التي كانت مقررة عند الخامسة من بعد ظهر اليوم الاثنين، بسبب اعتذار وزيرة المال ريا الحسن عن الحضور لوجودها في الولايات المتحدة الأميركية.

وكان النائب كنعان قد دعا إلى هذه الجلسة الاستثنائية كلاً من الوزيرة الحسن وديوان المحاسبة، لبحث ملابسات تأخير وضع حسابات المهمة وقطع الحسابات عن السنوات الماضية، وذلك إثر البيان الصادر عن مجلس الديوان بعد اجتماعه الطارئ في الأسبوع الماضي، وما تبعه من إجراءات «كيدية» قامت بها الوزيرة الحسن في الوزارة، ولا سيما إعفاء مديرة المحاسبة العامّة بالتكليف رجاء الشريف من منصبها لأنها أرسلت قطع حسابات سنوات 2005 و2006 و2007 إلى الديوان، خلافاً لإرادة وزيرة المال الساعية (مع فريقها) إلى إعفاء نفسها من هذا الموجب الدستوري، وإخفاء حقيقة ما حصل من إنفاق غير قانوني على مدى سنوات عدّة.

وأكّدت مصادر في لجنة المال والموازنة أن الجلسة ستعقد فور عودة الوزيرة الحسن إلى بيروت، وبالتالي لن يكون هناك أي تمييع، إذ سبق للّجنة أن أثبتت حرصها على متابعة أي ملف يتصل بعملها بجدّية تامّة، فكيف إذا كان الأمر يتعلّق بأخبار عن وجود تلاعب في حسابات الدولة المالية، فهذه جريمة لا يمكن السكوت عنها إذا تبيّنت صحّتها. فالمسؤول عن أي تلاعب حصل سيلقى عقابه، والموظّف الذي يلتزم القوانين والأنظمة سيُكافأ ويلقى كل الدعم.

إلى ذلك، أثار البيان الصادر عن وزيرة المال منذ أيام قليلة، المزيد من ردود الفعل الشاجبة، ولا سيما أن هذا البيان أقرّ، عن قصد أو عن غير قصد، بوجود مخالفات جمّة في إعداد حسابات الدولة المالية. إذ رأى وزير المال الأسبق جورج قرم، في حديث إلى تلفزيون «OTV»، أن «هناك «فلتاناً» في وزارة المال، مشيراً إلى أن «وزيرة المال ريا الحسن تنقصها الخبرة القانونية والمالية»، معرباً عن أسفه لأن هذه الوزارة بقيت بأيادي الكتلة السياسية نفسها منذ نهاية عام 1992، باستثناء حكومة الرئيس سليم الحص. وقال قرم إن وجود أخطاء في قطع الحساب أمر ممكن، وإن الوزارة يمكن أن تُجري تعديلات عليه عند التنبه إلى هذه الأخطاء. إلا أنه رأى أن غياب حساب المهمة، أي الدفاتر المالية العائدة لكل عمليات الخزينة من نفقات وواردات، منذ بداية هذا العقد، هو دليل على الفوضى القائمة. ولفت قرم إلى أن عمليات الخزينة لا تزال غير مسجلة على النحو الصحيح، وهذا دليل إضافي على الفوضى المقصودة.

وردّ مصدر نيابي ـــــ قانوني على بيان الوزيرة الحسن المذكور، الذي رأت فيه أن إعفاء الشريف من منصبها يندرج من ضمن صلاحياتها، مشيراً إلى المادة الـ34 من المرسوم الرقم 2894 الصادر بتاريخ 16 كانون الأول 1959 والمتعلق بتحديد شروط تطبيق أحكام المرسوم الاشتراعي الرقم 111 تاريخ 12 حزيران 1959 (تنظيم الإدارات العامة)، التي تنص على ما يأتي: «في حال غياب المدير أو رئيس الوحدة، ينوب عنه، في كل ما ليس له صفة تقريرية من أعماله أو صفة شخصية أناطها به القانون، مرؤوسه الأعلى رتبة، وذلك بعد موافقة الرئيس المباشر للموظف الغائب». وبناءً على ذلك يقتضي إعمالاً للقانون تولي رئيسة دائرة الرقابة المالية على المؤسسات العامة الدكتورة رجاء الشريف مهمات مدير المحاسبة العامة بالإنابة سنداً لأحكام هذه المادة، وذلك إلى حين تعيين مدير أصيل للمحاسبة العامة. أما تكليف سواها بهذه المهمة، فبدعة غير قانونية وفقاً لأحكام المادة الـ49 من نظام الموظفين. وأما المناقلات الداخلية في الوزارة، فلا أحد ينازع الوزيرة الحسن في أنها من صلاحياتها، شرط أن تجري وفقاً لأحكام القانون أيضاً (أي بمرسوم بناءً على اقتراح الوزير وبعد موافقة مجلس الخدمة المدنية في ما خص تعيين مدير محاسبة عامة جديد).

أما في ما خص كفاءة مديرة المحاسبة العامة بالإنابة رجاء الشريف لإنجاز المهمة المنوطة بها، فيبدو أن الشك لا يرقى إليها، بحسب بيان الوزيرة الحسن، إذ إنها التزمت بموجب إعداد قطع الحسابات وإيداعها ديوان المحاسبة، كما تقضي أحكام المادة 195 من قانون المحاسبة العمومية، وأحكام المادة التاسعة من نظام إرسال حسابات الإدارات العامة والمستندات والمعلومات العائدة لها إلى ديوان المحاسبة المصدق بموجب المرسوم الرقم 4001 الصادر بتاريخ 12 أيار 2010.

واستغرب المصدر نفسه أن تبرر الوزيرة الحسن إعفاء مديرة المحاسبة العامة بالإنابة من مهمتها بضخامة العمل الملقى على عاتقها، إذ إن البيان نفسه عاد وأشار إلى «أن المديرية المعنية بإرسال الحسابات إلى ديوان المحاسبة لم تلفت انتباه وزيرة المال إلى أنه سبق أن أُودع ديوان المحاسبة قطع حسابات عامي 2006 و2007. كذلك إن المديرة رجاء الشريف، التي كانت مكلفة مهمات المديرية، أودعت قطع الحسابات للأعوام نفسها دون انتظار قرار مجلس الوزراء ودون إعلام وزيرة المال». فسبب الإعفاء إذاً لا يعود إلى ضخامة العمل بحسب ما زعمت وزيرة المال، بل إلى عدم إعلام الوزيرة الحسن وفريق عملها واستئذانهم للالتزام بموجب قانوني، وإلى عدم المشاركة في خطة تقضي بعدم وضع قطع الحساب عن السنوات الأربع الماضية لإخفاء الإنفاق الذي تجاوز ما تجيز القوانين إنفاقه بأكثر من 11 مليار دولار.

ولفت المصدر النيابي إلى أن بيان ديوان المحاسبة الأخير ركز على ضرورة إيداع حسابات المهمة العائدة للسنوات من 2001 لغاية 2008 ضمناً لكي يتمكن الديوان من تدقيق قطع الحساب العائد لهذه السنوات، ولا سيما قطع حساب عام 2008 الذي لم يرسل بعد إلى الديوان، والذي يتوقف على إقرار المجلس النيابي له إقرار مشروع موازنة عام 2010... وهذا الموقف يكشف عن خطورة ما أوردته وزيرة المال في بيانها عن اكتشاف فرق بقيمة 8 ملايين ليرة لبنانية بين قطع الحساب الأول لموازنة عام 2005 وقطع الحساب الثاني للموازنة نفسها، فهذا أمر غير مشجع، لأن الحسابات نفسها يجب أن تؤدي إلى النتيجة نفسها. أما وقد اختلفت النتيجتان، فمن يضمن أيهما هي الصحيحة؟ ومن يضمن عدم اكتشاف فرق بقيمة أكبر عند إعداد قطع الحساب نفسه في المرة الثالثة؟

واستغرب المصدر ما ورد في بيان الحسن لجهة «أن العمليات التي تجري في وزارة المال، سواء كانت إنفاقاً أو إيراداً، كلها موثقة بمستندات ثبوتية تؤكد صحة هذه المعلومات والعمليات وصحة انعكاسها المحاسبي». وأشار المصدر إلى أن توافر المستندات الثبوتية وصحة انعكاسها محاسبياً كان يجب أن يقترن بإجراء القيود في مواقيتها يومياً وأسبوعياً وشهرياً وسنوياً، وكان يجب أن يقترن بوضع قطع حساب الموازنات السابقة وحسابات المهمة العائدة للسنوات السابقة ضمن المهل المحددة قانوناً، لا الانتظار لمدة تزيد على 9 سنوات لإعداد حسابات المهمة والانتظار لمدة تزيد على 5 سنوات لإعداد قطع حسابات الموازنات.

وحذّر المصدر النيابي ـــــ القانوني ممّا ورد في بيان الحسن لجهة أن «وزارة المال ستعمد إلى الطلب من ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي انتداب مفتشين ومدققين لمواكبة أعمال حساب المهمة وقطع الحساب في المديريات المعنية»، فنصح وزارة المال بألا تلجأ إلى ذلك؛ لأن ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي هما جهازان رقابيان لا يجيز لهما القانون المشاركة في أعمال يتولون الرقابة عليها لاحقاً، وختم قائلاً: «إننا على تمام الثقة بأنه لا ديوان المحاسبة ولا التفتيش المركزي سيرتكبان مثل هذه المخالفة».



 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه